هل التقطت صورة مع أحد المسؤولين؟

كما نشر في العراقية
ما أن يأتي مسؤول ما من بلادنا، أيا كانت تلك البلاد، حتى نرى صفاً طويلاً من المتهافتين لالتقاط الصور التذكارية معه، وتقبيل يديه، وتكحيل عينيه بأغلى الهدايا، والتبرع له بمبالغ مالية كبيرة تُجمع من الأرامل والمساكين والمتقاعدين عن العمل، وكأنه ملاك هبط فجأة من السماء.
والمضحك المبكي في الأمر أن أحد أهم أسباب هجرتنا وانسلاخنا عن أوطاننا هم هؤلاء المسؤولون الجشعون الذين نطبّل ونزمّر لهم في بلاد لا يطبّل شعبها لأي مسؤول فيها.. عنيت بها أستراليا.
تذكرت هذا بعدما التقيت رجلاً لبنانياً عجوزاً جالساً على مقعد في أحد التجمعات التجارية، فشدني تطلعّه الصارم في بعض الصور التي يقلّبها بين يديه للجلوس قربه. وبعد لحظات التفت إليّ وقال:
ـ إستاذ شربل.. إنّي لا أراك في هذه الصور.
ـ أتعرفني؟ أعتذر، لم يحصل لي شرف معرفتك.
ـ أنا فلان الفلاني.. عم أحد المسؤولين اللبنانيين الكبار الذي زار سيدني مؤخراً.. وقد التقطت له آلاف الصور مع آلاف المدعوين.. ولكنني لم أرَ وجهك في إحداها على الاطلاق.
ـ ولن تراه..
ـ أتريد أن تضحك؟..
ـ تفضّل..
ـ بعد عودة ابن أخي المسؤول الى الوطن، قررت أن ألحقه لتخليص إرثنا العائلي قبل فوات الأوان، فوجدت أن الإرث قد طار.. ولن أخبرك من ابتلعه..
ـ إبن أخيك..
ـ المهم.. حملت هذه الصور التي تراها بين يديّ، والتي تجمعه بوجوه عديدة من الجالية، ورحت أسأله: أتعرف من هذا؟.. أتذكر هذا الوجه؟ وكان يهز رأسه علامة النفي.. أي أنه لم يتذكّر إسماً واحداً من كل الذين هرعوا لالتقاط صورة تذكارية معه.
ـ ولماذا تحمل الصور الآن.. وتتطلّع بها طوال الوقت؟
ـ للتسلية.. أريد أن أتسلّى.. هذه الصور تضحكني كثيراً..
ـ لماذا..
ـ لأنها تريني تفاهة البعض في بلاد لم تنقذنا، رغم ديمقراطيتها المفرطة، من تزلمنا لزعمائنا هناك، من طائفيتنا المقيتة، أو من تراكضنا نحو قبور يحفرها لنا ولأهلنا في الوطن زعماء أشرار، لا تليق بهم سوى اللعنة.
ـ إذا جاء ابن أخيك مرة ثانية ماذا ستفعل؟
ـ لن يأتي.. لقد شتمته بسبب الإرث.. إنه مسؤول لص... حرامي.. أتعرف ما معنى حرامي.
ـ أعرف.. كلهم هكذا.. ونحن نطبّل لهم، ونتبرّع لهم، ونتزلّم لهم..
ـ أكتب يا أستاذ عن لساني: بدلاً من أن تصيّرنا أستراليا بشراً كباقي البشر، رميناها في أتون التزلّم الأعمى والتعصّب الطائفي والجهل المدقع.
وعندما وجدت أن ضغط دمه قد بدأ بالارتفاع تركته، لا خوفاً عليه، بل هرباً من  الشتائم التي تتطاير من شفتيه كطلقات رشاش أوتوماتيكي، ولسان حالي يردد: لماذا نحن بلهاء الى درجة يضحك بها علينا زعماء أشرار، رغم أننا نعيش في بلاد تبعد عنهم آلاف الأميال؟
هل التزلّم للآخرين من العادات التي لا يمكن الاستغناء عنها؟
وهل فشلت أستراليا في زرع حريتها المطلقة في نفوس تأبى إلا أن تعيش عبوديتها المؤلمة؟
هذا ما يحيّرني، لا بل يبكيني حقاً.
**
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا
الرجاء قراءة التعليقات

هناك 7 تعليقات:

  1. غير معرف2:14 م

    كتب ناجي أمل الوصفي

    أخي الفارس اللبناني شربل
    أهديك هذه المداخلة

    التزلّم العربي

    نحن المترجمون المصرييون المحترفون في أستراليا كنا نتعرض لحملات رفض وتشويه سمعةمن قبل بعض الأشخاص (المتزلمين). وتعالت الصرخات العرقية تندد بالمترجمين المصريين الذين لا يعرفون معنى الطاولة (المائدة)، والدولاب (عجلة السيارة)، والخزانة، واللثة، والحليب، وارضية الجمعة الخ الخ. نقطة

    وفي يوم من الأيام التقيت بزميلين من المترجمين المصريين المحترفين. وطرحت عليهما سؤال شبيه بالسؤال الذي طرحه الزعيم اليهودي شيمون بريز في مقدمة كتابه المشهور: البحث عن السلام. السؤال: لماذا نحن مكروهين هكذا من الكمبو شابارونز اللبناني؟؟؟ لماذا يصرخ هذا الزلمة اللبناني في كل محفل ويطالب السياسيين الاستراليين بسن قوانين جديدة تـُحرم وتـُجرم استخدام المترجمين المصريين لأنهم لا يتحدثون اللغة اللبنانية؟؟؟!!! نقطة

    أقترح أحد الزميلين أن نستخدم مهارتنا في تقليد اللغة اللبنانية وندعي أننا لبنانيين وهكذا ندرء الشر ونؤدي عملنا بسلام. نقطة

    ودارت الأيام وأرسلتني الشركة التي كنت أعمل بها للترجمة لأخ لبناني. وكالمعتاد صحت بصوت عال: في حدا هون من عيلة فلان. فرد شخص من الجالسين وقال: من وين أنت؟ فعرفت على الفور أن الكمبو شابارون (أو السيد عشرة في المائة) قد بث سمومه في قلب الزلمة)وقلت له: انا لبناني من لبنان. فقال طالب التعويض: من وين من لبنان؟؟ فلعنت في سري فتوى انتحال اللبنانية ولكنني لم أجد مفر من الاستمرار، فقلت : شو بدك من ها القصة، شو راح تفرق معك إن كنت أنا من كفر صغاب أم من النبطية أم من ضيعة البطل اللبناني فرج الله الحلو؟؟؟؟؟ نقطة

    صاح الزلمة بأعلى صوته في صحن محكمة تعويض العمال: بدي أعرف زلمة مين أنت؟ فقلت له بصورة تلقائية دون أفكر مليا في الأمر: أنا من بشري. وبدأت أصلي وأطلب من السيدة العذراء أن تضع السلام في قلب هذا الزلمة فيتركني لأداء مهام عملي بسلام. ولكنه عاد يسالني: زلمة مين من بشري؟؟؟ وبصورة تلقائية قلت له : زلمة مشيل عون. وبدأت أطلب من جميع القديسين الذين أعرفهم أن يساعدوني: القديس مارجرجس العجايبي والقديسة سانت كاترين الباتعة والقديسة جان دارك والقديس مار مارون والقديس أبو سيفين وأبا نوب... (دخيلك يازلمة ما تركت قديس أو قديسة إلا وذكرت اسمها في سري)وإذا بالزلمة يصرخ بأعلى صوته: فلّ!!! فلّ! فلّ! ما بدي اياك! ما بدي أياك! نقطة

    التزلّم (بتشديد اللام) آفة البداوة والبداوة آفة المجتمعات العربية كلها والعدو الأول للتقدم. لماذا؟ لأن التزلّم (القبلية) تفرض على المواطنين أتباع شيخ القبيلة بصرف النظر عما ينادي به من تخاريف سياسية تماما مثلما يتبع الماعز التيس الكبير الذي يقودهم إلى الكلئ ثم البدانة الجسدية والتلبد العقلي والهرتلة الفكرية والتحجر العاطفي والتخلف الحضاري.نقطة
    ناجي-أمل الوصفي

    ردحذف
  2. د. عبدالله عقروق ـ فلوريدا2:39 م

    شربل العظيم..
    أنسان المهام الصعبة في بلاد الغربة. والناطق الوحيد باسم الأنسانية والتسامح والاخاء والمصداقية والمحبة.. وعظمتك تأتي من تواضعك، وعدم تعاليك على أحد. جميعم سواسية كأسنان المشط.
    ثم دوما تقول الحق.
    وأنا في فلوريدا متابع جيد لك ولمقالاتك وحتى تحركاتك. فلم أجد فيك سوى علة واحدة، وهي أنك تحب بلدك الأم لبنان وطبعا هذه ليست علة في مفهومك الوطني الصادق.

    د. عبدالله عقروق
    فلوريدا
    aaakrouk@comcast.net

    ردحذف
  3. عائشة ـ بغداد3:58 م

    يا استاذ شربل أنت وقح لآخر درجة.. ولكن مصلح اجتماعي تعرف كيف توجع من تنتقدهم. عندما كتبت عن طاولات الشرف أقمت الدنيا ولم تقعدها حتى الآن.. وها أنت تكتب عن موضوع أقوى سيسبب لك كره من تبقى من وجوه الجالية. ولكن هذا قدرك.. أن تكتب بغية الاصلاح.. ولكن على من تقرع مزاميرك يا شربل بعيني.. المريض مريض والدواء مرفوض.. أما الوصفة الطبية فهي كلامك ولكنها معلقة على الحائط. حماك الله للمظلومين من أبناء وطنك العربي التعيس.
    أختك عائشة ـ بغداد

    ردحذف
  4. عائشة ـ اوبرن والآن بغداد4:08 م

    نسيت أن أخبرك أنني من سكان منطقة أوبرن في سيدني وقد عدت مؤخراً لزيارة الأهل والأصحاب.. أي أنني نكلمت عن جالية أعرفها تماماً كما تعرفها أنت.. ,اخبرك أن أحد وجهاء الجالية ممن يجلسون دائماً على طاولات الشرف قد شتمك أمامي بينما كان يقرأ مقالك عبر شاشة الآي فون.. ,اخبرك أنني قلت في سري: هو يلعنه وأنا أدعو له كي يوفقه الله.. وفقك الله يا أخي

    ردحذف
  5. انطوني ولسن4:20 م

    عزيزي شربل .. بعد التحية
    قرأت مقالك المعنون بهذا العنوان : هل التقطت صورة مع أحد المسؤولين ؟
    وتحت العنوان صورة تيس أسمر محاط بتيوس وعنزات صغار
    لا أخفي عليك إعجابي بسخريتك .. ودعني أجيب على السؤالين الذين وضعتهما في أخر مقالك
    *هل التزلّم للأخرين من العادات التي لا يمكن الأستغناء عنها ؟
    والأجابة .. مع شديد الأسف لا وألف لا يمكن الأستغناء عنها .. لماذا ؟
    لسبب بسيط جدا ... وهو أن شعوبنا العربية أو الناطقة بالضاد لم تنشأ النشأة السوية التي تعرف بها قيمة نفسه . فالوالدين نشأوا هكذا مثل أبائهم وجدودهم . وأنك لا يمكن أن تجد عملا إلا بعد أن تتزلّم لأحد الأزلام من ذوي السلطة . دعني أذكر ما قرأته عن بعض الأزلاّم عندما تمطر السماء فكانوا ينامون على الأرض والوحل ليعبر على أجسادهم المسؤول فهل بعد هذا الذل .. ذلٌ ؟ وهذا ليس فقط في لبنان بل كما قلت عند كل ناطقي الضاد
    والسؤال الثاني : وهل فشلت أستراليا في زرع حريتها المطلقة في نفوس تأبى إلا أن تعيش عبوديتها المؤلمة ؟
    والأجابة بكل صراحة نعم .. ن .. ع .. م .. لماذا ؟ لأن أستراليا والغرب قد عانوا كثيرا من التزلم ، لكنهم بعد حروب سواء بين أبناء الوطن الواحد ، أو بين الأوطان دفع بهم للنظر في حرية الأنسان وحقه في حياة حرة كريمة . وأصبح للأنسان الحرية المطلقة لإختيار نمط الحياة التي يريد أن يحياها ، شريطة أن لا تضر أو تتعارض حريته مع حرية الآخرين . وهنا مربط الفرس بالنسبة لنا القادمون من الشرق . جئنا ولم نترك خلفنا تخلفنا . جئنا ولم نحاول .. مجرد المحاولة بالتعلم منهم . والسبب والعيب فينا نحن فقد وجدنا أنفسنا بين مطرقة رجال الدين الذين يصفون أهل البلاد بالكفر والإباحية ويصرون على عدم الإلتحام ، وسندان الأباء الذين لا يستطيعون التأقلم فيقومون بتعليم صغارهم التقوقع في داخل قوقعة التخلف والجهل والأستمرار في السير على ما سار عليه الأولون . وفي كل يوم تزداد الفجوة بين أهل البلاد والقادمين من دول الشرق وصديقك الذي فجر فيك المشكلة لو أنه لم يكتشف سرقة قريبه الكبير المسؤول له ما إشتكى ولا بكى وما كنت كتبت عن الموضوع ، وما كنت علقت كما سيعلق غيري على هذا الموضوع
    مع خالص تحياتي
    أنطوني ولسن
    11 / 02 / 2013

    ردحذف
  6. أنطوني ولسن5:37 م

    عزيزي شربل .. بعد التحية
    نعم إلتقطت العديد من الصور مع المسؤولين سواء من مصر أو لبنان أو من أي بلد عربي أثناء لقاءات أجريتها معهم .ومع بعض أخر لم أجري معهم لقاءات ولكن سيرتهم عطرة على سبيل المثال المرحوم تويني في منزل الدكتور بيار رافول وكنت مدعوا على العشاء على شرفه رحمه الله. وأيضا صورة مع العماد ميشيل عون يوم وصوله سدني وبعد المؤتمر الصحفي الذي عقد في باراماتا ، عندما ذهبت لمصافحته فقدمني له الدكتور بيار وفوجئنا جميعا برده على الدكتور بيار " شو بدك تعرفني بالأستاذ أنطوني.. دا في قلبي " مما أخجل تواضعي وانهالت الصور علينا . كذلك في بيت الدكتور بيار رافول وحضوري وزوجتي حفل العشاء على شرفه " العماد عون " . كما وانني ألقيت كلمة حق كنت قرأت عن حادثة إعتداء من ضابط لبناني حدثت لعامل مصري بمحطة " بنزين " في بيروت . عندما سمع العماد بالأمر أرسل ياوره الخاص ليحقق في الأمر وأمره بتوقيع جزاء على الضابط إن كان مخطئا . عقب كلمتي كانت كلمة العماد ولك أن تتصور ماذا قال وسيل الصور التي أخذت لي وزوجتي معه .شيء أخر وهو الصور التي أخذتها مع العديد من الزائرين المصرين وغير المصريين سواء من رجال السياسة أو الفنانين والفنانات . ولكن لم أسرع الخطى " كما يفعل البعض وأنت تعرفهم " لمجرد التصوير. لم أفعل هذا ولن أفعله ... وشكرا
    أنطوني ولسن

    ردحذف
  7. إيلي عاقوري8:13 م

    Dear Charbel this is the best article you have wrote up to now …BRAVO Charbel…
    I have been saying this for years and years but no one listened to me …
    God bless you YA CHARBEL…

    ردحذف