وصلني عن طريق الدكتورة بهية أبو حمد كتاب الدكتور شيبان هيكل (سيرتي تاريخ وعبر)، فاستوقفني "تقديم بل شهادة" بقلم الدكتور مصطفى الحلوة، و"هذا الكتاب" للمهندس بدوي الحاج، ومقدمة المؤلف، التي اختصر فيها الكثير من رحلته مع الحياة.
وأعتقد أنه الوحيد الذي يحتفل بعيد مولده مرتين، فاليوم المسجل في بطاقة هويته، اشتراه والده بخمس ليرات، أما يوم مولده الحقيقي فكان مع طوفة نهر ابو علي، في 17 كانون الأول 1955، تلك التي فجرت قريحة الشاعر أسعد السبعلي عن قصيدة "الطوفان" التي غناها مطرب المطربين وديع الصافي:
يمي انهد البيت خيي مات
وإخدت الطوفه أواعينا
وإختي الزغيره بلعتا الموجات
بلا روح ردّا البحر ع المينا
أي أن ولادته كانت مليئة بآلام الناس تماماً مثل سيرة حياته.
وهذا المواطن (الإرداوي) الشهم، نسبة الى بلدته أردة، عمل جاهداً على بناء دولة المواطنة في بلد يلزمه الكثير كي يصبح وطناً بكل ما للكلمة من معنى، ويستشهد بأستراليا، البلد التي لم يتجاوز عمر الاستيطان بها أكثر من 250 سنة، ومع ذلك تمكنت من توزيع الخدمات بغية تحسينها.
ولكي تكون ناجحاً عليك أن تكون ذكياً، تستلهم الحدث لحظة وقوعه، وهذا ما لاحظته عندما لم يتذوق طعم قضيب الرمان على يديه من الناظر، كونه ردد عبارة سمعها من ابن عمته (أجلها أستاذ)، وهذه الحركة الذكية جعلت منه منذ الصغر سياسياً ناجحاً في الكبر.
أما سفره إلى المجهول فقد ذكرني بسفري، ولكنه كان أذكى مني، إذ وضع في حقيبته حذاء جديداً غير الذي ينتعله، أما أنا فلقد مشيت حافياً على أرض مطار بيروت، بعد أن أجبرني موظف السفارة الاسترالية على خلع حذائي كي لا ينقل الحراثيم الى الملكوت الاسترالي.
واللبناني مهما ارتحل، ينسى فكره هناك، في القرية التي ولد فيها، ويضع قلبه في صدر الحبيبة التي وقع بغرامها. وخير دليل على ذلك صديقه المغترب شربل، الذي راح يصرخ في نومه "قتلوها (أي حبيبته) وأحرقوا الدير" في بلدة عشاش.. وقد تحقق منامه بحرفيته.
أما كثرة ترحال الدكتور شيبان من بلد إلى بلد، فلقد بزّ بها ابن بطوطة، وهذه ليست حاله فقط، بل حالة كل لبناني هجر أرضه بحثاً عن مكان أمن يلجأ إليه.
وبالطبع، هذا المكان الآمن لن يكون لبنان وللأسف، لأنه ما أن عاد لرؤية أهله، حتى أوقفوه على الحاجز وسألوه:
ـ أنت تدرس في روسيا؟
وقبل أن ينبس ببت شفة، صاح أحدهم:
ـ لن أحرمك من رؤية أهلك الآن، ولكن لا تمر من هنا مرة أخرى.
أرأيتم الآن، كيف أن العالم أجمع يفتح ذراعيه لاحتضان الشعب اللبناني، وبعض ثعالب زعماء الشوارع الضيقة، يحذروننا من الرجوع إليه.. وإلا.
كتاب الدكتور شيبان هيكل يصلح لأن يتحول الى مسلسل تلفزيوني، ولكن مقص الرقابة سيشوه وسيحذف الكثير من فصوله المؤلمة.
شكراً دكتور على هديتك القيمة.
شربل بعيني