عام 1993 اتصلتْ بي من دمشق الشام ابنةُ شاعرِنا الخالد محمد مهدي الجواهري، لتخبرَني أن والدَها يريدُ التحدّثَ معي، وما هي إلا ثوانٍ حتى غمرَ صوتُهُ أذنيَّ وما زال يغمُرُها حتى الآن، وبعد أيام وصلتني منه رسالةٌ تحتوي على قصيدته الرائعة بعنوان "يا حماةَ الفكر"، كي تلقى نيابةً عنه في حفل توزيع جائزة جبران. وإليكمُ مطلعُها:
خطرٌ ان يُصبِحَ المرءُ بَصيرا
خطرٌ ان يُصبِحَ المرءُ بَصيرا
يَملكُ الدنيا وينسلُّ حَسيرا
واجماً والروضُ من صُنْعتهِ
واجماً والروضُ من صُنْعتهِ
وظَميئاً وَهْوَ ينسابُ غزيرا
يا حماةَ الفكر في غربتِهِ
يا حماةَ الفكر في غربتِهِ
طِبْتُمُ داراً وبوركتم عشيرا
وأعتقد أن كلامَهُ هذا موجهٌ لكم أيضاً، بعد أكثر من عشرين سنة، لأنكم حماةُ فكرهِ، فإلى روحه الطاهرة أهدي هذه القصيدة:
وأعتقد أن كلامَهُ هذا موجهٌ لكم أيضاً، بعد أكثر من عشرين سنة، لأنكم حماةُ فكرهِ، فإلى روحه الطاهرة أهدي هذه القصيدة:
جِئْناكِ يا بَغْدادُ فَانْتَصِبي
كُرْمَى لِشَعْبٍ طَيِّبٍ وأبِيْ
يَكفيهِ منْ وَيلاتِه زمنٌ
إنْ قُلتُهُ يَجْتاحُني غَضَبي
جِئْناكِ بعدَ الضَّيْمِ منْ سَفَرٍ
كيْ نَغْرُسَ الأشعارَ بِالكتُبِ
ألْجَوهَرُ الخلاّبُ يحمِلُهُ
إسْمٌ تباهى العمرَ بالنّسَبِ
لا لَمْ يَمُتْ ما زالَ يَصْحَبُنا
مثلَ اصٍطِحابِ الْماءِ للسُّحُبِ
أخْشى فلولَ الغَدْرِ تحْجُبُهُ
هَلْ يُحْجَبُ الإبْداعُ؟! واعَجَبي
سَمِعْتُ صَوتاً خِلْتُهُ نَغَماً
فقلتُ: يا شَآمُ إنْطَربي
هذا أبي، من يَوْمِ ما سَمِعَتْ
أُذْنُ الليالي صَرْخَةَ الشُّهُبِ
"مَهْدِيْ"، وكان الربُّ يَحْفَظُهُ
رغْمَ الأذى مِنْ مُخْبِرٍ وَغَبي
يا أمَّةً يَقْتادُها وَثَنٌ
مِنْ رَحْمَةِ الديَّانِ إِقْتَرِبي
ما مِنْ شُعُوبٍ لَمْ تَذُقْ ألَماً
لكنَّها قامَتْ من اللّهَبِ
تاريخُها.. أَمْجادُهُ أدَبٌ
إلاّكَ يا تاريخَنا العرَبِي
شعبي.. وهل شعبي سوى غَنَمٍ
للذَّبْحِ باسْمِ اللـهِ.. مُرْتَعِبِ
إنْ أشْرَقَتْ شَمْسٌ على وَطَني
يَغتالُها الحُكّامُ بالكَذِبِ
لَوْ كانَ عِنْدي رِبْعُ مَقْدَرَةٍ
أَلْهَبْتُهُمْ بالنّارِ والْحَطَبِ
أنتَ العظيمُ يا "محمّدُ" هَلْ
أدُّق دقّاتٍ على الخشَبِ؟
لا لنْ أقيسَ قامَةً أَسَرَتْ
قلبي، وناختْ عندها قِبَبي
كنتَ البعيدَ عَنْ دِيارِكَ هلْ
تدري بأنّي حاملٌ تَعَبي؟
أنَّى اتجهتُ غربتي وجعٌ
يا حَبّذا لو جئتَ مُغْتَرَبي
ألْقابُنا.. يا ليتَها شُطبتْ
فالشعرُ ضاعَ اليومَ باللقبِ
أنتَ "الجواهِريُّ".. أنتَ هُنا
أغلى مِنَ الإلماسِ والذّهبِ
شربل بعيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق