أخي العزيز الأستاذ شربل بعيني: والحيف واحد/ محمود شباط

الخبر في : 26/06/2010

سكري المذاق كل شعرك. ولكن قصائدك : مملكة الحكي، والغربة الطويلة و مجنون يسأل لها نكهتها وعذوبتها المميزة كتميز الشهقات الأخيرة لانبلاج الفجر، وكالهسيس الناعم الذي يسبق صرخات مخاض بهير الضوء في الهنيهات التي يبدأ فيها الحائك الأعظم حبك القبة الزرقاء بخيوط من أثير.

قرأت لك خواطرك الجميلة تلك، قرأتها في المرة الأولى للإطلاع وفي المرة الثانية للتذوق حسب تعبير صديقنا الشاعر هنري زغيب.

استوقفتني في مملكة الحكي دقة تصويرك لشعور المغترب بالوحدة حين يجنح به الخيال لتشكيل بشري يناجيه ليذكره بأنه لايزال في عالم الأحياء . تعابير منبجسة من قلب القلب ترشح لوعة وتقطر شجى شبابة قصب بين أصابع راع من بلادنا :

وْصِـرْتْ بـْلـَيالِي الـْبـِكـِي
إجْبـُلْ مِـنْ تـْرَاب الحَكـِي
إنـْسَانْ ...
إسْألْ : يْجَاوبـْنـِي
إزعـَلْ : يْعَاتـِبـْنـِي

و يتصاعد احترافك في رسم المشهد عبر الخشية الخبيئة في كلماتك السبع :

وضْحِكِتْ لـِمـِّنْ قِـلـْتْ :
وْصِلـْتْ ..
لـَوَيْنْ ؟ .. مُشْ مَعْرُوفْ !!

يا ألله ! كم هي مخيفة عتمة المجهول ؟؟ حتى في الوطن ، وحري بها أن تكون أرهب حين يتسمر المغترب حائراً مشتت البوصلة إزاء سراديب النفق المعتم ، وعلى باب كل سرداب نصب دراكولي اسمه "مُشْ مَعْرُوفْ" . ولو لم أكن متيقنا من أن كبيراً كشربل بعيني هو من حبك ذلك النسيج اللذيذ لنسبته لقلمي وتوأمته ببيت من قصيدة لي :


يَا غـُرْبْتـِي لـْمَا طـَال غـُرْبِـه قـَدّها تـْلاتـِينْ عامْ وْبـَعـْدْ غـَايـِمْ حـَدّهَا

أتساءل باندهاش عن مدى تطابق المعاناة ! و أنوه بصدق شكواك أخي شربل حين تئن بحنجرة كل مغترب :

وْ قـَالـُولـِي تـَعـَبـْنـَا تـِعـِبْ
والعمر ابتلى

صَدَقـْتْ ! وهل يعود ما فات ؟ من ذا الذي سيرجع لنا تلك السنين التي راحت ولن تعود؟ وهذا ما جسدته في قصيدة لي بكلمات مشابهة :

تـْلاتـِينْ عامْ بصخب بحر الإغتراب من العمر راحت ما حَدا بـيردّها

وفي "مجنون يسأل" تفيض عباراتك بمرارة نسغ التساؤل واليأس، استمتعتُ حقاً بقراءتها و"قـَرْقـَشْتُ" تشبيهك للغربة بفتاة دون العشرين ذات عينين سوداوين تناجيك بإشفاق وحرقة :

غـُرْبه .... عْيـُونـَا سُودْ
ما عُمْرْهـَا (عـِشْرينْ)
قالـِتْ : بـ شُو مَوْعـُودْ
يَا شَاعْري الـْمِسْكـِينْ
عَمْ تـْرْسُمْ الرَّجْعَه
عَ مْوَاجْ مِرْتـِفْعَه
وْ بَيـْنـَكْ وْ بَيْنَا سْنِينْ

مرة أخرى : نفس الألم بغير قلم ، و ما عبرتَ أنت عنه كان في بالي حين تأوهتُ في قصيدتي المماثلة :


وْ كلّ ما فْتـَكَرْتْ بْعَوْدْتي بْشوفا سَرابْ بْظروف تْتْفَاوتْ بـِمَزْحَا وْجَدّها

وْ كلّ ما ظَنَنْتْ اقترَبْ يَومْ الإقتراب الأقْدار بْتْعُودْ الطَّريقْ تْسدّها

وما أروعك وأنت تكمل بما بدأت :

قِلْتِلْهَا : مَا خِنْتِكْ بْهَالْعُمْرْ
وْ لاَ نْسِيتْ أتْعَابـِكْ
تْحَمَّلْتْ فِيكِي الْقَهْرْ
تَا وْفَيْتـِكْ عْذَابـِكْ
وْ يَامَا بْعَرَقْ جِسْمِي
عِطّرْتْ إجْرَيْكِي

تتعدد الأقلام والحيف واحد . سَلـِمْتَ وسلم قلمك يا أستاذ !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق