ردي على الدكتور مصطفى الحلوة

عزيزي الدكتور مصطفى..
كلامك من موقعك في الوطن لا غبار عليه.. إذ أصبح العالم بفضل الانترنت قرية كونية صغيرة. بإمكاننا أن نتواصل مع بعضنا البعض بسرعة البرق، كلمة ونطقاً وصورة.
ورغم كل ذلك تجد أن المغترب اللبناني ولو فرشت له الغربة ذهباً سيظل يحن الى مسقط رأسه.
هنا في استراليا توجد جمعيات قروية لبنانية بالمئات، تجمع أهالي كل قرية تحت جناحيها، رغم بعد المسافات بينهم، تراهم يلتفون حول بعضهم البعض بالأفراح والأتراح، عكس الغربة تماماً، فأنا لم أعلم أن جاري الذي شباكه على شباكي قد مات إلا بعد شهر أو أكثر. فلقد لمحت أرملته صدفة وسألتها عنه، فباحت بسر وفاته.. فتصور.
وتصور أيضاً انني بعد نصف قرن من اغترابي ما زالوا ينادونني "بابن مجدليا" التي عشت فيها عشرين سنة فقط من عمري، ولم أسمع أحدا يناديني "بابن ماريلاندز" المنطقة التي سكنتها 50 سنة وبنيت فيها مسكناً. 
سأخبرك يا عزيزي الدكتور مصطفى قصة لم أخبرها لأحد من قبل ولا كتبت عنها: بعد اسبوعين من وصولي الى أستراليا أحسست بحنين حارق وجارف الى الوطن، وأن أستراليا ستدفنني وأنا حي، فقررت الهروب بأية طريقة كانت، وكانت محطة القطار قريبة من مسكني، فركبت أول قطار وصل المحطة، بغية العودة الى "مجدليا"، ونسيت أن أستراليا جزيرة معلقة بكعب الارض، لولا صراخ إمرأة أخي وتحذيري من أن القطار سيرميني في البحر لا محالة.
أستراليا بالقلب.. ولكن القلب في لبنان. وهذا الاحساس لا يشعر به إلا المغتربون، ولهذا اضمحل عدد ابناء الجاليتين اليونانية والإيطالية في أستراليا بعد أن عادوا بمعظمهم الى مدنهم وقراهم الأصلية، ولو كان حال لبنان السياسي والاقتصادي والامني كحال ايطاليا واليونان لعاد نصف المغتربين اللبنانيين وكنت الأول بينهم.
هذه هي حالنا يا عزيزي الدكتور مصطفى الحلوة. أبعد الله عنك الغربة وعن كل لبناني.
واسلم
أخوك شربل بعيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق