ثوب من الماء لجسد من الجمر، مجموعة شعرية جديدة للشاعر العراقي الكبير يحيى السماوي، صدرت عن دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع، مع كلمة على الغلاف للشاعر المصري الصديق محمد جاهين بدوي، ختمها بتعريف جميل عن السماوي، إذ قال: انه السماوي، عزاف اللظى، وحكّاء الماء، وكليم المحبة المبين.
ومن المجموعة اخترت قصيدة "أديلايد" عاصمة الجنوب الأسترالي، لما فيها من ألم، جعلني أصرخ: ليت الكتاب كان كله عن أستراليا، التي يحق لها أن يكتب فيها وعنها قلم يحيى السماوي.
يبدأ السماوي قصيدته مخاطباً مدينته "أديلايد" بحسرة دامعة لم يتمكن رغم براعته اللغوية من إخفائها:
لا الريح والموج الغضوب
ولا دليل البحر قاد سفينتي
في غفلة الليل المؤبد
من صباح صلاة عيد
من أول الكلام رمى السماوي نفسه في الغفلة، وأعلن أن حياته "ليل مؤبد"، يزنره ظلام طمس بحلكته صباح العيد.. لدرجة تجعلنا نتساءل: من قاد سفينته إذن في "غفلة الليل المؤبد"؟
ويأتي صوته من البعيد:
ما قادني أحد إليكِ
أتيت من تلقاء قلبي
حاملاً حزن الفرات وذلّ دجلة
هارباً من جنة الوطن الشهيد الحيّ
والحيّ الشهيد.
فلنتوقف قليلاً عند عبارته الزئبقية "الشهيد الحي والحي الشهيد" التي ضمت أربع كلمات: الشهيد الحي، والحي الشهيد، ولكن اذا أردت تفسيرها، لما فيها من إيحاء مؤلم عن "العراق" المعذب، المشرد، المقتول، لبقيت أكتب وأكتب الى أن يلفظ قلم الحبر أنفاسه.
وبسبب هذا الموت المجاني الذي يبتلع شعبه، أختار "السماوي مدينة أديلايد" موطناً له، لا حباً بالهجرة بل:
آملاً بموتٍ
ليس يشبه موت أهلي في السماوة
أو بميلاد مجيد.
أف.. ما أشد عذابك يا شعبي، فكم من "يحيى" يصيح:
صادر الغرباء بستاني ونهري
فانتهيت مهاجراً من دون أنصارٍ
وكم من "يحيى" يصرخ بأعلى صوته، لدى وصوله الى مدينته الفاضلة:
لا تسأليني ما لديّ
أنا امرؤ حافي الحقيبة
أي أنه لا يملك شيئاً، سوى قلب ينبض بالايمان والمحبة، ويد تمتد لكل مصافح.
ومن منا لم يأت الى هذه الديار المضيافة "حافي الحقيبة"، ومن منا لم تملأ أستراليا حقيبته بالمال والسعادة.. والموت بسلام، كما تمنى "السماوي" تماما، حفظه الله وأمد بعمره.
قصائد المجموعة تنبض بالروعة، ولكن قصيدة "أديلايد" كانت، بنظري، أم القصائد.
ألف مبروك يا اخي يحيى، وإلى ابداع آخر باذن الله.
شربل بعيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق