كلمة الشاعر شربل بعيني في حفل توقيع كتاب الأديبة أمان السيّد نزلاء المنام


مساءَ الخير

   عندما طلبت مني الأديبة "أَمان السيّد" إلقاءَ كلمةٍ في حفلِ توقيعِ كتابِها "نُزلاءُ المَنام" وافقتُ بفرحٍ، لأن الأدبَ الأُنثويَ بحاجةٍ إلى دعمٍ مستمر، كي يستمرَّ حرفُ "النون" بالإشراقِ والتألّقِ في مغتربِنا هذا.

   وما أن وصلني الكتابُ عَبرَ البريدِ حتّى تلاشتْ فرحتي، ورحتُ أردّدُ: يا إلهي.. كيف لي أن أتكلّمَ عن ستّة وثلاثين قصّة قصيرة بخمس دقائق؟

   ورحتُ أقرأ وأقرأ إلى أن وصلتُ إلى قصةٍ بعنوان "في مَتاهة" فانفرجتْ أساريري وصِحتُ بصوتٍ عالٍ: وجدتُها.. أجل وجدتُها!

   في هذه القصة تسألُ "أمان السيّد" أسئلةً مدروسةً بتأنٍ، وكأنها تريدُ التغييرَ والإصلاحَ واختراقَ الحواجزَ الطائفيةَ وهي تحلمُ.. أجل تحلمُ.. كما نحلمُ نحنُ تماماً، فلنسمعْها إذنْ:

ـ "أرى سلمى ما تزالُ هناكَ تقرفصُ بسُمرتِها اللاذعة، وبفخذيْها اللتينِ تَظهران من تحتِ تنّورة المدرسة التي شمّرتها مرّاتٍ لتبدُوَا قطعتين من السّجقِ الشهيّ، وقد رقدَ على عُنُقِها صليبٌ ذهبيٌّ، أستفسرُ عنه، وهي التي أعرفُها مسلمةً، فتغمزُ، وتضحكُ مجيبةً: إنّه هديةٌ من حبيبي".

   هذا هو الأدبُ التنويريُ الانسانيُ الغائي عند "أمان السيّد"، فلقد عكستِ الحبَّ تماماً، لتجعَلَهُ بين فتاةِ مسلمةٍ وشابٍّ مسيحيٍ، عكسَ ما نراهُ في الأفلامٍ والمسلسلاتِ وما شابَه، فالحبُّ دائماً يكونُ بين شابٍّ مسلمٍ وفتاةٍ مسيحيّةٍ، فجاءت "أمان" لترخيَ الأمانَ في النفوس وتعلنَ أنّ اللهَ محبةٌ، وأن الحبَّ أقوى من كل الطوائف.

   وتظهرُ معرفةُ "أمان السيد" الجيّدة والمتمكنة باللغة العربية، عندما استبدلت فعلَ "علّقتْ" على عنقِها صليباً ذهبياً، بفعل "رقد" على عنقِها صليبٌ ذهبيٌ، أي نام وغفا وأخذ قسطاً وافراً من الراحة، بدلاً من أن يتدلّى كالأرجوحة. وهذا دليلٌ واضحٌ لاحترام أديبتِنا لشعائر الآخرين الدينية.

   وبعودةٍ إلى تلكَ العبارةِ التي أنقذتني الليلةَ، أرى أن "أمان السيّد" قد تخطّت المحظورَ أيضاً من ناحية إبراز جمالِ المرأة العربية بشكلٍ مثيرٍ وملفتٍ. فلقد صوّرت "سلمى" وهي تجلس مشمّرةً عن فخذيها بعد أن رفعت تنورتَها مراتٍ ومراتٍ لتُظهرَ قطعتين من السجق الشهي. 

   واللهِ واللهِ لم أقرأ من قبل تشبيهاً لفخذيْ إمرأة بالسجقِ الشهيّ إلا عند "أمان السيد".

   فمبجردِ نعتِ السجق بالشهي، تُشعرنا بمدى جمال فخذيْ تلك الفتاة العربية، ومدى انفتاحها على الحياة، إذ أنها كانت تشمّرُ عنهما مراتٍ عديدة وكأنها تدركُ مدى جمالِهما، وأن المحجوبَ غيرَ مرغوبٍ به بتاتاً. 

   قد يقولُ قائلٌ: أليسَ من العيبِ أن تكتبَ أديبةٌ عربيةٌ محافظةٌ مثل هذا الكلام؟ 

   إلى هذا القائلِ أقولُ: العيبُ كلَّ العيبِ أن ترميَ الأديبةُ العربيةُ، محافِظةً كانتْ أم متحررةً، شعُورَها المنيرَ في عتمةِ الجهلِ دونَ أن تطلِقَه في الريحِ ليعانقَ الضوءَ، وينشُرَ التوعيّةَ والبهجةَ في القلوبِ.. فأتعسُ الناسِ هم أولئكَ الذينَ يُضمرونَ شيئاً ويُظهرونَ شيئاً آخر.. وحاشا أن تكونَ "أمان السيد" من هؤلاء الناس.

   ها قد انتهى وقتي في الكلام، ولكنه لم ينتهِ بالقراءة، فكتاب  "أمان السيد" بحاجة الى قراءة متعمّقة لنتلذذَ أكثرَ فأكثر بجمال عباراتها. وشكراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق