ألف شكر يا سايد لأنك سرقتني من حواسي، وأجبرتني على الكتابة/ شربل بعيني


 بالصدفة، قرأت قصيدة "إبن بحويتا" صديقي الشاعر سايد مخايل "دبلت عَ باب  قلوبنا  الحبقه"، فاستوقفتني فيها آلام الشاعر، خاصة عندما يقول:

لما الحبيب يروح شو بيبقى؟ 

الاَّ حبر أَسوَد  على الورقه 

بيصير ينزف ذكريات عتاق 

ويرسم قلب مدبوح  بالحرقه 

هذا القلب المذبوح بالحرقة، هو قلبي، وقلب كل انسان مهاجر ترك وطنه الحبيب، وغاص في لجج الغربة، وكلما حاول الخلاص، بلعته الأمواج أكثر فأكثر.

إذن، فالحبيب هنا، جاء بالمطلق، إما أن يكون إنساناً، وإما أن يكون وطناً، والاثنان تجمعهما مفردة واحدة، ألا وهي الحب. فيأتي عندئذ السؤال المؤلم: ماذا سيبقى إن غادر الحبيب، فيأتي الجواب من سايد:

ومن بعد منو بتدبل الأشواق  

وبعد أن تذبل الأشواق تنتهي البشرية لا محالة، أو قد يغض الطرف عن كل إنسان يمر بقربه:

 وكل اللِّي بعدو  بيمرقو مرقه 

ما هذه "المرقة" المحشوة باليأس، الملآنة بالدموع، التي تردد عبارة شمشوم الجبار: علي وعلى أعدائي يا رب.

ولكي يداوي نفسه بالتي كانت هي الداء، على حد قول احد الشعراء، نراه يقول:

ولْ كنت تبقى لطلتو  مشتاق 

وتسرق من خدودو العطر سرقه  

بتتذكرو  بسكرة ليالي غماق 

لمِّن  يجي تبقى الدني عجقا 

وأية "عجقة"، سنسمع الزغاريد، وقرع الطبول، والدبكة اللبنانية، ولكن:

عَا غيبتو صار القلب  منداق 

مش عم يصدق وقعت الفرقه 

ويبس الورد  والعطر بالاوراق  

ودبلت ع باب  قلوبنا  الحبقه..

قصيدة مسبوكة جيداً، تشعر مع الشاعر ما أرادك أن تشعر به، شئت أم أبيت،  ويسرقك من حواسك ليزرع حواسه فيك، وكأنه يقول لنا: الشعر الجميل ليس ملكي بل ملككم أنتم.


ألف شكر يا سايد لأنك سرقتني من حواسي، وأجبرتني على الكتابة.

شربل بعيني