طلبات ليلى وأحاجي الدروب


كمال العيادي
دروب
شقيق شق الكبد المتورّم

وسفير مسيح المحبّة,

حارس شجرة الأرزّ من نزق الكركدنّ,

العزيز الغالي شربل بعيني,
مرّ زمن, لم أكاتبك, ولم تكاتبني فيه, رغم كلّ ما يعتريه ويعترينا من قلق وتيه, ورغم إمتلاء الجراب وفيض الجيوب عن حاجتها من الاحداث والعلل… وربمّا ألهانا التكاثر يا صديقي, وربمّا كان حدث وأن وصل خبر موتنا الآنيّ المشروع إلى من لا نريد كما يريد رغم كلّ حرصنا المبالغ فيه, أن يكون ذلك هادئا وسريّا كما يليق, بحيث لا يثير غبارا يؤذي مثيريه, ولا يجرح كبرياء أحبّة لا يحسنون تأويل الأحاجي والأحلام…
وربّما كلّ ما في الأمر يا صديقي, أنّ طلبات ليلى وأحاجي الدروب ألهانا عن حطّ أحمالنا ووضع أوزارنا كما كنّا نفعل في ذلك الزمن البعيد, والركون لقشة من الوقت الجميل إلى كسرة الشعير ومزود اللبن المعتّق وحفنة الملح, والبصيلة الخضراء, نتجاذب أطراف الحديث, ونزيّن ليل الغربة المتشابه بألوان حكاياتنا وأوجاعنا المرحة. وقد يكون أنّ الأسباب جميعا تجمّعت, كما ما زالت تتجمّع أيها الصديق…
لم يك في وسعي أن أعزّيك في لبنان, ولبنان أمكر من أن يموت…ولم يكن وقت توت, لأهنئك بنضج ثمار التوت… كان الوقت سلحفاة قلبوها على ظهرها إلى حين, وكنّا ندرك معا, أنّ السلحفاة لا تبقى مقلوبة إلى الموت, وأنّ الارض فاسقة وداعرة, ولكنّها امّنا الأرض…
لذلك, ربّما كانت قسوتنا كلّها لا تتعدى أننا نعبّر عن حبّنا بنبل الصمت, حين استشعارنا لضرورة الصمت, كما كناّ نعبّر عنها بالبوح حين تضيق صدورنا بالصمت….ما أكثر أعذارنا حين نبحث عنها يا صديقي …وكم سيبدو موقفنا ساذجا لو خيّرنا الإعتذار بدل البحث عن أعذار, ولو كانت أوهى من خيوط العنكبوت…
كيف حالك يا أنت ؟

أيها الراهب المتنسّك في محراب المحبّة الأبقى ؟
أمّا عن حالي, فحالك حينا, وحينا أقلّ حلكة, حين أفكّر أنّ ثلاثة أرباع أيتام الله حالهم أحلك من حالي…الصباحات متشابهة…والليل موّال لم يتغيرّ من عشرين…لم يمت من الجيران غير من لم أتعرّف إليه…والمطر كعادته, يرشّ الأرض السفليّة مرّتين في اليوم… صباحا مساء… لم يكبر ابناء الحيّ…
وأصدقك القول أنني لم أر طفلا في الحيّ منذ عشرين سنة أو تزيد… ربّما لخروجي في غبش الفجر وعودتي عند تورّم الظلام , كلّ يوم ومنذ عشرين, هوّ السبب في انني لا أرى كيف تنمو الأشياء… وهذا الأمر بالتحديد, لم يكن يزعجني في ما سبق, لكنّه الآن يثقل كاهلي, ويزعجني جدّا…
ومنذ بلغت الأربعين رسميّا, أمسيت وأنا أفاجئ نفسي كلّ يوم بضيق واختناق من المكان والزمان معا…أحسّ مؤامرة وغشّا في الحساب, ولا ادري هل كلّ ذلك بسبب النضج ام بسبب ما يعتريني من إهتمام غريب بضرورة متابعة الاخبار وفساد الحكّام وانحسار انفاس الإبداع في بركة أهون من أن يحطاط لقفزها في وثبة واحدة…
موت…موت في كلّ مكان… موت معلن وكريه ورائحة وباء….
قرأت للمرّة العاشرة, ويا كم أخطئ في العدّ, إعلانك وإحتجاجك الصامت هذا, واذهلني هذا الكمّ المخيف من القلق والتوجّس, رغم أنني اشاركك تقريبا في كلّ رعشة وكلّ تقلّص شريان… بل أنني أصبت بالذعر حين قرأت وقشّرت ما أردت قوله… فإذا بي وكأنني أفاجأ بتصدّع قلبي وتكسّر صلب الأحلام… أيّ شؤم وايّ رزيّة أصابت هذا الأخضر؟ ما الذي كان ينقص قبل عشرين لنرى الموت كما يليق بمستشعر وبشاعر أن يراه…
صديقي العزيز…اكتب لك هذه الأسطر وأنا أهمّ بالإلتحاق بجلسة الجمعة. سأذكرك بلتأكيد مع العزيز حسن حمّودة والشاعر فواز قادري وسعاد رفاعي وكوثر التابعي ورائد نعيم وعبّاس خضر وغيرهم ممّن ساجد من الأصدقاء… أعدك بأننا سنضحك, كيفما كان, ولأيّ سبب… وأنني سأرسل لك قريبا نصّا جميلا, أهديته لك…. فلا تنس أنّ هناك في مونيخ تحديدا من يؤمن بأنّك من بين أعزّ اعزّ أعزّ أحبّته…. وأنّه يذكرك يوميّا, قبل الصباح وبعد المساء ويوم الجمعة والسبت والأحد…
محبّتي التي يا وقدّ السما….

ما أصدقها


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق