ألله ونقطة زيت .. وحـَبـَّة مـسك . بذلك الشغف قرأت ديوان شربل بعيني/ محمود شباط


ألله ونقطة زيت .. وحـَبـَّة مـسك . بذلك الشغف قرأت ديوان شربل بعيني.
عـَبـْرَ سـُهـُبٍ نضرةٍ على مرمى التطلعات يهف قلم شربل كمهر مـُجـَنـَّحْ. في يمين فارسه ريشة ترسم دخائل النفوس وحقائق جبرانية ورؤى حلاجـِـيـَّـة. يطوف الفارس البعيني في رحلة " الله ونقطة زيت" مجتهداً دون تكلف.
في قصيدة "حـَكـْيــِي ضـَاعْ " تتماوج الريشة في فضاء معتكر بسحاب أسود يُمـْطـِـرُ أبابيلَ تنهمرعلى رؤوس طواغيت كتم الأنفاس والإبادات الجماعية، الملتصقين بغراء كراسي الحكم وخلف كل منهم رائعة الإمام الأوزاعي :" لو دامت لغيرك لما وصلت إليك" . يعلقونها رياءً ولا يكترثون لها، يتوهمون بأنهم ورثة الله على الأرض فترسم الريشة المشهد:
" بـْتـِقـْـتـُلْ طـفـْـل بـْـتـِمْحـِي ضْيـَاع
بـإسْمـَك !! هـَ الأسم القـَدُّوسْ
وقـِللـِّي ... شـُو فـيكْ تقللـِّي؟! "
في "ألله ونقطة زيت" يستنهضنا شربل برنين أجراسه التي تكشف دجل الذين "بـِيدقـُّوا جـْرَاسُنْ عـَنْ كـِذب" وكذلك أولئك الذين يحجـُّون ويطوفون حول الكعبة في مناسك العمرة ويطلقون فقاعات غيبية يقتات زيف ورعهم من هبائها :
"مَسْطـُول وأكـْبـَرْ مَسْطـُولْ
كـِلـْمـَنْ بيآمن يا رَبّ
من نـِقـْطـِة زَيـْت ْوقـَنـْديلْ"
و للمنطق حـَيـِّـزه الواسع في شعر شربل حيث يميل إلى عقلانية "تولستوي" في آنا كارنينا مـُتـَبـَنـِّـيـاً الإيمانَ عن طريق العقل ... والعقل فقط، العقل الذي يـُبـَرْعـِمُ ورودَ السلام ويـُنـْضـِج سنابلَ القمح، حيث يدرزها شاعرنا دانات غاندية وادعة أليفة ألقة بين سطور قصيدة "حـْرقـْـنـِي بـْنـُورَكْ " :
" نـْـفخـْنـِي غـَيـْمـِه وسْـعْ الأرض
تا شـَـتـِّي لـْـهَـ النـَّاس غـْلالْ
وأجـْرُفْ من قـِدّامـُنْ بـِغـْضْ
وحـَيـِّـكْ بـَدلْ الـْبـِغـْضْ سـْلالْ"
بعد أن يحيك السلال ويزيل البغض يستمر شربل في مسلسل رؤاه ، يسبر قعر القانون ويـُبـََسـِّط "نية المشترع" شارحاً ومُشَرِّحاً تعريفَ الخطيئة والتمييز بينها وبين خطأ الأم الفقيرة المُرغـَمـَة على تأجير ثدييها لتطعم أبناءها. والجائع الذي يسرق الرغيف بعد أن عضه ناب الجوع، والمغلوب على أمره الذي تداهمه بلطجية الإستقواء بالسلطة والنفوذ في عقر داره فيضطر لسفك الدم دفاعاً عن دمه و داره.
يتابع شربل بعيني التحليق تارة بجناحي فراشة وطوراً بجناحي عصفورة:
"غـَيـِّرْنـِي .. عـْمـِلـْنـِي عـَصْفـُورَه
يـَا مـَا وْيـَامـَا بـْفـِكـْري طـِـرْتْ
لـْجـَنـِّـة حـْبـَّكْ يا يـَسُوع
وغـْسَـلـْتْ النـَّفـْس مْنْ شـْرُورَا"
عبر تلك الـ " يـَا مـَا وْيـَامـَا بـْفـِكـْري طـِـرْتْ " نفهم بأن فراشات وعصافير شربل كررت مرات ومرات رحلات الهف به نحو الجنة لـِيـُطـَهـِّرَ نفسه عبر محاسبة الذات. ثم يطلب من يسوع أن يـُغـَيـِّـبه من قتامة ليلنا الأليل ويبعثه شمساً – نبراساً يضىء الدرب لمن ضَـلـَّهُ ، يمده بالعون ليوقـِفَ مسلسل القتل ويـُكـْثـِرَ من تشييد المنازل بدل المقابر ويجعل منه داعية سلام ورخاء وازدهار وثقافة حياة:
" نـَيـِّمـْـنـِي ... وتـْرِكـْنـِي أوعـَا
تا هـَ النـَّاسْ الـْ دابـُو شـْمـُوعـَا
تاخـُدْ مـْنـِّي النـُّور ... وصَفـِّي
إمْحـِي قـْبـُورْ وْضَـوِّي مْسَاكـِـنْ"
لن نتكهن عن ذلك التغيير الذي مس "جوهر إيمان" شربل بعيني . لقد باح لنا بمكنونه في ديوان "الله ونقطة زيت" . لقد انحاز مع المظلوم ضد الظالم، مع الإنسان ضد اللاإنسان، ورأى الخالق كما يجب أن يـُرى : للجميع ودون حق لأحد باحتكاره.
هنيئاً لأدبنا المهجري بك صديقي وأخي شربل.
الخبر في : 02/05/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق