مجلة مديات العراقية: لقاء مع الشاعر والأديب اللبناني شربل بعيني ـ استراليا



شربل بعيني ربيع لا ينضب وإرادة لا تسلب وكلمة تسمع قبل أن تكتب...فهو لم يجعل من الشعر صنعة ولا اختاره سلعة ولكنه كان بالنسبة له صوت لعالم كله سمعه...

قال عنه نعيم خوري في مجلة الوفاق:

كبيراً ذهب الشاعر شربل بعيني إلى بغداد وكبيراً عاد منها، فقد لبّى هذا الشاعر الجريء دعوة لحضور مهرجانات المربد الشعريّة هناك، فحمل الرسالة، وأدّى الأمانة على أتـمّ وجه...

و قال عنه  إياد الزاملي من العراق أيضا:

أن تكتب شعراً، يعني إنك إنسان أولاً، وإنسان ثانياً، وإنسان أخيراً. وأن تكون إنساناً، إنساناً حقّاً، يعني أن للكلمة الكأس المعلّى، وان الخير إلى ازدياد، وأن العالـم أجمل.

 

أستاذ شربل بعيني، أهلا بك عبر مجلة مديات العراقية

ـ أهلاً بك أخت بشرى، وأهلاً بأهل العراق، الذين علّموني، أثناء زيارتي لهم عام 1987، أن الضيافة العربية التي يتغنى بها العالم أجمع، تنبع من بين أصابعهم، وتترقرق في جداول حبهم، لتنسكب فيما بعد ابتسامات ولا أجمل على شفاههم.

قبل أن نبدأ حديثنا ما رأيك في الانتفاضة الثقافية العراقية من جديد؟

ـ العراق بلد الثقافة، ومنبع الشعر، فيه كان البدء، ومنه انطلقت الرحلة، والرحلة لم تتوقف، ولن تتوقف، ما دام هناك قلم عراقي ينبض، يتألّم، ويثور. فالانتفاضة الثقافية العراقية لم تتعثّر، رغم الحرب الأليمة، لتقوم من جديد. فلقد كانت، وما زالت، وستبقى، لأنها البدء، والرحلة، والهدف.

   قبل الحرب كانت الثقافة العراقية في أوج عزّها، وكنا نذهب إلى بغداد لنتبغدد أدبياً، وأثناء الحرب وبعدها كتب الأدباء العراقيون في مواقع إلكترونية مئات الالاف من المقالات، ونشر بعضهم الصحف والمجلات الورقية خارج حدود بلادهم، ففي أستراليا مثلاً صدر العديد من الصحف العراقية كالفرات ودجلة وبانوراما والعراقيةوغيرها. وبما أن لا حدود جغرافية للكلمة، وجب علينا أن نقر بأن الأدب العراقي بقي سيّداً كما كان رغم كل شيء.

 

عرفك العديد من الشعراء والكتاب ببغداد ومثقفو هذه المدينة يذكرونك بكل خير  ويقال أن اشتراكك في المربد الشعري العراقي قد أتاح لك فرصة الانتشار في العالم العربي كله، فهل لك أن تحكي لنا عن مرتعك من فرات الثقافة وعن ذكرياتك هناك؟

ـ هذا كلام صحيح، فاشتراكي بالمربد الشعري عرّفني بشعراء كبار لم أكن أحلم أن ألتقيهم لولا العراق، منهم، على سبيل المثال لا الحصر، الشاعر الكبير عبد الوهاب البيّاتي، الذي جمعتني به بغداد، وتوطدت أواصر الصداقة بيني وبينه إلى يوم وفاته، رحمه الله، وهذا ما تجدونه في رسائله إلي، المنشورة على الشبكة العنكبوتية في كتاب إلكتروني جميل.

   كما تعرّفت على الشاعر اليمني محمد الشرفي، الذي استضفته في بيتي في أستراليا، يوم زارنا لاستلام جائزة جبران العالمية، ورسائله إلي منشورة أيضاً في كتاب إلكتروني.

   ولكن معرفتي الأجمل كانت للدكتور عصام حداد، الذي أوجد جائزة شربل بعيني في لبنان، لتوزع فيما بعد في أستراليا.

   أما إذا تكلمت عن ذكرياتي في العراق فيلزمني مجلدات وليس جواباً على سؤال، إنها أجمل من الكلام، إنها السعادة التي تغمرني كلما تذكرتها، إنها الصرخة التي أطلقتها في قصيدتي المربدية:

أرض العراق أتيتكِ

مدّي اليدين إلى الحبيب

إلى أن أقول:

قَد تَضْحَكينَ، وَأَنْتِ الضَّادُ،

مِنْ نُطْقي، وَمِنْ لُغَتي..

وَمِنْ شِعْرٍ غَريبِ السَّبْكِ

يَحْمِلُ وَشْمَ مَحْبَسَتي.

قَدْ تَضْحَكينَ.. وَلكِنْ، ضِحْكَةَ الأُمِّ

الَّتي ابْتَهَجَتْ بِطِفْلٍ تَمْتَمَ: يَمَّا..

فَيا أُمِّي..

بِغَرْبٍ ضَمَّني طِفلاً

تَرَكْتُكِ أَنْتِ "سَيِّدَتي"

وَنَشْرَ الضَّادِ أُمْنِيَتي

وَفَوْقَ شِراعِ أَسْفاري

كَتَبْتُ كَلامَ أُغْنِيَتي:

"هَيْهاتْ يا بو الزّلُفْ

عَيْني يا مُولَيَّا

بَغْداد هِيِّي الْقَلِبْ

وْلُبنانْ عينَيَّا.."

   وأعتقد أنها المرة الأولى التي يدخل بها شاعر موّالاً زجلياً في قصيدة مربدية فصيحة.

كشاعر ومفكر مغترب، بما تصف أدب المهجر ولم يقول البعض انه أدب بعيد عن فهم مشاكل الوطن؟

ـ أدب المهجر أدب صادق، لم ترعبه سياط رجال المخابرات، ولم تتلاعب به أموال الحكام، إنه صافٍ كدمعة أم، ومن يقول عنه أنه بعيد عن مشاكل الوطن، أتهمه حالاً بعدم القراءةً، فهل كان أدب جبران خليل جبران بعيداً عن هموم الوطن، بالطبع لا، وغيره وغيره الكثير. ومن يقرأ كتبي يجد أن هموم الوطن العربي ككل تدمي كل كلمة نزفتها في غربتي، خذي مثلاً قصيدة (لعنة الله علينا) التي قيل عنها: الويل لمن تصيبه لعنة شربل بعيني. وقصيدة يا طفل الأرض المحتلة التي أقول فيها:

إضرب، إضربهم، إضربنا

فالكل بحقّك قد أجرم

وغيرها المئات، فكيف يكون أدبنا بعيداً عن همومكم، ونحن نعيش معكم لحظة بلحظة، فإذا ضحكتم ضحكنا، وإذا بكيتم بكينا، وإذا ثرتم ثرنا.. أنتم ونحن واحد، شئنا أم أبينا.

 

ما هو الثمن الذي تدفعونه انتم المغتربون لكي تساهموا في إنجاح مسيرة أوطانكم و إثبات جدارتكم في بلدان غريبة؟

ـ الثمن واضح، هو أن الكثيرين من أدباء المهجر غير مرحب بهم في أوطانهم بسبب الثورة التي ينادون بها، فأثناء الحرب اللبنانية اللعينة، قلت عن شعبي "شعب حمار" لأنه شارك بحرق لبنان، فوصفت مجلة "النهار العربي والدولي" القصيدة يومذاك بالشعر الصادق، وإليكم بعضها، وهي بالعامية اللبنانية:

وكانوا يقولوا إنّو بلادي

قطعة سما

ألله لولا وفا جدودي

ما تقاسما

وضلّوا يغنّوا روابيها

تا صارت حلم

وبالآخر شكوا فيها

رايات الدم

والناس الماتوا صاروا

حكايات كبار

يحكيها الجار لجارو

عن شعب حمار

يرضي يحرق ديارو

بقلب غضبان

ورضي يفوّت مسمارو

بقفا لبنان

   أما عن إثبات جدارتنا في بلدان غريبة، فحدّثي ولا حرج، فلقد أهديناها الرؤساء والوزراء والنواب ورجال الأعمال والمخترعين والأدباء وغيرهم، ولم نكن يوماً عالة عليها، بل اصبحنا وبوقت قصير أحد أهم أسباب نهضتها.

 

حدثنا عن جائزة شربل بعيني و ما هي الفئات التي يمكنها أن تفوز بهذه الجائزة؟

ـ جائزة شربل بعيني، كما ذكرت سابقاً، أوجدها الدكتور عصام حداد في لبنان، ومن ثم بدأنا بتوزيعها في أستراليا والعالم على فعاليات خدمت مجتمعها فكرياً واجتماعياً وإنسانياً. ولكي تفوز بالجائزة عليك أن تثبت أنك إنسان بكل ما للكلمة من معنى، فتصوري، أخت بشرى، أن تُعطى الجائزة لأديب ينادي بالمحبة وهو مخبر سري للطاغوت الجاسم على رقابنا.

هناك لجنة لمنح الجائزة يشرف عليها في لبنان الدكتور عصام حداد، وفي أستراليا الدكتور علي بزّي، ومن تجد فيه اللجنة الكفاءات المطلوبة يحصل على الجائزة في الحقل المختص به، كالشعر، والنثر، والطب، والخدمات الاجتماعية، وغيرها.

ماذا عن المسرح اهو هواية أم رغبة في تجسيد ألم المجتمعات أم ماذا بالضبط؟

ـ أوجدت المسرح الطفولي في أستراليا بغية تعليم أطفالنا المغتربين كيفية النطق باللغة العربية دون خوف أو تلعثم، إذ أن معظم أطفالنا يهابون النطق بلغتهم الأم فجاء المسرح ليقضي على هذا الخوف، وبعد عرض أكثر من 14 مسرحية غنائية فكاهية اجتماعية، تمكنّت من إيجاد ممثلين ومغنين، أشهرهم الفنانة المهجرية ريما الياس، التي غنت في مسرحياتي أكثر من عشرين أغنية بإمكانكم الاستماع إليها إلكترونياً.

صحيح أن مسرحي كان هواية، ولكنه أثبت وجوده بعد أن جسّد آلام المغتربين وتوقهم الحار للرجوع الى أوطان لا تعرف كيف تسترجعهم، أو تتمكن من إيقاف سيل رحيلهم بسبب الحروب المتكررة، والسياسات العقيمة. مسرحياتي عالجت مواضيع كثيرة حساسة أجبرت الفنان الكبير دريد لحام على القول حين شاهد مسرحية ضيعة الأشباح: جميع وزارات الثقافة والتربية والتعليم في الدول العربية لا يمكن ان تأتي بمثلها.

كشاعر ومفكر يحمل هموم الوطن العربي، فتحت أيضا مجال الإعلام أمام إبداعات الشباب، فأنت تنشر مقالتهم وتساهم في انتشارهم حدثنا أكثر عن هذا التوجه

ـ مثلما فُتحت لي مجالات كثيرة لنشر أدبي، قررت أن أساهم أيضاً بنشر أدب الآخرين، وخاصة الشباب منهم، دون أن ألجأ إلى مقص الرقيب، فالرقابة في مجلة (الغربة) غير موجودة إطلاقاً إلا في حالة واحدة ألا وهي الإساءة المتعمدة إلى الآخرين، بغية التجريح الشخصي وليس النقد البناء، فالقانون الأسترالي لن يرحمنا إذا تغافلنا عن هذه الناحية. ثم ما نفع الوسيلة الاعلامية إذا كانت تنشر ما يتلاقى وسياستها، وترفض الرأي الذي يعارضها.

ماذا يمكن أن تخبرنا عن حالة المثقف العربي الشاب وكيف يمكننا أن نرقى بالذوق العام بنظرك؟

ـ المثقف العربي بحاجة ماسة إلى القراءة، هو يكتب ولكنه نادراً ما يقرأ، وهذا ما لمسته من خلال احتكاكي الدائم بهم عبر مجلتي، فالكثيرون منهم يدخلون الموقع من أجل مشاهدة صورتهم المنشورة ضمن المقال، والاطمئنان إلى أن مقالهم قد نشر، ومن ثم يخرجون ليفتّشوا عن مقالهم في مواقع أخرى، دون الاطلاع على ما ينشر في الموقع، وأعتقد أن معظم أصحاب المواقع يعرفون ذلك، وهذا ما يحد من سعة تفكيرهم، وصحة استنتاجهم، وصقل مواهبهم.

وأيضاً هو بحاجة إلى تحسين لغته العربية أولاً، قبل أن يمطر الوسائل الإعلامية بمقالاته الكثيرة جداً جداً، فلقد وجدت أن العديد منهم لا يعلمون أن الفاعل يرفع، والمفعول به ينصب، وأن أحرف النصب تنصب المبتدأ وترفع الخبر، إلى ما هنالك من قواعد لغوية مختلفة، يجب أن يدركها الكاتب وإلا جاءت كتاباته ركيكة، مهما حملت من معانٍ سامية، إذ أن اللغة السليمة هي الوجه الجميل لكل كلمة يكتبها، وبهذا نكون قد ارتقينا بالذوق العام، من خلال الارتقاء بالكلمة.

قلت انك توقفت عن إجراء لقاءات صحفية فلماذا هذا الابتعاد عن أسئلة الصحافة لمدة من الزمن؟

 

ـ لم أتوقّف فقط عن إجراء اللقاءات الصحفية، بل توقفت أيضاً عن الكتابة، فلقد كنت بحاجة إلى استراحة طويلة استجمع بها قواي الفكرية، فالأديب كالأرض يجب أن تستريح قبل أن نحرثها ونحضّرها للموسم القادم.

    بالماضي أجريت معي لقاءات كثيرة وجدتها تتلاقى من ناحية الأسئلة والأجوبة، فقررت أن أبتعد عنها بعض الشيء كي لا يشمئز القارىء أو المستمع من إجاباتي المتكررة وكأنني ببغاء أدبي ليس إلا.

وكما تذكرين يا أخت بشرى فلقد طلبت منك أن تقرئي كتبي قبل أن تحاوريني، مخافة أن لا تتكرر الأسئلة والأجوبة ونقع في التكرار. وأعتقد أنك نجحت في الامتحان، فقلت لك: أنت رائعة يا بشرى، وأسئلتك أروع. وها أنا أجيبك عليها بكل فخر.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

ـ لقد بدأت منذ عدة أشهر بإعادة نشر مؤلفاتي الأدبية بطريقة حديثة وجميلة، وتجميع ما تبقى من مقالاتي المنشورة هنا وهناك في كتب، لأن العمر قد اقترب من خريفه ولا بد من الرحيل ساعة يشاء الخالق، وأخشى أن يضيع أي عمل قمت به، إذ أن كل أعمالي غالية على قلبي، وهذا ما يتطلب الكثير من الجهد والوقت.

نشكرك استاذ شربل على تلبيتك دعوتنا و نتمنى لك المزيد من التوفيق

ـ ألف شكر لك أخت بشرى وألف شكر لمجلة مديات والقائمين عليها، وألف تحية لشعب العراق البطل.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق