سألتني الاعلامية داليدا اسكندر معيكي عن فعل "يمكن" المتعدي الذي لا يتعدّى إلا الى الضمائر المتصلة به، وكما هو معروف، فمفعوله متقدم على فاعله "كما يقول بعض اللغويين العرب"، الذين ينسبون غموض هذا الفعل الى عدم منطقيته، مثلاً إذا قلت: يمكنك النجاح بالاجتهاد، النجاح هو الفاعل والكاف هي المفعول به. فما معنى هذا الفعل هنا؟ وهل يعقل أن يكون هناك معنى لقولك: يمكن النجاح أنت بالاجتهاد?. بالطبع لا.
أما أنا، ومن وجهة نظري، كمعلم لغة وكشاعر، فيجب إرجاع، لا بل اخضاع، جميع الأفعال العربية إلى القاعدة الشهيرة التي نتلمذ عليها أجيال المستقبل: "فعل وفاعل ومفعول به". مثلاً:
ـ أكلَ الولدُ تفاحةً
فنسأل: من أكل التفاحةَ؟ الجواب: الولدُ "فاعل مرفوع". ويأتي السؤال الثاني: ماذا اكل الولدُ؟ الجواب تفاحةٌ. مفعول به منصوب بالفتحة.
وهذا ينطبق أيضاً على فعل "يمكن" وغيره العشرات من الأفعال المشابهة له، بغية تبسيط اللغة العربية للطالب، بدلاً من إبعاده عنها الى لغات أسهل بكثير، لا بل قد يكرهها حتى الموت.
ولنعد الآن الى العبارة التي ذكرتها سابقاً:
ـ يمكنك النجاح بالاجتهاد
فبدلاً من أن ندوخ التلميذ بتصريف مضحك لا يدخل عقل المعلم، فكم بالحري تلميذه، لأنه غير منطقي، وجب علينا أخذه الى قاعدة "فعل وفاعل ومفعول به" بغية جذبه، كالمغناطيس الى لغتنا العربية، لا إخافته منها، كما يفعل بعض اللغويين التعساء المتمسكين بما قاله الأجداد يوم تنافر أهل الكوفة والبصرة بسبب مسائل لغوية أكل الدهر عليها وشرب.
والآن سأسأل:
ـ من يمكنه النجاحَ بالاجتهاد؟ الجواب: أنت، ضمير متصل في محل فاعل.
السؤال الثاني:
ـ ماذا يمكنك أن تحصل عليه بالاجتهاد؟ الجواب: النجاحَ. مفعول به منصوب بالفتحة.
قد يقول قائل: ألم تلاحظ أن الفعل "يمكنك" قد تغيّر عند سؤالك "من؟" فأصبح "يمكنه"، وبقي كما هو عند سؤالك "ماذا؟"، بلا لاحظت!.. وهذا ما دفع ببعض اللغويين العرب الى المجيء بتلك القاعدة اللامنطقية، لا بل المضحكة.
ما هم لو تغيّر الفعل، المهم أن نبسط القاعدة، ونجعلها أقرب الى المنطق، وهذا حقنا كمعلمين وكتلامذة. أفلا تتغيّر الحرباء الى عدة ألوان ومع ذلك تبقى حرباء، وهكذا الأفعال العربية يجب أن تخضع الى قاعدة واحدة سهلة للغاية.. ألا وهي "فعل وفاعل ومفعول به".
وقد تضحكون اذا قلت لكم ان ما كرهني أكثر فاكثر بقاعدة تصريف فعل "يمكنك" هو ما قالته لي إحدى طالباتي: تصريف هذا الفعل يشبه بعض القضاة المرتشين الذين يطلقون سراح الفاعل المذنب ويسجنون المفعول به البريء جدآ جدآ.
لقد تغيّرت اللغة العربية كثيراً مع الزمن، فلقد أدخل فيلسوفنا جبران خليل جبران فعل "تحمم" بدلاً من "استحم"، فقامت عليه القيامة، فبقي فعل "تحمم"، ورحل الرافضون له.
إذا لم نسهل لغتنا العربية للأجيال الطالعة، كما فعل الانكليز، يوم تخلوا عن لغة شكسبير الى لغة أسهل، تقدر أن تماشي العصر، فستتخلى أجيالنا الصاعدة عن لغتنا العربية، رغم جمالها وكثرة مفرداتها.
ألا تسألون أنفسكم ولو لمرة واحدة: لماذا يطالب البعض باستبدال اللغة الفصحى باللغة العامية؟
سأترك لكم الجواب وإلى اللقاء.
**
شربل بعيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق