إعتذاري العلني للنحات توفيق مراد




أنا الموقع أدناه شربل بعيني أعتذر أمامكم للنحات اللبناني المغترب توفيق مراد، كوني لم أزر معرضه الرائع القائم في منطقة "كنتربري"، رغم وجوده هناك لأكثر من أربعين سنة، وكأن الغشاوة الاعلامية والشعرية قد ضربت عينيّ ومخيلتي.
فجأة التقيته في معرض الأب الفنان جون جبّور الذي أقامته له رئيسة جمعية إنماء الشعر الدكتورة بهية ابو حمد، فدعاني الى زيارة معرضه المتحف، وطلب مني وعداً قاطعاً للزيارة، فوعدته، وأنا أتمتم في سري: من سيأخذني إلى هناك؟
ومن غير الصديقين الكبيرين الاعلامي جوزاف بو ملحم والشاعر روميو عويس أهلاً لذلك. فدخلنا متحفه يوم الأربعاء قرابة الساعة الثانية والنصف بعد الظهر.. ودخلت الى قلوبنا رهبة قدسية لم نقدر على حجبها نحن الثلاثة أمام عينيّ النحات المبدع توفيق مراد.
رؤوسنا تدور، وأعيننا تدور، والمتحف يدور بنا، وكأن التماثيل تتحرك من تلقاء ذاتها، لا بل سمعناها تتكلم وتخبرنا قصة مجيئها الى هذه الدنيا.
التماثيل حيّة.. هكذا وجدناها، وهكذا تعاملنا معها، وهكذا أحببناها، لا بل دهشنا بها.
أول عبارة نطقت بها حين دخلت جنة النحت هذه كانت: أنا آسف يا أخي توفيق مراد. وأعتقد أن جوزاف وروميو قد تأسفّا أكثر مني، لعدم زيارتهما لعالم فني مدهش قلّ أن تراه عين.
وبعد أن التقطت أنفاسي من الدهشة المفرحة ارتجلت هذه الردة الزجلية:
توفيق مراد النحات
إزميلو بيخلق آيات
فنان كبير ومشهور
مع فنّو ع قلبي فات
هنا صاح توفيق بأعلى صوته: "لما".. طنجرة قهوة من فضلك. لم يقل ركوة، بل طنجرة، لشدة فرحه بوجودنا، أي يريدنا أن نشرب ونشرب ونشرب كي تطول زيارتنا أكثر فأكثر.
وجاءت السيدة "لما" مرسملة بثقافة عالية، وبحديث شيّق، وكأنها أرادت أن تثبت لنا صحة المثل القائل: وراء كل عظيم إمرأة.
ذهبنا إلى متحف توفيق مراد فارغي الأيدي، فأهدى لكل واحد منا كرسياً محفوراً بشكل لا يمكنني وصفه، لأن جميع أعماله أكبر من الوصف، فحمل كل واحد منا كرسيه، ونسي أن يجلب قلبه معه، ولم ننتبه لذلك إلا عندما ركبنا السيارة وعدنا الى منازلنا، فأحسسنا أن النبض قد توقف في صدورنا، وأن القلوب لم تعد هناك.. لقد بقيت في متحف توفيق مراد.. ومن يدري فقد تتحول الى تماثيل خالدة أبد الدهر.
شربل بعيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق