جورج هاشم الصارم رأياً ونقداً ولغةً وتعليماً، يتحوّل في بعض مقالات كتابه "خارج السرب" الى "برنارد شو" بنكاته، وقصصه، ومواضيعه، وعناوينه. ولأن الكتاب مؤلف من 244 صفحة من الحجم الوسط، ويحتوي على أكثر من ثمانين مقالاً، وجدت أن من الأفضل أن أركّز على مقال أو مقالين فقط لأتكلّم عن "الفكاهة عند جورج هاشم".
يقول المثل اللبناني الشعبي: "المكتوب يُقرأ من عنوانه"، لذلك سأبدأ بحفنة من عناوين "خارج السرب" الساخرة:
ـ مار روكز وكلبه ص: 74.
ـ عزيزي الشيطان سامحنا ص: 84.
ـ الحمار الذكي ص: 107.
وكثيراً ما نراه يستعين بعبارات خالدة لجبران خليل جبران كي يوصل صرخته بسرعة الضوء:
ـ لكم لبنانكم ولي أستراليا ص: 78.
ـ أولادكم ليسوا لكم أولادكم أبناء الكومبيوتر ص: 94.
وصدقّوني أن من يقرأ عناوين مقالات جورج ليس بحاجة الى متابعة القراءة، فالعنوان فقط بإمكانه أن يكشف خبايا المقال، ويعريه أمام أعيننا، وهذا ما أسميه "بالحنكة الأدبية"، التي لا نجدها إلا عند كبار الأدباء والنقّاد.
بعبارات تهكمية موجعة يبدأ جورج مقالاً بعنوان "يا عيون ماما" ص 202 فيقول: "يأتي الى المدرسة كل صباح، وكأنه آتٍ الى ساحة المعركة، يرمي محفظته جانباً، وتبدأ المشاكل".
وجورج كما تعلمون مارس مهنة التعليم لسنوات طويلة، أي أنه عانى، كما عانيت أنا تماماً، من وجود طلاب من هذا النوع الذي أسميه: غنّوج أمه.
والويل لك اذا طلبت الوالدين للحضور الى المدرسة بغية حلّ مشكلة ابنهما التي لا حلّ لها، فيبدأ الأب بالصراخ على ابنه، وتبدأ الأم بتأنيب الأب، لا الابن، قائلة: "حرام عليك، لا تبهدله أمام رفاقه.. لا تزعل يا عيون ماما". وبدلاً من أن يحلا مشكلة ابنهما مع المدرسة، تبدأ مشكلتهما مع بعضهما البعض، والويل لمن يتدخّل.
مقال قصصي لا يوجد فيه أي ضرب من الخيال، كونه واقعياً وحقيقياً، وبإمكان أي مدرّس أن يكتب مثله تماماً، لو كانت عنده ملكة الكتابة، كجورج هاشم.
وهناك مقال بعنوان "المؤنث والمذكر" ص 113، قرأته عدة مرات لطرافته، يقول جورج:
" تزوج مدرس لغة عربية من زميلة له مدرسة ايضاً للمادة نفسها. في أول صبيحة من أيام شهر العسل، جلسا على الشرفة المطلة على الافق الذي يغسل قدميه بعيداً في المحيط ودار هذا الحوار:
ـ هل لاحظت حبيبي أن الشرفة مؤنثة؟
ـ هل لاحظت حبيبتي أن الباب المؤدي الى الشرفة مذكر؟
ـ أنا في سعادة لا توصف، الابتسامة لا تفارقني، هل لاحظت انها مؤنث؟
ـ وهل لاحظت أن السرير الذي نمنا عليه هو مذكر، وهو سر ابتسامتك وسعادتك اليوم؟
وهكذا دواليك الى أن تقول:
ـ هل هكذا تتكلّم مع عروسك في أول يوم من شهر العسل؟
ـ أي شهر عسل وأي بلوط؟ أنا ذاهب الى المدينة.
ـ أذهب معك.
ـ لا المدينة مؤنث. ومؤنث (واحدة) تكفيني.
ـ (بغضب) الظاهر انك نكد، والنكد بالمناسبة مذكر. (لم يجب. خرج وأغلق الباب بعنف وراءه).
ولكي يثبت جورج أن المرأة هي التي تدير المنزل، إما أن تدمّره وإما أن تحييه، مهما تفاقمت المشاكل فبيدها الحل، لأنها الأرحم والأجمل، يخبرنا أن العريس ما أن عاد من المدينة حتى ارتمت عروسه بين يديه وراحا في عناق "ضاع فيه المذكر بالمؤنث، مرة تجد المؤنث منتصراً، واخرى المذكر، وبعد جولات من الكر والفر، اعلنا التعادل على فنجان قهوة على الشرفة".
هذا هو المربي الاديب جورج هاشم، الذي يضحكك كي يتلمذك، ويسدد خطاك على دروب الحياة، فمهما كثرت المصائب، وتشعّبت الأحداث، يبقى التعادل سيد الأحكام، ويبقى قلم أستاذنا الهاشمي مضيئاً كشمس تنورين، وغزيراً كينابيعها الرقراقة.. ونبقى نحنا متلهفين الى إبداع آخر.
شربل بعيني
شربل بعيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق