‏إظهار الرسائل ذات التسميات شربل بعيني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شربل بعيني. إظهار كافة الرسائل

شيبان هيكل الدكتور الذي ولد في "الطوفة" طاف العالم/ شربل بعيني



وصلني عن طريق الدكتورة بهية أبو حمد كتاب الدكتور شيبان هيكل (سيرتي تاريخ وعبر)، فاستوقفني "تقديم بل شهادة" بقلم الدكتور مصطفى الحلوة، و"هذا الكتاب" للمهندس بدوي الحاج، ومقدمة المؤلف، التي اختصر فيها الكثير من رحلته مع الحياة.

وأعتقد أنه الوحيد الذي يحتفل بعيد مولده مرتين، فاليوم المسجل في بطاقة هويته، اشتراه والده بخمس ليرات، أما يوم مولده الحقيقي فكان مع طوفة نهر ابو علي، في 17 كانون الأول 1955، تلك التي فجرت قريحة الشاعر أسعد السبعلي عن قصيدة "الطوفان" التي غناها مطرب المطربين وديع الصافي:

يمي انهد البيت خيي مات

وإخدت الطوفه أواعينا

وإختي الزغيره بلعتا الموجات

بلا روح ردّا البحر ع المينا

أي أن ولادته كانت مليئة بآلام الناس تماماً مثل سيرة حياته.

وهذا المواطن (الإرداوي) الشهم، نسبة الى بلدته أردة، عمل جاهداً على بناء دولة المواطنة في بلد يلزمه الكثير كي يصبح وطناً بكل ما للكلمة من معنى، ويستشهد بأستراليا، البلد التي لم يتجاوز عمر الاستيطان بها أكثر من 250 سنة، ومع ذلك تمكنت من توزيع الخدمات بغية تحسينها.

ولكي تكون ناجحاً عليك أن تكون ذكياً، تستلهم الحدث لحظة وقوعه، وهذا ما لاحظته عندما لم يتذوق طعم قضيب الرمان على يديه من الناظر، كونه ردد عبارة سمعها من ابن عمته (أجلها أستاذ)، وهذه الحركة الذكية جعلت منه منذ الصغر سياسياً ناجحاً في الكبر.

أما سفره إلى المجهول فقد ذكرني بسفري، ولكنه كان أذكى مني، إذ وضع في حقيبته حذاء جديداً غير الذي ينتعله، أما أنا فلقد مشيت حافياً على أرض مطار بيروت، بعد أن أجبرني موظف السفارة الاسترالية على خلع حذائي كي لا ينقل الحراثيم الى الملكوت الاسترالي.

واللبناني مهما ارتحل، ينسى فكره هناك، في القرية التي ولد فيها، ويضع قلبه في صدر الحبيبة التي وقع بغرامها. وخير دليل على ذلك صديقه المغترب شربل، الذي راح يصرخ في نومه "قتلوها (أي حبيبته) وأحرقوا الدير" في بلدة عشاش.. وقد تحقق منامه بحرفيته.

أما كثرة ترحال الدكتور شيبان من بلد إلى بلد، فلقد بزّ بها ابن بطوطة، وهذه ليست حاله فقط، بل حالة كل لبناني هجر أرضه بحثاً عن مكان أمن يلجأ إليه.

وبالطبع، هذا المكان الآمن لن يكون لبنان وللأسف، لأنه ما أن عاد لرؤية أهله، حتى أوقفوه على الحاجز وسألوه:

ـ أنت تدرس في روسيا؟

وقبل أن ينبس ببت شفة، صاح أحدهم:

ـ لن أحرمك من رؤية أهلك الآن، ولكن لا تمر من هنا مرة أخرى.

أرأيتم الآن، كيف أن العالم أجمع يفتح ذراعيه لاحتضان الشعب اللبناني، وبعض ثعالب زعماء الشوارع الضيقة، يحذروننا من الرجوع إليه.. وإلا.

كتاب الدكتور شيبان هيكل يصلح لأن يتحول الى مسلسل تلفزيوني، ولكن مقص الرقابة سيشوه وسيحذف الكثير من فصوله المؤلمة.

شكراً دكتور على هديتك القيمة.

شربل بعيني


كتاب الدكتورة بهية ابو حمد عن الشاعر يحيى السماوي/ شربل بعيني

 


ما من حقلٍ دخلته الدكتور بهية أبو حمد إلا وأبدعت فيه.

وها هي الآن تهدي الشاعر العراقي الكبير يحيى السماوي كتاباً شعرياً، وأعني ما أقول، بعنوان: يحيى السماوي ترنيمة الكلمة ورحيق الشعر.

مقدمة الكتاب الأطروحة (60 صفحة) أبدعها فكر وقلم الدكتور مصطفى الحلوة.

قلت كتاباً شعرياً، تماماً كما قال الدكتور الحلوة في المقدمة: وإذا بنا بإزاء نصين: النص السماوي، وهو النص المتن، والنص الرديف (الأبو حمدي)، وكلاهما، وجهان شعريان وضاءان لمرآة واحدة.

وإليكم الأمثلة (الأبو حمدية):

أشعر برهبة السكون

تخيّم على المكان

لتذبل

"وردة الشعر"

ألماً وحزناً.

هذا ليس نثراً على الاطلاق. وإليكم أيضاً:

الغلاف داكن وحزين

يتشح بالسواد

وكأنه يعكس حالة عاشقين

اعتليا عرشه.

تصف بهية غلاف كتاب السماوي وكأنها تذرف الدموع فوقه، لا بل بزّت الصورة التي على الغلاف رسماً وتشبيهاً.

بربكم انظروا كيف تصوّر دكتورتنا ابو حمد العشق، الذي اندثر اليوم تحت أرجل الماديات، بعد أن رمته القلوب الضائعة المائعة في سلة مهملاتها:

ما أسمى العشق

حين يداعب حنايا الروح

ونغمات القلب

حين يمطر وجداً

ويقطر هياماً.

ومن أين لنا بهذا العشق يا أديبتنا بهية؟

أعتقد، لا بل أجزم، أن دكتورتنا تعيش في عالم غير عالمنا هذا: عالم روميو وجولييت، وقيس وليلى وغيرهم من العاشقين الذين ابتلوا بالموت، فلنقرأ:

معاً سرنا على دروب العشق

نختال دلعاً بين حفيف أوراق

تلامس قدمينا.

في أي بستان خرافي تعيش بهية، حتى تلامس أوراق الأشجار الخريفية المتساقطة.. قدميها.

إنها تعيش مثلي ومثلكم في سيدني، ولكن خيالها الكتابي الجامح ينقلها إلى أمكنة ليس بمقدورها أن تصل إليها إلا من خلال الشعر.

سأكتفي بهذا القدر من الأمثلة الشعرية، بانتظار توقيع الكتاب، لننعم جميعاً بمولود أدبي نسائي جديد، نحن بأشد الحاجة إليه.

والله، يا أخي يحيى السماوي، أغبطك على كتاب الدكتورة بهية أبو حمد المهدى إليك، فلقد تخطت كتابها (شربل بعيني منارة الحرف) بأشواط، وكأنها تقول: الآتي أجمل.

أما الصورة التاريخية المنشورة مع المقال فتمثل لحظة تقبيلي لجبين الشاعر يحيى السماوي في منزلي، ويظهر الدكتور علي بزي.


ألف شكر يا سايد لأنك سرقتني من حواسي، وأجبرتني على الكتابة/ شربل بعيني


 بالصدفة، قرأت قصيدة "إبن بحويتا" صديقي الشاعر سايد مخايل "دبلت عَ باب  قلوبنا  الحبقه"، فاستوقفتني فيها آلام الشاعر، خاصة عندما يقول:

لما الحبيب يروح شو بيبقى؟ 

الاَّ حبر أَسوَد  على الورقه 

بيصير ينزف ذكريات عتاق 

ويرسم قلب مدبوح  بالحرقه 

هذا القلب المذبوح بالحرقة، هو قلبي، وقلب كل انسان مهاجر ترك وطنه الحبيب، وغاص في لجج الغربة، وكلما حاول الخلاص، بلعته الأمواج أكثر فأكثر.

إذن، فالحبيب هنا، جاء بالمطلق، إما أن يكون إنساناً، وإما أن يكون وطناً، والاثنان تجمعهما مفردة واحدة، ألا وهي الحب. فيأتي عندئذ السؤال المؤلم: ماذا سيبقى إن غادر الحبيب، فيأتي الجواب من سايد:

ومن بعد منو بتدبل الأشواق  

وبعد أن تذبل الأشواق تنتهي البشرية لا محالة، أو قد يغض الطرف عن كل إنسان يمر بقربه:

 وكل اللِّي بعدو  بيمرقو مرقه 

ما هذه "المرقة" المحشوة باليأس، الملآنة بالدموع، التي تردد عبارة شمشوم الجبار: علي وعلى أعدائي يا رب.

ولكي يداوي نفسه بالتي كانت هي الداء، على حد قول احد الشعراء، نراه يقول:

ولْ كنت تبقى لطلتو  مشتاق 

وتسرق من خدودو العطر سرقه  

بتتذكرو  بسكرة ليالي غماق 

لمِّن  يجي تبقى الدني عجقا 

وأية "عجقة"، سنسمع الزغاريد، وقرع الطبول، والدبكة اللبنانية، ولكن:

عَا غيبتو صار القلب  منداق 

مش عم يصدق وقعت الفرقه 

ويبس الورد  والعطر بالاوراق  

ودبلت ع باب  قلوبنا  الحبقه..

قصيدة مسبوكة جيداً، تشعر مع الشاعر ما أرادك أن تشعر به، شئت أم أبيت،  ويسرقك من حواسك ليزرع حواسه فيك، وكأنه يقول لنا: الشعر الجميل ليس ملكي بل ملككم أنتم.


ألف شكر يا سايد لأنك سرقتني من حواسي، وأجبرتني على الكتابة.

شربل بعيني

فعل يمكن


سألتني الاعلامية داليدا اسكندر معيكي عن فعل "يمكن" المتعدي الذي لا يتعدّى إلا الى الضمائر المتصلة به، وكما هو معروف، فمفعوله متقدم على فاعله "كما يقول بعض اللغويين العرب"، الذين ينسبون غموض هذا الفعل الى عدم منطقيته، مثلاً إذا قلت: يمكنك النجاح بالاجتهاد، النجاح هو الفاعل والكاف هي المفعول به. فما معنى هذا الفعل هنا؟ وهل يعقل أن يكون هناك معنى لقولك: يمكن النجاح أنت بالاجتهاد?. بالطبع لا.

أما أنا، ومن وجهة نظري، كمعلم لغة وكشاعر، فيجب إرجاع، لا بل اخضاع، جميع الأفعال العربية إلى القاعدة الشهيرة التي نتلمذ عليها أجيال المستقبل: "فعل وفاعل ومفعول به". مثلاً:

ـ أكلَ الولدُ تفاحةً

فنسأل: من أكل التفاحةَ؟ الجواب: الولدُ "فاعل مرفوع". ويأتي السؤال الثاني: ماذا اكل الولدُ؟ الجواب تفاحةٌ. مفعول به منصوب بالفتحة.

وهذا ينطبق أيضاً على فعل "يمكن" وغيره العشرات من الأفعال المشابهة له، بغية تبسيط اللغة العربية للطالب، بدلاً من إبعاده عنها الى لغات أسهل بكثير، لا بل قد يكرهها حتى الموت.

ولنعد الآن الى العبارة التي ذكرتها سابقاً: 

ـ يمكنك النجاح بالاجتهاد

فبدلاً من أن ندوخ التلميذ بتصريف مضحك لا يدخل عقل المعلم، فكم بالحري تلميذه، لأنه غير منطقي، وجب علينا أخذه الى قاعدة "فعل وفاعل ومفعول به" بغية جذبه، كالمغناطيس الى لغتنا العربية، لا إخافته منها، كما يفعل بعض اللغويين التعساء المتمسكين بما قاله الأجداد يوم تنافر أهل الكوفة والبصرة بسبب مسائل لغوية أكل الدهر عليها وشرب.

والآن سأسأل:

ـ من يمكنه النجاحَ بالاجتهاد؟ الجواب: أنت، ضمير متصل في محل فاعل.

السؤال الثاني:

ـ ماذا يمكنك أن تحصل عليه بالاجتهاد؟ الجواب: النجاحَ. مفعول به منصوب بالفتحة.

قد يقول قائل: ألم تلاحظ أن الفعل "يمكنك" قد تغيّر عند سؤالك "من؟" فأصبح "يمكنه"، وبقي كما هو عند سؤالك "ماذا؟"، بلا لاحظت!.. وهذا ما دفع ببعض اللغويين العرب الى المجيء بتلك القاعدة اللامنطقية، لا بل المضحكة. 

ما هم لو تغيّر الفعل، المهم أن نبسط القاعدة، ونجعلها أقرب الى المنطق، وهذا حقنا كمعلمين وكتلامذة. أفلا تتغيّر الحرباء الى عدة ألوان ومع ذلك تبقى حرباء، وهكذا الأفعال العربية يجب أن تخضع الى قاعدة واحدة سهلة للغاية.. ألا وهي "فعل وفاعل ومفعول به".

وقد تضحكون اذا قلت لكم ان ما كرهني أكثر فاكثر بقاعدة تصريف فعل "يمكنك" هو ما قالته لي إحدى طالباتي: تصريف هذا الفعل يشبه بعض القضاة المرتشين الذين يطلقون سراح الفاعل المذنب ويسجنون المفعول به البريء جدآ جدآ. 

لقد تغيّرت اللغة العربية كثيراً مع الزمن، فلقد أدخل فيلسوفنا جبران خليل جبران فعل "تحمم" بدلاً من "استحم"، فقامت عليه القيامة، فبقي فعل "تحمم"، ورحل الرافضون له.

إذا لم نسهل لغتنا العربية للأجيال الطالعة، كما فعل الانكليز، يوم تخلوا عن لغة شكسبير الى لغة أسهل، تقدر أن تماشي العصر، فستتخلى أجيالنا الصاعدة عن لغتنا العربية، رغم جمالها وكثرة مفرداتها.

ألا تسألون أنفسكم ولو لمرة واحدة: لماذا يطالب البعض باستبدال اللغة الفصحى باللغة العامية؟

سأترك لكم الجواب وإلى اللقاء.

**

شربل بعيني

"أجمل الشعر العربي، أنتجته عقول مغتربة" شاعر شعراء المهجر: شربل بعيني في حديثه عن الشعر المهجري، وقضاياه




 أجرى الحوار الاعلامي المصري عادل عطية:

الاعلامي المصري المعروف عادل عطية

   ولد في لبنان، وفي فمه موهبة الشعر.

   وهاجر إلى أستراليا؛ وهناك جعل منها وطناً للشعر العربي الجميل.

   ترجمت بعض كتبه إلى: الإنجليزية، والفرنسية، والاسبانية، والأوردية، والسريانية، والفارسية.

   نشر بالفصحى والعامية أكثر من أربعين كتاباً؛ فوصفه الشاعر فؤاد نعمان الخوري: بطاحون النشر في أستراليا.

   لقبه الإعلامي طوني شربل بسيف الأدب المهجري، والدكتور جوزيف الحايك بأمير الشعراء في عالم الانتشار اللبناني، والشاعر العراقي يحيى السماوي بعميد الأدب المهجري، والاستاذ أيوب أيوب بشاعر المهجر الأول، والأب يوسف جزراوي بأسطورة الأدب المهجري، والأديب نعمان حرب بشاعر العصر في المغتربات، والأديب محمد زهير الباشا بملاح يبحث عن الله، والأديبة مي طباع بقصيدة غنتها القصائد، والشاعر إياد قحوش بشاعر الشعراء، والشاعرة سوزان عون بسفير شعراء المهجر، وغيرها الكثير الكثير. ولكنه رفضها كلها، وتمسك بلقب واحد ألا وهو شاعر الغربة الطويلة، الذي أطلقته عليه الدكتورة تريزا حرب.

   كرّم في حياته أكثر من عشرين مرة، ونال جوائز عديدة، نذكر منها: درع وزارة الثقافة اللبنانية، وجائزة جبران العالمية وجائزة الأرز للأدب العربي، ودرع عبد الوهاب البياتي.

   أصدر صحيفة "صوت الأرز"، ومجلة "ليلى" الورقيتين، ويشرف الآن على مؤسسة الغربة الإعلامية التي تضم: تلفزيوناً، وإذاعة، ومجلة.

   توزّع باسمه جائزة عالمية، أوجدها الدكتور عصام حداد في مدينة جبيل اللبنانية.

   والآن، أدعوكم إلى مشاركتي هذا اللقاء، والحوار مع شاعر شعراء المهجر الأستاذ شربل بعيني...

الاب عبود جبرايل يهدي شربل بعيني مخطوطة "مراهقة" أول كتاب نشره في لبنان عام 1968 

لقبك "بعيني"، ما معناه، وما مدلوله؟

   عائلة "بعيني" هي إحدى أكبر العائلات في لبنان، وتحتضن أبناء طوائف عدة، كالدروز والموارنة وغيرهما، واسم "بعيني" يعني مركزاً حساساً في الوجه، أي العين، وما أن يُلفظ حتى يضعك المتكلم في "عينه"، فيحدث التكريم التلقائي لك، أي أنت تسكن في عيني. والمنتسبون الى هذه العائلة يتحدرون من جد واحد، شاءه الله أن يعيش في "مزرعة الشوف"، ويتوزع أبناؤه وأحفادُه في العالم أجمع. 

أنت من لبنان.. ولكن من أين؟

   أنا من بلدة "مجدليّا"، قضاء "زغرتا"، لبنان الشمالي. وهناك ولدت في العاشر من فبراير عام 1951.

ماذا تتذكر من طفولتك؟

   هناك أشياء كثيرة أتذكرها، أولها، محبّة أبناء القرية لبعضهم البعض، حتى أنهم في مهجرهم هذا لم يتخلّوا عن حب بعضهم البعض، وهذا ما جعلني أحب الآخرين.

   كما أنني لا أنسى كيف كان أهالي القرية يحبون الإستماع إلىّ وأنا ألقي أشعاري من يوم كنت في التاسعة من عمري، وكان الناس ينتصتون إلىّ.. صحيح أن صوتي عالٍ، ولكن علو الصوت كان ومازال يساعدني على توصيل كلمتي.

ما السبب في هجرتك إلى أستراليا؟

   نشاطي السياسي، وكتابي "قصائد مبعثرة عن لبنان والثورة"، والذي أثار حفيظة جهة نافذة، مما جعل حياتي في خطر.

هل تعتقد أن الهجرة قد أثّرت عليك؟ 

   إذا تصورت كم كانت كتبي، وأنا في السابعة عشرة من عمري، وهي تأخذ إهتماماً وتقديراً، لوجدتني أشهر من اليوم؛ فالشاعر في وطنه ينطلق أكثر.. وقد قال لي الشاعر المرحوم نزار قبّاني، قبيل وفاته: "ضيعاتك تضل بأستراليا".

شربل بعيني بعمر 12 سنة


ألم يكن بإمكانك أن تكتب في أستراليا، وتنشر في الخارج؟

   المسألة ليست هكذا؛ فالشاعر مثل الفنان، ولكن الفنان الذي يأتي من الخارج تسبقه شهرته، فالتلفزيون والإذاعات والمجلات الفنيّة كلها تحت أمره، أما نحن فنعيش غربة ضيّقة مهما فعلنا. اليوم أصبح عندنا (الإنترنت)، أما في السابق فكنّا لانملك شيئاً. كما وانني، عندما وصلت إلى أستراليا، كانت عمليّة النشر تتملّكني، بعدما نالت كتبي المنشورة في لبنان، الكثير من التثمين، فنشرت كتابي الأول في المهجر، زعنوانه "مجانين". ولقد أتعبتني طباعته كثيراً، إذ أنهم طبعوا الصفحات بالمقلوب، وذلك لندرة المطابع العربيّة. فتصوّر حالة الصراخ التي اجتاحت عمّال المطبعة، عندما أخبرتهم أن الكتاب طبع بالمقلوب، وعليهم أن يباشروا بطباعته من جديد. لقد تحملوا الخسارة ولـم أدفع سنتاً واحداً.

ما هو العمل الأول الذي قمت به في أستراليا؟

      أول ما وصلت إلى أستراليا اشتغلت حمّالاً، وكاد أن يتسبب هذا العمل في قطع إصبعي الخنصر؛ لأنني أجبرت على وضع منجل صغير في خنصري كي أقطع بها الحبال، ومع الوقت التهب إصبعي، فأمر أحد الأطباء بقطعه، فقلت له: يقطع رقبتك. أتعتقد أن قطع عضو من جسمي مسألة سهلة؟. فبدأت بمداواته بنبتة إسمها (حي العالـم)، ذات أوراق خضراء وعريضة، فخففت الإلتهاب، وأبقت إصبعي في يدي.

      وقد تركت هذا العمل، بعد أن قلت لنفسي: أنا جئت إلى هذه الغربة ولـم يكن في جيبي أكثر من 40 دولاراً، إذا خسرتها لن أخسر شيئاً، فلماذا لا أؤسس شركة ما أعيش منها بشرف، فأسست شركة صوت الأرز لبيع الكاسيتات الغنائية العربيّة، وتعتبر أول شركة من نوعها في ذلك الوقت، فنجحت بشكل مذهل. وفي يوم من الأيّام تعرّفت براهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، فقالت لي الأخت كونستانس الباشا: العمل التجاري لا يليق بك، أنت حقلك التعليـم، تعال علّم معنا.. كان هذا سنة 1980. 

   وبعد تفكير عميق، وجدت أن من الأنسب الإلتحاق بمهنة التعليـم، خاصة وأنا حاصل على شهادتين جامعيتين في التعليم الإثني، وطريقة طرحه في مجتمع يتكلم لغة أخرى. 

شربل بعيني ابن 3 أشهر


هناك من ينتقد غزارة الكتب عندك.. فماذا تقول؟

   جميعهم عندهم غزارة شعرية، كلهم يملكون القصائد العديدة، ولكنهم لا يملكون الجرأة على دفع تكاليف نشرها. أما أنا فكنت أقول: إن على الشاعر أن يترك أعمالاً تخلّده، فضحيّت بكثير من المال، وما أنفقته في هذا السبيل كان من الممكن أن أشتري به بناية في هذه المدينة!

ما هو الشعر بالنسبة لك؟

   الشعر هو خبزي اليومي، أقتاته كما يقتات الجائع طعامه، هو يسكن معي، يتنقل معي، يؤرقني دائماً، ومع ذلك أفرح بصحبته، وصدق الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي حين أوصاني في إحدى رسائله، قائلاً: "اكتب كي تخفف من آلام غربتك".

ما هو مصدر إبداعك فيما كتبت في دواوينك؟

   المصدر الأهم هو "الغربة"، الابتعاد عن الوطن، عن مسقط رأسك، والحنين الى أهلك وأترابك، كما أن الحرب الأهلية الدامية التي تعرّض لها لبنان، ألهبت فيّ ثورة ما زالت متأججة حتى يومنا هذا. ثم لا تنسى الاوضاع السياسية المتردية في عالمنا، هذه العوامل اجتمعت كلها لتكتب أشعار شربل بعيني، شاعر الغربة الطويلة، أي منذ أكثر من نصف قرن:

غربتي نارُ اشتياقٍ مؤلمٍ

ورجوعي بوحُ أحلى موعدِ

"يحق للشاعر ما لا يحق لغيره"، ما تعليقكم على هذه المقولة؟

   ببساطة: لأن الشاعر بأمكانه أن يتخطى قواعد اللغة، خدمة للوزن والتفعيلة.

إلى من تتوجه بشعرك، وأنت في بلاد الاغتراب؟

   الآن، وبوجود الانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، لم يصبح للمكان أهمية تذكر، وبإمكانك أن تصل للقراء في كل مكان، بغض النظر عن مكان وجودك. فالوطن والغربة اجتمعا معاً في آلة صغيرة تدعى الكومبيوتر، جعلت من الكون قرية صغيرة، يمكنك التنقل بها براحة تامة.

    من هنا يمكنني القول أن الشاعر يمكنه التوجه بشعره الى أي شعب يريده، خاصة وأن الترجمة أصبحت متوفرة بجميع اللغات، فإذا كان النص عربياً نقله محرك جوجل الى كافة لغات العالم شئت أم أبيت. قد تكون الترجمة سيئة بعض الشيء، ولكنها توصلك الى المتلقي، في أي بلد كان، مجاناً. 

شربل بعيني مع الدكتور عصام حداد مؤسس جائزة شربل بعيني

قال أحدهم: "نحن جيل بلا أساتذة"، فهل تنتمي إلى هذا الجيل؟

   أنا وبكل فخر أقول: اعتبر من جيل الأساتذة، فلقد درّست اللغة العربية لمدة ثلاثين سنة، في معهد سيدة لبنان، التابع لراهبات العائلة المقدسة، والذي يعتبر من أكبر المعاهد التعليمية في سيدني ـ أستراليا.

   وليس هذه فحسب، بل أعددت الكتب المدرسية، باللغة العربية، بدعم من حكومة ولاية نيو ساوث ويلز، وما زالت تدرس حتى الآن.

   أما من ناحية الشعر، فلقد تتلمذت في مدرسة نزار قبّاني الشعرية، وجمعتني به صداقة متينة، وكنت على اتصال دائم معه، إلى أن وافته المنية، رحمه الله.

المشهد الشعري العربي الراهن في استراليا، كيف تراه؟

   شعراء المهجر الكبار في أستراليا، داهمتهم الشيخوخة، وأصبحوا، للأسف، يتساقطون كأوراق الخريف، وأخشى أن ينقرض الادب العربي هنا، كما انقرض في الأمريكيتين، بعد رحيل جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني، وغيرهم.

   هؤلاء الشعراء، والحق أقول، تركوا بصمات ذهبية قد لا تمّحى أبداً، وأغنوا الأدب العربي بكتب عديدة، تعدّ بالمئات، فلقد نشروا كتبهم لا طمعاً بالربح المادي، بل خوفاً على أدبهم من الضياع في غربة لا ترحم.

شربل بعيني مع السفير جورج البيطار غانم والدكتورة بهية ابو حمد ومكتبة الادب المهجري

هل هناك حركة نقدية عربية في بلاد المهجر، وخاصة في استراليا، وهل لها تأثيراتها في الابداع الشعري؟

   نعم، هناك حركة نقدية عربية في بلاد المهجر، طالما أن هناك مؤلفات تنشر، فإذا كنا نتكلّم عن الشعر وجب علينا أن نتكلم عن النقد أيضاً، إذ أن الابداع لا يتكامل بدون نقد. أضف الى ذلك وجود الجرائد والمجلات العربية الورقية والالكترونية، وانضمام النخبة الى جمعيات أدبية، مثل جمعية إنماء الشعر والتراث التي ترأسها الدكتورة بهية ابو حمد.

أيهما أكثر قابلية لدى ذائقة المتلقي العربي: الشعر بالفصحى، أم بالعامية المحكية، ولماذا؟

   الشاعر الذكي هو الذي يفرض لغته، أفصحى كانت أم عامية، بغية إرضاء القارىء. فلنأخذ مثلا لغة الشاعر نزار قبّاني الفصحى، أليست قريبة جداً من العامية، ويمكن للقارىء استيعاب صورها وأبعادها بفرح زائد.

   وهناك أيضاً شعراء كتبوا بالفصحى والعامية، ونالوا شهرة واسعة، ولست بحاجة لأن أذكرك بأغنية محمد عبد الوهاب: "يا ورد مين يشتريك وللحبيب يهديك".

   أليس صاحب هذه الاغنية العامية هو الاخطل الصغير بشارة الخوري، مؤلف أجمل القصائد باللغة العربية الفصحى؟

   أذن، الشعر هو الشعر، بغض النظر عن اللغة أو اللهجة التي يُكتب بها.

يوبيل شربل بعيني الفضي ويظهر المطران يوسف حتي والشيخ تاج الدين الهلالي والشاعر شوقي مسلماني

هل تعتقد ان الاغتراب، أثر سلباً على الشعر العربي، وعلى إنسانية الإبداع عامة؟

   أجمل الشعر العربي أنتجته عقول مغتربة، لذلك بإمكاني القول أن الشعر الاغترابي أثّر إيجاباً على الشعر العربي، ومده بزخم إنساني لا حدود له، واذا راجعنا التاريخ، نجد أن الشعر الاغترابي كان الصوت الأقوى ضد الانتداب العثماني للأوطان العربية، فبينما كان الوالي العثماني يعلّق المشانق لأدبائنا وشعرائنا في الوطن، كان الأدب الاغترابي يزرع الأرق والخوف في عينيّ ذلك الوالي.

هل ثوابتنا الأدبية، تواجه تحدياً قي بلاد الإغتراب؟ 

ما هي ثوابتنا الأدبية بالتحديد؟..

   إذا كنت تقصد بالثوابت التمسك بالأوزان الخليلية، فهذه تعرّضت للتلاعب والتجديد والتخلي عنها في الوطن العربي قبل الاغتراب.

   أما إذا كنت تقصد التمسك بالقواعد اللغوية الصارمة، فهذه قد تخلّى عنها الأدب الاغترابي، ليغوص في بحور العامية، ويصطاد اللؤلؤ، ألم تقم القيامة على الفيلسوف جبران خليل جبران حين كتب في قصيدة "أعطني الناي": "هل تحممت بعطر وتنشّفت بنور".. فلقد ضرب بعرض الحائط فعل "استحم" ليستبدله بالفعل العامي الأكثر شعبية "تحمم"، وأعتقد أنه نجح، وقد غنّت السيدة فيروز هذه القصيدة وأصبحت على كل شفة ولسان.

   وبما أن الثوابت الأدبية غير منزلة، فإنها تتغيّر وفق عقلية كل أديب وشاعر.

شربل بعيني مكرماً في برلمان ولاية نيو ساوث ويلز بدعوة من رئيسة جمعية انماء الشعر والتراث الدكتورة بهية ابو حمد

ما الفرق بين المشهد الشعري في بلادنا العربية، وما يقابله في بلاد الإنتشار؟

   المشهد الشعري في بلاد الاغتراب يتمتع بحرية أكبر، فلا رقابة تقيّده، ولا حاكم يصادره، ولا سجان يعتقله، إنه ابن الحرية، يتكلّم صاحبه دون خوف من حاكم.

   أما في بلادنا العربية فأنتم أدرى مني بالامور، وكما قلت سابقاً، فلقد أصبح المشهد الشعري موحداً بسبب الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

حدثنا عن شعراء المهجر، وهل أضافوا إلى الشعر العربي؟

   شعراء المهجر الكبار في أستراليا، بإمكانك أن تحسبهم على أصابع اليد بعد أن حرمنا الموت من ابداع الكثيرين منهم.

   كثيرون منهم كتبوا بالعامية، وبالأخص الزجل اللبناني، والقليلون جداً كتبوا بالفصحى، ومنهم من كتب بالفصحى والعامية في آن واحد.

   أما من ناحية الإضافة الى الشعر العربي، فكل كتاب صدر في المهجر، أضاف شيئاً الى الادب، وهذه حقيقة لا ينكرها عاقل.

تكريم شربل بعيني بعيد المعلم
ويظهر المطران يوسف حتي والاخت إيرين بو غصن


من النادر أن يتحدث شاعر عن شاعر آخر، ولكن كم من شعراء أشادوا بك وبشعرك.. ماذا ترى في ذلك؟!

   أجل، لقد كنت محظوظاً من هذه الناحية، فلقد صدرت موسوعة أدبية من عشرة أجزاء، مؤلفة من أكثر 3500 صفحة، وتحتوي على بعض ما قيل في أدبي، بالاضافة الى الكتب العديدة التي سلطت الاضواء على رحلتي مع الكلمة.

   أما عن رأيي في ذلك، فهذه نعمة من ربي، أن يحبني الآخرون، وأن يؤثّر بهم شعري، ويتفاعلوا معه، ويخصصوا له الوقت الثمين ليمتدحوه، فليس بإمكاني أن أقول إلا: ألف شكر لهم.

برأيك، هل هناك متابعة لشعراء المهجر، والاهتمام بهم في أوطانهم الأم؟، وان كان غير ذلك، فما هو السبب في ظنكم؟

   من ناحيتي أنا، هناك متابعة دائمة لأدبي، وقد كتبت عني دراسات عديدة في لبنان والوطن العربي وأستراليا.. كما أنني حصلت على جوائز عديدة قد تتجاوز المئة، تقديراً لعطائي الأدبي، وقد كرّمت في حياتي عدة مرات، وهذا ينطبق أيضاً على بعض زملائي الشعراء، فلقد حصلوا على اهتمام بالغ تقديراً لعطاءاتهم الفكرية المميزة.

   أخيراً، الف شكر لك يا أخي عادل على هذا اللقاء الذي فاجأتني به، لا بل أفرحتني به، كونه يأتي من "أم الدنيا" مصر:

يا مصرُ أنتِ الأُمُّ.. يا أُمّي اسْمَعي

منْ كثْرَة الأشواق ضاقتْ أضلـُعي

ما كلُّ هذا النيلِ نهرٌ واحدٌ

فلقد وهبتُ النيلَ مَجْرى أدْمُعي

لو باحتِ الأهْرامُ بالحبِّ النقيْ

لعَلِمْتِ أنَّ القلبَ لمْ يرحلْ معي

أجري هذا الحديث بتاريخ 17 شباط، فبراير، 2023

مدينة الفيحاء/ شربل بعيني


ألقيتها بعد استلامي جائزة من رابطة الجامعيين في الشمال


لطرابلس راجع تا قول الشعر

ومحّي سنيني العشتها بالهجر

مدينة الفيحاء.. ذات الصون

بدمع العيون بصونها من الغدر

بحلف بألله كل تكّه هون

قضّيتها بتسوى سنين العمر

هون ألله.. العم يدير الكون

وهون أرزاتو اللي عاشوا دهر

إخد العَلَم من دم شعبو لون

الضحّى بشبابو تا يمحّي القهر

بنهر الكلب ركّع ألف فرعون

افتكروا وطنّا زغير طول الشبر

لشربل، يا ألله، مدّ إيد العون

تا إرجع وعيش بأرض لبنان

وعندي طلب واحد يا هالديّان

خلّص وطنّا من جحيم الفقر


أدب شوقي مسلماني العالمي/ شربل بعيني




   أثناء استقبالي العديد من الوجوه الادبية والاعلامية في منزلي، احتفاء بمنح الدكتور الشاعر مروان كسّاب جائزة شربل بعيني لعام 2023، دخل الى مكتبي شاعر، عرفته، صادقته وأحببته منذ نصف قرن، ولم تتغيّر أو تتبدل أواصر صداقتنا ولو للحظة واحدة، كونها بنيت على الاحترام والتقدير والعطاء الأدبي المتبادل. إنه الخل الوفي الشاعر شوقي مسلماني.

   أجل، لقد دخل الى مكتبي ودسّ بأحد جوانبه كتابين باللغة الانكليزية، ترجمة الدكتور رغيد نحاس والاستاذ نويل عبد الاحد، دون أن يخبرني بذلك. واليوم وقعا، فرحين، بين يديّ، ليبشراني أن صاحبهما قد تسلق قمة العالمية عن جدارة.

الكتاب الأول بعنوان "أوراق العزلة Papers of Solitude"، وقد اخترت منه قصيدة "دخان" كما جاءت بالعربية:

لم تقلْ كلمةً بعد

ليست لكَ خطوة 

لا غيمة تظلّلُك 

لا يتبعُك غزال، لاحظْ 

كلُّ الأسماء التي تعرفها 

تلمع وتختفي 

تظلّ وحدكَ في الليل 

تراقب أسماء تهوي 

إلى غبارِها الكوني.

   وقد اخترت هذه القصيدة، كونها تحتوي على هذه العبارة الفلسفية المؤلمة:

كل الأسماء التي تعرفها

تلمع وتختفي

أجل هناك أسماء لمعت في حياتنا، واعتقدنا أننا قد ربحنا بعض الأصدقاء، ولكن فرحتنا لم تدم طويلاً إذ سرعان ما تبخروا وتناثروا كالغبار:

راقب أسماء تهوي 

إلى غبارِها الكوني.

أما أنت يا شوقي فما زلت تلمع وتجمّل بصداقتك حياتي وحياة الكثيرين في هذه الجالية.. فما أشرفك.

أما الكتاب الثاني فكان بعنوان "حيث الذئب Where the Wolf is" وقد اخترت منه قصيدة بعنوان "رقص" كما رسمها شوقي بالعربية:

لوحة

تذرفُ عيوناً وسيوفاً

**

ساحرة

تشكُّ شهوةً في الدمية

**

تمثال

يضربُ الهواءَ بفأس

**

وهذه الفتاة 

ترسمُ وجهها ابتسامةً

وترقص مع الصنم.

أربع لوحات في قصيدة واحدة، وكأني به يتمشى في معرض للرسوم، وبيده ورقة يسجل عليها ما رأى، بأسلوب سريع مذهل.

أشكرك يا أخي شوقي، وأقولها بكل فخر: أنت أخي.. على الكتابين الرائعين، ومليون شكر للعزيزين "رغيد ونويل" اللذين أوصلا أدبك الى قراء الانكليزية ومنها الى العالمية.

بوركت الأيادي التي تعطي دون منّة.

شربل بعيني

من هو الشاعر؟/ شربل بعيني


هو ذلك الطفل الصغير الذي تلده أمه مغلفاً ببرنس الموهبة. يأتي إلى هذه الدنيا محملاً، من ربّه، بآلاف القصائد، وما عليه سوى أن يهديها لبني الانسان، طوال رحلته مع الحياة..

هو الذي تقض القصيدة مضجعه، وتأبى إلا أن تنسكب على الورق صوراً شعرية ولا أجمل، دون أن يفكّر بوزن، أو أن يفتّش على قافية. هي التي تختار وزنها وقوافيها دون الرجوع اليه.

هو الذي أجبر النقّاد على اتباع خطواته الابداعية، كي يزنوا أشعاره، ويفبركوا، من وحيه طبعاً، الاوزان والتفعيلات، التي يلجأ إليها من ليس بشاعر، كي ينظم قصيدة، تأتي بلا روح، لأنها لم تأتِ من موهبة إلهية.

الشاعر الشاعر، هو الذي يفرح بكل رائعة جيدة ألقاها شاعر، في مناسبة شارك فيها، واعتبرها أروع من قصيدته.. لأن الابداع حق، والحق لا يعلى عليه.

الشاعر الموهوب حقاً، لا يقلل من موهبة شاعر آخر، ولا يدعي أن الله خلقه ولم يخلق أحداً سواه، لأن الموهبة قداسة، كونها هبة إلهية، لا تكتمل إلا بالتواضع والاحترام.

الشاعر إنسان حساس، إذا أحب تغزّل، وإذا بكى أبكى، وإذا فرح تغنّى، وإذا غضب يتطاير الشرر من بين أبيات قصيدته. ومن يدري فقد يتسبب بثورة إجتماعية أو وطنية أو إنسانية. كلمته الصادقة تحرّك الشعوب من أجل الخير، ليس إلا.

الشاعر هو ابن بيئته، فإذا عاش في الوطن ترك من الوطنيات الشيء الكثير، وإذا عاش في الغربة، ترك لحنينه الى الوطن العنان، لدرجة قد يخجل الألم من آلامه، أما إذا عانى الفقر، وهذا ما يحدث وللأسف، فقد يتخذ من فقره قوة، تجعله يصرخ بأعلى صوته بوجه الحاكم الظالم، دون أن يرتجف لسانه.

الشاعر، وباختصار شديد، هو نعمة من عند الله، إذ لم تغنِ حنجرة فنان لولاه، ولم يغفُ طفل في حضن أمه بدون ترنيمانه، ولم تدخل فتاة الحياة الزوجية بدون غزلياته. لذلك وجب على الجميع احترامه وتقديره وتخليد ذكره.. ليس من أجله، بل من أجل خالقه الذي أرسله الينا موهوباً ومبدعاً.

فإلى كل شاعر شاعر أرفع قبعتي. حماه الله.


مؤلفات شربل بعيني في مكتبة رابطة الجامعيّين في الشمال



استقبل رئيس رابطة الجامعيّين في الشمال غسان الحسامي رئيس الإتحاد الفلسفيّ العربيّ الدكتور مصطفى الحلوة، "الذي يمثل إحدى اهم المرجعيّات الفلسفيّة في لبنان والعالم العربيّ".

استهلت الزيارة بجولة تفقديّة في قاعات المقرّ وغرفه حيث اطلع على أعمال التأهيل والتحسينات التي طرأت، ولا سيما تعزيز المكتبة وتخطي محتوياتها عتبة الثلاثة آلاف كتاب، ومراجع في التشريع اللبنانيّ - القانون، فضلاً عن المكتبة الإلكترونيّة التي تضم نحو 250 برنامجاً في علوم اللغات والمعلومات العامّة، وكلها سوف تكون بمتناول محبّي المطالعة والباحثين من خلال مبادرة "يرجع للكتاب عزّه" التي دخلت حيّز التنفيذ، وذلك بين الساعة 12 - 2 من ظهر كل يوم جمعة.

ثم قدّم الدكتور "مصطفى الحلوة" الى مكتبة رابطتنا هديّة قيّمة عبارة عن مجموعة من أعمال عميد الأدب الإغترابيّ شربل بعيني والتي أرسلت إلينا من حيث موطنه الثاني "سيدني - أستراليا، والبالغ عددها 77 كتاباً، أثرت مكتبتنا وأغنتها، وحلت قيمة مضافة عليها.

إثر ذلك توجه رئيس رابطة الجامعيّين في الشمال من كل من الأخ الكبير الدكتور مصطفى الحلوة والعميد شربل بعيني بأسمى عبارات الشكر والإمتنان على التفاتتهما العظيمة وكرمهما السخيّ بتقديمهما تلك المراجع القيّمة.

وقد ألقى الحلوة والحسامي كلمة مسجلة سوف ترسل إلى استراليا، عبّرت عن اعتزازهما ببناء هذا الجسر الثقافيّ المميز الذي يربط بين سيدني وطرابلس، وبين منتدى العميد "بعيني" ورابطة الجامعيّين في الشمال العريقة التي يعود تاريخ تأسيسها للعام 1964.

المكان؛ مقرّ رابطة الجامعيّين في الشمال - طرابلس

الزمان؛ الجمعة 16 كانون الأول 2022

---------------------------------

العميد شربل بعيني في سطور؛

- ولد عام 1951 في بلدة مجدليا - محافظة لبنان الشماليّ

- هاجر الى أستراليا عام 1971.

- هو أحد الشعراء اللبنانيّين المغتربين في أستراليا، كان أول من أصدر ديواناً شعريّاً باللغة العربيّة مطبوعاً في أستراليا اسمه "مجانين"، وقد اختارته الجامعة اللبنانيّة الثقافيّة - قارة أميركا الشماليّة أميراً للشعر الاغترابيّ عام 2000، كما منحته رابطة إحياء التراث العربيّ جائزة جبران العالميّة، وكرمته السفارة اللبنانيّة في العاصمة الأستراليّة كانبرا عام 1987٠

- شارك بمهرجانات المربد الشعريّة في العراق عام 1987، وقال عنه يومذاك الدكتور الأب يوسف سعيد: شربل بعيني هزّ المربد الشعريّ الثامن في العراق.

- أصدر العديد من الكتب المدرسيّة والأدبيّة، وألف وأخرج العديد من المسرحيّات التي أسهمت ببناء مسرح الأطفال العرب في أستراليا.

- كتبت عنه المؤلفات الكثيرة، وترجم العديد من مؤلفاته إلى الإنكليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة ولغة أرديّة والسريانيّة والفارسيّة.

- حصد الكثير من الجوائز ومنها؛ درعاً تكريميّاً من وزارة الثقافة اللبنانيّة عام 2014 لنشاطه الشعريّ المميز.

حروف تجعّد فيها العمر للشاعر أسعد مكاري أبعد ما تكون عن الشيخوخة

 


"حروف تجعّد فيها العمر"، مجموعة شعرية جميلة حملها لي مشكوراً من ربوع إهدن الاعلامي سركيس كرم، موقّعة بخط مؤلفها الصديق الشاعر أسعد بدوي مكاري، ليكون للإهداء قيمة ورونق، كيف لا وقد كتبت:

"ليبقى الحرف مضيئاً في سماء المعرفة، وتبقى الثقافة صرحاً أعلى من جميع الصروح.. إليك أخي الراقي الشاعر المهجري الذي يملأ الدنيا نوراً وشغفاً شربل بعيني، كل التقدير والمحبة".

الكتاب مهدى "إلى الروح التي تتنقّل في جنائن الابجدية، تلثم الزهر، تطوف من حرف إلى حرف، تفتّق براعم الفكر لتصير أنشودة.. الى روح الشاعر الكبير شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده، أقدّم كتابي".

الغلاف من تصميم الاستاذ أنطوان فنيانوس، والرسوم الداخلية للفنانة جميلة الدويهي.. أما مقدّمة الكتاب فكانت للمهندسة ميراي شحاده حداد، باسم منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي، الذي أشرف على طباعته أيضاً.

وقد وصفت المهندسة ميراي كلمات المكاري بأنها "مضمّخة بالشوق المتأجج دهشة ورعشة، والمتفلتة من سماء محبرته..".

أما الشاعر قبلان المصري فقد أعلن في كلمته أنه ليس "من محبذي المقدمات في الشعر، فالشعر يقدّم ذاته للقارىء، فإما يجذبه إليه أو يتركه لحاله". ومع ذلك كانت له هذه الخلاصة "ديوان حروف تجعّد فيها العمر، تكثيف للغة العشق في هذا الوجود، تطال مكوناته في صور بديعية، يتفرّد الشاعر بها ليرسم صورة سوريالية على قاعدة المحسوس".

أسعد المكاري الذي التقيته يوم زار سيدني، وكتبت عن أشعاره، أراه اليوم يائساً "ترافق الكهولة لغته" وتتكىء "فواصل الأوقات على قصبة باله". 

أسعد المكاري الذي زرع البهجة في غربتي، وحكى لي عن طموحه الادبي، "احدودبت حروفه، والشيب يرسم عليها تجاعيد الأنواء". 

فما الذي حدث؟

هل هي الشيخوخة تدق على باب عمره؟

بالطبع لا، لأن من يكتب:

سأظل أعجن نهديك بأصابع من مرمر..

لن تتمكن الشيخوخة منه، ولن تتجعّد حروف عمره.. طالما أن لهاث حبيبته من نسيم إهدن.

أسعد بدوي مكاري، شاعر المرأة بحق، قصائده أنثوية، ينبض الحب في كل حرف منها، وكأنها وجهت الى امرأة واحدة، أغرقت المكاري في بحور عشقها، وهو يردد بفرح مع نزار قباني: إني أغرق أغرق أغرق.

شربل بعيني

قصيدة شربل بعيني المهداة الى الدكتورة بهية ابو حمد



لمّن كتابك صوب شعري طل

يا بهيه.. تغيّر حسابي

صرت احسب كيف بدري هلّ

بغربه.. عذابا شلّع بوابي

زرعتي الفرح بحروف مجدا غلّ

بجمعيتِك.. تا يألّف كتابي

إنتي الزرعتي الشعر ورد وفلّ

ومليون أرزه مزيّنه الغابه

فضلك علينا للأبد بيضل

يا شمس نورا بدّد غيابي

وصالونك.. البلقلب عندو محلّ

وزّع جوايز فخر لصحابي

يا أرزة الفرحان فيها التل

إنتي الصدق.. لما الصدق ينقال

وغيرك بعينو دموع كذابه


هكذا رثى شربل بعيني صديقه الشاعر الراحل عصام ملكي في ذكراه السنوية الاولى



ـ1ـ

اليوم بدّن يسمعوني الناس     

يا إبن ملكي.. وعدّ ألطافك

وميزان شعرك للوزن مقياس   

ما في حدا بالوزن ما خافك

وع قد ما وجودك حلو وحساس   

صارت النكته ترافق شفافك

وما نسيت "ساره" شمعة القداس   

بنتك حلم عايش بأطيافك

حبيت إنو تزورها وتنباس    

بأعلى سما.. وتغل بلحافك

بعدو سْريرا بالفكر وسواس    

يا ما حلفت برحمتا ومحزون

ووصيت بس تموت حدّا تكون   

موت الطفوله كسّر كتافك

ـ2ـ

تارك "يولندا" رفيقة الأشعار   

ليش حتّى قسيت ع حبّك؟

أجمل قصيده تركتها بالدار  

أم البنات حفرتها بقلبك

من بلاد خلف البحر جنحا طار   

سُهاد طلّت.. ليش تا ملبّك

قوم لاقيا.. دمعاتها قنطار    

 بناتك يا ملكي.. دربهن دربك

يا عصام الشعر.. شو ما صار     

بتضل عايش موطنك كتبك

وبكروم بشمزين في أزهار    

انزرعت إلك.. عم يسقيا ربّك

موتك ألم.. موتك أنين ونار  

 منكبر اذا منقول: منحبّك

شفت الدمع نازل بسيدني جرار   

 فكّرت إنو الشعب عم يبكيك

تاريك عم تبكي على شعبك

ـ3ـ

أيّا عرق رح تنتج الكركه   

وتمرمر العنقود ع غيابك

ما سكرت مرّه.. سكرت الضحكه   

ودوّبت كل الحب بشرابك

ويا ما وقعت وقعات.. ما تشكي   

خاف الوجع من قوّة مصابك

وأيّا قصيده قادره تحكي    

وجنّت وقت ما تشلّع كتابك

جوقات زارت بيتك الملكي   

وما تسكّر بوجّ البشر بابك

إسمك عصام.. وعيلتك ملكي   

خالد إنتْ بعقول غيّابك

وعايش ع طول بقلب احبابك


مكتبة عصام فارس - المركز التعليمي (البلمند) تتلقى مجموعة إصدارات للشاعر شربل بعيني












موقع ألف لام

  بتكليف من "شاعر الغربة" الأستاذ شربل بعيني ومن الدكتورة بهية بيتي أبو حمد، رئيسة "جمعية إنماء الشعر والتراث" في سيدني، قام رئيس "الاتحاد الفلسفي العربي" د. مصطفى الحلوة بتسليم مجموعة دواوين وكتابات نثرية ومسرحيات  للشاعر بعيني باللغة المحكية اللبنانية وباللغة الفصحى، ناهيك عن سلسلة من الكتب النقدية حول نتاج الشاعر بعيني، بأقلام إغترابية ولبنانية مُقيمة. وقد تسلٌم هذه الإصدارات نائب رئيس جامعة البلمند البروفسور جورج بحر، بحضور عميد كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في الجامعة د. حنّا النكت.

   وقد أعرب الدكتور بحر عن شكره  للشاعر بعيني وللدكتورة أبو حمد هذه المبادرة الطيّبة، التي تُعزّز التواصل، على المستوى الفكري، بين لبنان  المغترب والوطن الأم. وأضاف إن هذه الهدية الثمينة تسدّ ثغرة في مكتبة جامعة البلمند، التي تُبدي اهتمامها بالأدب المهجري، وروّاده الشماليين، بحكم وجود جامعتنا في منطقة الشمال. وقد أعرب البروفسور بحر عن رغبته في تعزيز حضور الأدب الاغترابي في قسم اللغة العربية في الجامعة. بدوره، شكر د. حلوة اهتمام جامعة البلمند بهذا اللقاء وحُسن الاستقبال، وأبدى استعداده ليكون همزة وصل بين جامعة البلمند والنتاج المعرفي والأدبي في استراليا، وذلك من منطلق إكبابه، عبر كتاباته، على الأدباء المهجرين.

   ثم كانت جولة في أرجاء المكتبة، للتعرّف إلى محتوياتها وإلى التقنيات المستخدمة، بما يوفّر لطلبة الجامعة ومرتاديها أفضل خدمة، في أجواء مُريحة ومثمرة. وقد كانت كلمة لعميد  د. حنّا النكت، شكر فيها الشاعر بعيني ود. أبو حمد، وأعلن  أنّ المكتبة ستخصّص ركنًا لهذه المجموعة، التي تربو على ستين كتابًا. كما كانت كلمة للدكتور حلوة، أعرب فيها عن سعيه لتوسيع إطار التعاون بين جامعة البلمند والاغتراب الاسترالي، الذي يشهد اليوم نهضة، على قدر من الأهمية.

ولقد شارك في اللقاء فريق من موظّفي الجامعة: الأستاذ إبراهيم فرح، والسيدة داليا قليمة كحّالة، والأستاذة الجامعية د. دورين سعد نصر، التي واكبت د. حلوة في هذا اللقاء.

**


إسوارة فؤاد نعمان الخوري تزنر قوس القزح

 


قرأت مجموعة الشاعر فؤاد نعمان الخوري "قوس القدح إسوارتك" عدة مرات، بسبب حصولي عليها مرتين، المرة الأولى حين طلبت من الدكتورة بهية ابو حمد أن تأتيني بها ليلة توقيعها.

وفي الثاني عشر من آب وصلتني نسخة ثانية عبر البريد، مزينة بهذا الاهداء المحب الذي يتمنى لي به دوام العافية، وكأنه يدرك أن اهم ما أحتاجه في هذا العمر هو العافية:

يا صديقي الشاعر الكبير شربل بعيني، بهديك ها "الاسواره" عربون محبة وتقدير.. مع تمنياتي بدوام العافية والعطاء.

   قصائد "الاسوارة" تتشاوف على بعضها البعض، فكل واحدة منها تتوشح بحداثة مفعمة بالصور الشعرية الرائعة.. وخاصة قصيدة "شمس عتيقه"، التي ذكرتني بكتابي "الله ونقطة زيت". 

فيها يحاكي فؤاد الله كإبن وليس كعبد خائف من جبروته. ومن غير الإبن بإمكانه أن يتكلم مع أبيه "خوش بوش::



عتقت الشمس كتير، غيّرها

اضربها حجر من فوق واكسرها

هالارض شبعت عتم، نورها،

من الحبس حررها،

بالروح زنرها، 

وتسلّم الدفه!

اليأس عند فؤاد نعمان الخوري ظاهر في كل بيت من بيوت "الإسوارة"، ولكنه ساطع كالشمس التي لم تعتق بعد، في رباعية "ورق أيلول"، فلنقرأ معاً:

أصفر ورق أيلول؟ من همّو

دشّر البيت وما حدا لمّو!

وقالت النسمه للدرب بالسر:

ما اصفر لولا ما ترك امّو..

أربعة أسطر تختصر معاناة "الخوري" مع الغربة، فهو بذاته "ورق أيلول"، وهو بذاته الذي ترك أمه التي أهداها، رحمها الله، "مسبحة" شعرية خالدة، وهو بالذات الغرقان بهموم الغربة بعد أن ترك البيت الذي ولد وترعرع وكبر به، ليضيع " بين تذكرتين" دون أن يلمّه الوطن من جديد، بل تركه ينزف في غربته سنوات وسنوات.

فؤاد نعمان الخوري في "قوس القدح اسوارتك" يتخطى الحداثة الشعرية في شعرنا العامي، ليسلك طريقاً اخططه بنفسه، علّ الآخرين يسلكونه.

ألف شكر يا "بو طوني" على الكتابين.. والى "اسوارة" أخرى بإذن الله.

شربل بعيني


حبقه

 


ليش القلب مجروح

من ضحكة الحبقه

هالريحتا بتفوح

ومنسرقا سرقه؟

والحبقه فيها روح

من هالبشر أنقى

منطّ فوق سطوح

وعميان بالخلقه

منبني صروح صروح

وبتبتدي الفرقه

أحباب تركوا جروح

وحرقه بضهر حرقه

رح إسأل ومبحوح:

شو بينفع الملقى

وفي ناس رح بتروح

وفي ناس رح تبقى؟


كلمة الشاعر شربل بعيني في حفل توقيع كتاب الأديبة أمان السيّد نزلاء المنام


مساءَ الخير

   عندما طلبت مني الأديبة "أَمان السيّد" إلقاءَ كلمةٍ في حفلِ توقيعِ كتابِها "نُزلاءُ المَنام" وافقتُ بفرحٍ، لأن الأدبَ الأُنثويَ بحاجةٍ إلى دعمٍ مستمر، كي يستمرَّ حرفُ "النون" بالإشراقِ والتألّقِ في مغتربِنا هذا.

   وما أن وصلني الكتابُ عَبرَ البريدِ حتّى تلاشتْ فرحتي، ورحتُ أردّدُ: يا إلهي.. كيف لي أن أتكلّمَ عن ستّة وثلاثين قصّة قصيرة بخمس دقائق؟

   ورحتُ أقرأ وأقرأ إلى أن وصلتُ إلى قصةٍ بعنوان "في مَتاهة" فانفرجتْ أساريري وصِحتُ بصوتٍ عالٍ: وجدتُها.. أجل وجدتُها!

   في هذه القصة تسألُ "أمان السيّد" أسئلةً مدروسةً بتأنٍ، وكأنها تريدُ التغييرَ والإصلاحَ واختراقَ الحواجزَ الطائفيةَ وهي تحلمُ.. أجل تحلمُ.. كما نحلمُ نحنُ تماماً، فلنسمعْها إذنْ:

ـ "أرى سلمى ما تزالُ هناكَ تقرفصُ بسُمرتِها اللاذعة، وبفخذيْها اللتينِ تَظهران من تحتِ تنّورة المدرسة التي شمّرتها مرّاتٍ لتبدُوَا قطعتين من السّجقِ الشهيّ، وقد رقدَ على عُنُقِها صليبٌ ذهبيٌّ، أستفسرُ عنه، وهي التي أعرفُها مسلمةً، فتغمزُ، وتضحكُ مجيبةً: إنّه هديةٌ من حبيبي".

   هذا هو الأدبُ التنويريُ الانسانيُ الغائي عند "أمان السيّد"، فلقد عكستِ الحبَّ تماماً، لتجعَلَهُ بين فتاةِ مسلمةٍ وشابٍّ مسيحيٍ، عكسَ ما نراهُ في الأفلامٍ والمسلسلاتِ وما شابَه، فالحبُّ دائماً يكونُ بين شابٍّ مسلمٍ وفتاةٍ مسيحيّةٍ، فجاءت "أمان" لترخيَ الأمانَ في النفوس وتعلنَ أنّ اللهَ محبةٌ، وأن الحبَّ أقوى من كل الطوائف.

   وتظهرُ معرفةُ "أمان السيد" الجيّدة والمتمكنة باللغة العربية، عندما استبدلت فعلَ "علّقتْ" على عنقِها صليباً ذهبياً، بفعل "رقد" على عنقِها صليبٌ ذهبيٌ، أي نام وغفا وأخذ قسطاً وافراً من الراحة، بدلاً من أن يتدلّى كالأرجوحة. وهذا دليلٌ واضحٌ لاحترام أديبتِنا لشعائر الآخرين الدينية.

   وبعودةٍ إلى تلكَ العبارةِ التي أنقذتني الليلةَ، أرى أن "أمان السيّد" قد تخطّت المحظورَ أيضاً من ناحية إبراز جمالِ المرأة العربية بشكلٍ مثيرٍ وملفتٍ. فلقد صوّرت "سلمى" وهي تجلس مشمّرةً عن فخذيها بعد أن رفعت تنورتَها مراتٍ ومراتٍ لتُظهرَ قطعتين من السجق الشهي. 

   واللهِ واللهِ لم أقرأ من قبل تشبيهاً لفخذيْ إمرأة بالسجقِ الشهيّ إلا عند "أمان السيد".

   فمبجردِ نعتِ السجق بالشهي، تُشعرنا بمدى جمال فخذيْ تلك الفتاة العربية، ومدى انفتاحها على الحياة، إذ أنها كانت تشمّرُ عنهما مراتٍ عديدة وكأنها تدركُ مدى جمالِهما، وأن المحجوبَ غيرَ مرغوبٍ به بتاتاً. 

   قد يقولُ قائلٌ: أليسَ من العيبِ أن تكتبَ أديبةٌ عربيةٌ محافظةٌ مثل هذا الكلام؟ 

   إلى هذا القائلِ أقولُ: العيبُ كلَّ العيبِ أن ترميَ الأديبةُ العربيةُ، محافِظةً كانتْ أم متحررةً، شعُورَها المنيرَ في عتمةِ الجهلِ دونَ أن تطلِقَه في الريحِ ليعانقَ الضوءَ، وينشُرَ التوعيّةَ والبهجةَ في القلوبِ.. فأتعسُ الناسِ هم أولئكَ الذينَ يُضمرونَ شيئاً ويُظهرونَ شيئاً آخر.. وحاشا أن تكونَ "أمان السيد" من هؤلاء الناس.

   ها قد انتهى وقتي في الكلام، ولكنه لم ينتهِ بالقراءة، فكتاب  "أمان السيد" بحاجة الى قراءة متعمّقة لنتلذذَ أكثرَ فأكثر بجمال عباراتها. وشكراً.

على دلونا.. فيروس كورونا

ـ1ـ
على دلعونا وعلى دلعونا
ما قتلنا حدا.. ليش حبستونا؟
حكمتو هالدنيي بجندي وباروده
ورجّف إجريكن "فَيْروس كورونا"
ـ2ـ
كل دوله عظمى.. ما عادت عظمى
"كورونا" بياكل لحما مع عضما
بنيوا قنابل مدري شو إسما
ونسيوا المستشفى.. حتى يشفونا
ـ3ـ
كذبه قوّتكن.. كذبه مشهوره
كشفها "فَيْروس" غطّى المعموره
قرفنا ضحكتكن جوّات الصوره
حاكم يا ألله.. كل الحكمونا
ـ4ـ
يا ربي.. داوي بعطفك مرضانا
كتروا اللي ماتوا.. إرحم موتانا
ما كانوا قعدوا وحكموا لولانا
نحنا انتخبنا العم يسرقونا
**
شربل بعيني