إيمان إمي صنع أعجوبة

اليوم في الثاني من ايلول يصادف عيد ميلاد امي المرحومة بترونله بعيني، فاسمحوا لي اذن ان أنشر هذه القصة الحقيقية كمعايدة لها في ملكوتها السماوي حيث يوجد الكاهن رود براي ايضا:

إذا كنتم لا تؤمنون بالعجائب أرجوكم أن لا تكملوا القراءة، فلقد كنت مثلكم إلى أن حدث ما حدث.
ذات يوم زارنا الكاهن "رود براي" خادم كنيسة "سانت مارغريت ماري" في منطقة ماريلاندز، جرياً على عادته في تفقّد الرعية، فاستقبلته أمي بالترحاب، ومدت أمامه وليمة صغيرة مؤلفة من أطايب ما طبخت في ذلك اليوم.
وكان بين الفينة والفينة يمسح سائلاً لزجاً يسيل على جبينه، لدرجة لم يعد قادراً على ايقافه، فسألته والدتي بالعربية، وأنا أترجم له ولها:
ـ ما بك يا أبانا؟ أرى درنة كبيرة في جبينك؟
ـ انه سرطان جلدي خبيث، وسأجري عملية استئصال له بعد أسبوع.
ـ أتسمح لي بأن أمسح الدرنة بزيت مقدّس وصلني منذ يومين؟
ـ ومن أين جاءك الزيت؟
ـ من لبنان، من كنيسة مار رومانوس ـ حدشيت.
ـ لا مانع عندي البتة.
هنا، لم أعد أتمالك أعصابي، فصحت بها:
ـ لا يا أمي لا.. قد يؤذيه الزيت.
فأجابت وهي تغطّس القطنة بالزيت:
ـ مار رومانوس لا يؤذي أحداً.
فما كان من الخوري "براي" إلا أن نهرني قائلاً:
ـ شربل.. شربل.. خلّ إيمانك قوياً بربك. لو كنت تعرف قصتي مع العجائب لما فتحت فمك.
ـ ولكن الزيت قد يسبب لك التهاباً أو ما شابه.
ـ ألم أقل لك خلّ ايمانك قوياً بربك، فلماذا تحرمني من نعمة أرادت والدتك أن تهبها لي؟.. ماذا كنت ستفعل لو علمت أنني كنت مقعداً في بداية مشواري مع الحياة، وأن أبي وأمي باعا كل شيء يملكانه من أجل دفع تكاليف رحلة جوية من سيدني الى سيدة "لورد" في فرنسا، هناك حملني والدي ورماني في المياه المقدسة، فخرجت منها معافى، ولكنني لم أعد معهما الى البيت، بل قررت أن أخدم رب السماء والأرض، وأن أصبح كاهناً، وها أنا أمامك بصحة تامة. فاخرس اذن، ودع والدتك تكمل ما بدأت به.
وبعد أن رسم إشارة الصليب، انحنى أمام الزيت المقدس، وهو يتمتم بصلاة لم أفهم منها شيئاً، وبعد الانتهاء، ركع على ركبتيه، وأغمض عينيه، وقال: أنا جاهز يا بترونلة.
فمسحت أمي جبينه، وهي تردد صلاة لم أفهمها أيضاً، وكأنني أعيش في دوّامة من الحيرة والقلق والخوف.
انتهت عملية مسح الزيت، فوقف منحنياً، ولكن هذه المرة قبالة أمي، وقبّل يدها وقال:
ـ أنا واثق من أن الله سيشفيني على يدك أيتها السيدة المؤمنة.
أثناء النوم، أحس الخوري "براي" أن حرقاً قوياً يجتاح جبينه، فنهض من فراشه وتطلع في المرآة، فلم يجد تلك الدرنة السرطانية، فما كان منه إلا ان اخبر الناس في قداسه الصباحي عن أعجوبة حصلت معه في الليل، وأنه سيلغي موعد العملية الجراحية، لأن الله هو الطبيب الأعظم. ولكنه لم يخبرهم عن اسم السيدة التي مسحت جبينه كي لا يعرّضها لمضايقاتهم واسئلتهم الكثيرة.
ولكي تطمئن أمي أكثر على صحته، طلبت مني في اليوم التالي أن أذهب الى مكان سكنه واصطحبه ليتناول طعام الغداء معنا.
قرعت جرس البيت، فلم يفتح لي أحد، تطلعت نحو الكنيسة فوجدت بابها شبه مغلق، فعرفت أنه في الداخل، وقد تتعجبون اذا قلت أن المفاجأة عقدت لساني، وأجبرتني على الخروج من الكنيسة على رؤوس أصابعي كي لا ينتبه لي. فلقد وجدته مصلوباً على الارض تحت الصليب المرفوع فوق المذبح، وهو غارق بصمت قاتل، لولا تنفسه البطيء.
بعد ربع ساعة من الانتظار، خرج الكاهن القديس ـ هكذا صحت يوم مر جثمانه من أمامي بعد سنوات من وفاة والدتي ـ ليتفاجأ بوجودي، فقلت له:
ـ أمي بانتظارك على الغداء، تريد أن تطمئن عليك.
فأمسك بأحد أصابعي وقال:
ـ هات إصبعك يا شربل، لتصدق أن ايمان امك قد صنع أعجوبة.
الشيء الوحيد الذي أطلبه من والدتي الآن، هو أن تقوّي إيماني بالله تعالى، فلو كنت قويّ الايمان وقتذاك لما حاولت منعها من مسح جبين الخوري "براي"، وإتمام تلك الأعجوبة المقدسة التي حدثت على يدها الطاهرة، وشاءني ربي أن أكون الشاهد عليها.
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق