فافي.. ديوان شربل بعيني الجديد/ أكرم برجس المغوّش

نشر الاعلامي السوري المعروف أكرم برجس المغوّش هذه الدراسة القيمة عن ديوان "فافي" في جريدة الهيرالد اللبنانية، كما قام بنشرها موقع العنكبوت، ونشرتها ايضاً جريدة العراقية.. وها نحن ننقلها هنا مع شكرنا للجميع:
أهداني الشاعر المهجري الكبير شربل بعيني ديوانه الجديد "فافي"، المؤلف من 156 صفحة من الحجم الوسط، فرُحت أقلّب صفحاته بسرعة فائقة لأعرف من هي "فافي"، وما نوع القصائد التي يحتويها الديوان، فإذا بي أكتشف أنه يتغنّى، كي لا أقول يتغزّل، بالشاعرة المصرية المناضلة فاطمة ناعوت، التي التقاها في سيدني ثلاثة أيام فقط، كان حصيلتها ديوان شعري رائع، قدّمه من شهد على أحداثه الإعلامي المعروف جوزاف بو ملحم. 
المقدمة:
إذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فديوان "فافي" يُقرأ من مقدمته، التي صاغها الاستاذ بو ملحم بأسلوب شاعري فتّاك، أي أنه لا يتركك تتنفّس وأنت تلتهم عباراته الفريدة بعينيك، فيبدأ دون استئذان، وينتهي دون استئذان، كونه يملك ناصية الكلام، وما عليك سوى الاستمتاع:
"كأنّه حبّ من العالم العلوي قد هبط إلى هذه الأرض.
حبّ عاش بين الكلمات، ونما على التويتر، وترعرع على الفايس بوك، فشهد له الإيمايل.
حب أرفعُ من السقوط في الماديات، لا يلعب الجسدُ فيه دوراً. إنه منعتق من كل القيود، متفلّت من كل الضوابط.
أقسمَ بالله أنه يحبّها أختاً نادرة، وأقسم بالله أنها مغرمة به أخاً مميزاً".
هذه بعض عبارات جوزاف بو ملحم القاطعة كسيف، الناعمة كريشة والجميلة كزهرة، والويل ثم الويل لمن يقول العكس. يريد أن يدافع عن حبّ شربل بعيني لملهمته فاطمة ناعوت ولو بالقسم الشديد. إنه شاهد حق على أحداث عاينها بأم عينه:
"بأمّ عيني رأيته يقبّل يدها بشدّة، فتذكّرت جبران وفيروز في قصيدة المحبة التي "لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق".
إنه يعرف كل شاردة وواردة مرّت بقصائد الديوان، كيف لا، وهو الثالث بينهما أنّى اتجها:
"علوياً هو يحبّها كثيراً، ويدعو الناس الى محبّتها. أما أرضياً فهو يغار عليها وعلى سمعتها. يغار عليها حتى من حاله، فكان دائماً يأمرني مستجدياً أن أكون بصحبتهما".
هنا يتبادر إلى ذهني سؤال: هل كان إعجاب شربل بعيني أشد من إعجاب جوزاف بو ملحم بـ "فافي"؟ لا أعتقد:
"لا غروَ.. فهي الجميلة بكل تقاسيمها، الجذابة المقنعة في كل ما تكتب"
مجنون من يعتقد أن شربل وجوزاف هما المعجبان الوحيدان بها، إنهم بالآلاف، وها هو شربل يتأفف من كثرتهم في قصيدة "ارثوا لحالي" فيقول:
زحمةٌ قاتلةٌ يسببها المعجبونَ في حلقي،
أفتّش عن كلمةٍ أستدرجُها بها،
فإذا بهم يسبقونني إليها،
يجاهرون بها دون خوف.
حبُّهم لها مَلِكٌ تاجُه هرمٌ.
حبّي لها عبدٌ قيدُه قبرٌ.
هم الأقوى.. وأنا الأضعف.
فارثوا لحالي.
في ختام المقدمة، انسحب الاعلامي من معمعة الاعجاب ليترك الساحة لصديقه الشاعر، فرفع يديه نحو السماء وصاح:
"حسبي فقط أني شاهدٌ بأمِّ العين على حبّ لا نظير له على هذه الأرض".
**
قصائد الديوان:
يتألّف الديوان من 27 قصيدة، دخلتها فقرات كثيرة بقلم فاطمة ناعوت، أي أن الكتاب ليس لشربل بعيني فقط، بل هناك جنينات ورد كثيرة للملهمة "فافي".
يبدأ الكتاب بقصيدة "أختي":
والدي،
كان يحلمُ بابنةٍ تزيّن شبّانَه الستة.
شرط أن تكون شاعرة.
فالشعرُ كان غذاءَه اليومي.
والدتي..
كانت تردّد على مسمعي:
لو رزقني الله بابنة
لأسميتها "فرح".
وأطلّ الفرحُ مع "فافي".
وينتهي بقصيدة "ارثوا لحالي":
الكلّ يعلمُ،
أنني "مجنونُ فافي".
أعلنتُ جنوني لحظةَ إزاحةِ الستار
عن لقائنا الأول.
وبعد مراجعةِ صفحتها على "الفايس بوك"
وجدتُ أن عددَ المجانين بها،
أكثرُ من دقّاتِ قلبي.
توقف قلبي عن النبضان
تضامناً معي.
 والقصيدتان تثبتان أن حب شربل لـ"فافي" مجرد إعجاب شديد، أقرب الى الأخوّة منه الى الغرام. كما أن القصائد كلها لم تأتِ على ذكر حب "فافي" لشربل.. هي دائماً تصده، أو بالأحرى هو من يريدها أن تصده، كي لا يفسّر الحاقدون أشعاره عكس ما أراد:
غريب أمري مع "فافي"
لا قلبها لي..
ولا الابتسامة..
حتى ولا المكان..
فكيف ارتقي سلالم العشق
وانا مقعد في غربتي.
"فافي" بخيلة عليه حتى بالرسائل، هي في واد وهو في واد، ومع ذلك أبدع:
اذا تكارمت علي "فافي"
تكتب جملة واحدة،
كلماتها لا تتعدى أوراق زهرة!
حتى انها لم تعره اهتمامها، رغم كثرة المحاولات الجريئة التي قام بها:
أهديتها دواويني الشعرية
الموشحة بأجمل قصائد الغزل.
قرأتِ القصائدَ
ولم تهتمّ بغزلي.
وقّعتُها لها بعبارات 
تستمطرُ الدموعَ
ولم تعرْني اهتماماً..
حملتْ ابتسامتَها..
ورحلتْ.
هل نجح شربل في وصف جمال "فافي"؟ أنا شخصياً أبصم له بالعشرة في هذا المجال، أما هو، رغم إبداعه في وصفها، يجد نفسه مقصراً:
أعتذر منكم جميعاً..
لم أوفّق في وصف جمال "فافي"..
كل القصائد السابقة 
سقطتْ فنياً أمام حسنها.
وصفي لها لم يكن دقيقاً...
خذلتني عيناي..
فسامحوني.
**
نبذة عن فاطمة ناعوت:
المرأة التي لقبّها شربل بعيني بـ "جندارك" مصر، وشبهها بـ "كليوباترا"، ووصفها بـ "ينبوع رحمة"، وناداها "أختي"، وأجبرته على إعلان جنونه: "أنا مجنون فافي".. من هي؟
كاتبةٌ صحفية وشاعرة ومترجمة مصرية معروفة. خرجت في كلية الهندسة قسم العمارة جامعة عين شمس. لها، حتى الآن، تسعة عشر كتابًا ما بين الشعر والترجمات والنقد الأدبي والثقافي والكتب الفكرية. 
تكتب عددًا من الأعمدة الأسبوعية الثابتة ومقالات دورية في صحف ومجلات مصرية وعربية منها: جريدة المصري اليوم، جريدة الوطن، مجلة ٧ أيام، مجلة نصف الدنيا، جريدة اليوم السابع- جريدة الحياة اللندنية، مجلة “روز” الإماراتية، وغيرها.
 شاركت في العديد من ورش الترجمة العالمية مع نخبة من شعراء ومترجمي العالم. وترجمت روايات وكتب لكل من فرجينيا وولف، فيليب روث، تشيمامندا نجوزي آديتشي- جون ريفنسكروفت، هيلين فيشر، تشينوا آتشيبي، عطفًا على عدد ضخم من شعراء العالم. 
تناولت تجربتَها أطروحاتٌ علمية وأكاديمية. مثلّت اسم مصر في العديد من المهرجانات الأدبية والمؤتمرات الثقافية الدولية. 
تُرجمت قصائدها إلى العديد من اللغات الأجنبية. عضو مكتبة الشعر الإسكتلندية، وعضو نادي القلم الدولي. تهتم مقالاتها بوجه عام بالبحث عن الجمال وقضايا العدالة والمساواة وحقوق المرأة والأقليات. وفازت مؤخراً بحائزة شربل بعيني لعام 2013.
**
نبذة عن شربل بعيني:
الشاعر الذي وصفته "فافي" بـ "غيمة تمطر شعراً"، وطلبت منه أن يخبرها "من أي قبسة نور خلقه الله"، وسألته أن يعلّم الناس "كيف الشعر وكيف الحب"، وفضلته على حاتم الطائي "يا أكرم من الطائي"، من هو:
ولد شربل بعيني عام 1951، في بلدة مجدليا ـ قضاء زغرتا، لبنان الشمالي. هاجر إلى أستراليا عام 1971، بعد أن تعرّض لاعتداء من قبل أشباح المكتب الثاني اللبناني يومذاك. ألقى العديد من الأمسيات الشعرية في الوطن والمهجر.
حاصل على شهادتين جامعيتين في التعليم الإثني وطريقة طرحه في مجتمع يتكلم لغة أخرى. مارس مهنة التعليم في معهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك ـ سيدني، من عام 1980 لغاية 2009. تبنّت وزارة التربية في ولاية نيو ساوث ويلز مؤلفاته المدرسية، وعملت على طبعها، وما زالت تدرس في معظم المدارس العربية والأسترالية.
أصدر صحيفة "صوت الأرز" ومجلة "ليلى" الورقيتين، ويشرف الآن على مؤسسة الغربة الاعلامية التي تضم تلفزيوناً وإذاعتين ومجلة. ونشر أكثر من 41 مجموعة شعرية، وصدر أكثر من 30 كتاباً عن أدبه، ومئات، لا بل آلاف القصائد والمقالات عنه.
كُرّم في حياته مرّات عديدة من قبل مؤسسات حكومية واجتماعية وإعلامية وثقافية وفنيّة في الوطن والمهجر. ولقبه الاديب السوري نعمان حرب بـ "شاعر العصر في المغتربات"، ومنحته الجامعة اللبنانية الثقافية ـ قارة أميركا الشمالية جائزة : أمير الشعراء في بلاد الانتشار اللبناني"، كما وصفه الاعلامي طوني شربل بـ "سيف الادب المهجري".
 توزّع باسمه جائزة عالمية أوجدها الدكتور عصام حداد في مدينة جبيل اللبنانية.
**
الختام:
شاعرة مثل فاطمة ناعوت، وشاعر مثل شربل بعيني، لهما هذا المستوى الراقي من الأدب، يحق لهما أن يتغزلا بمن يشاءان، وأن يمدحا من يختاران، فالكلمات تنصاع لهما، ليتلاعبا بها كيفما يريدان، تارة يبنيان وطناً، وتارة أخرى يخلقان حبيبين، وطوراً يثوّران أمة.
فإذا تغزّل شربل بفاطمة، فإنما يتغزّل برونق عطائها، بسحر كلامها، وبجمال إنسانيتها. هي وجه اجتماعي وأدبي رائع، فلن ترفعها كلمة، ولن تخلدها قصيدة. هي خالدة شاء النقد أم أبى. وجودها الفكري راسخ، وديمومتها الادبية أبدية.
شربل بعيني في ديوانه "فافي" أثبت للجميع أن بإمكان الشاعر أن يتغزّل بمن يشاء، وساعة يشاء، دون أن يراه، أو يلتقيه، أو يساكنه الوطن.. أو أن يحبّه. 
ـــــــــــــ
ديوان "فافي"، شربل بعيني، سيدني 2013 
كما نشر المقال ايضاً في جريدة العراقية

هناك تعليق واحد:

  1. فاطمة ناعوت10:36 م

    لم أقرأ منذ دهر أجمل من هذا النقد الذي لا يذبح النصّ ويجرحه
    بل يجرح القلب الذي يقرأ النص
    فيزدادُ النزفُ ويتعمّق القصيد
    نقد ماسٌّ بنصل ناعم
    لكنه لا يخدش جسد القصيدة
    بل يخزُها برهافة وحسم
    لكي تُفرز رحيقها
    مثلما حبّة رمل ناعمة
    تخزُ محارة وليدة فتُطلق سراح لؤلؤة خبيئة في الصدف
    ألف محبة واحترام للأستاذ أكرم على هذا الجرح النبيل
    وهذا الكلام العلويّ المثقف
    الذي يتقن قراءة الشعر ثم يصوغه درًّا ولآلىء وشهدًا
    كل احترامي
    فاطمة ناعوت

    ردحذف