نجمة حبيب في قصتها "امومة اخجلتنا" تصفع أمتها العربية دون رحمة

  
نادراَ ما يضحك لي القدر، ولكنه فعلها الأسبوع الماضي حين حمل لي ساعي البريد ثلاثة كتب للدكتورة نجمة خليل حبيب:
1ـ رؤى النفي والعودة في الرواية العربية الفلسطينية.
2ـ .. والأبناء يضرسون.
3ـ ربيع لم يزهر
   ولشدة فرحي بها لم أعد أعرف من أين أبدأ. وعن أي موضوع أكتب، فكل ما في الكتب رائع، ومصقول بعناية فائقة، إن كان في الأبحاث الأكاديمية أم في السرد القصصي.. الى أن أوصلني حظّي الى قصة محزنة جداً، قرأتها عدة مرات، عنوانها: "أمومة أخجلتنا".
   نجمة حبيب في قصتها هذه تصفع أمتها العربية دون رحمة بأفعال جعلتها تتراكض أمامنا كعقارب سامة: ماتت.. انتحرت.. كفرت.. يئست. هذا ما حصل لـ"صفية" الأم المسكينة التي خطفوا ابنها الوحيد "علي".. "وكلنا يعرف أن صفيّة ترملت وعلي دون الثانية من العمر"، ورفضت، رغم صغر سنها، أن تتزوّج ثانية، بل أرادت أن تهب عمرها لفلذة كبدها.
   وفجأة خطفوا "علي"، من خطفه، لا أحد يعلم، "خطفوه وكفى.. ذهب ولم يعد"، انشقت الأرض وابتلعته، لينشق معها قلب أمه صفية الى نصفين، نصف يستصرخ "ضمائر البطرك والمفتي والامام وشيخ العقل" والنصف الآخر يزور " كهوف العرافين والمنجمين".
   ولكي تغرقنا نجمة أكثر فأكثر بمستنقع ألم "صفية"، أخبرتنا أنها "كانت على استعداد أن تبيع لحمها ودمها كي يعود علي".. ولكن دون جدوى. و"يوم إثر يوم تغور صفية في عزلتها، تهزل حنى تكاد تمسي نصف ما عهدناها، وتساءلنا، ترى ماذا يدور بعقل صفية؟".
   صفية، عند نجمة حبيب، هي صورة مصغرة لملايين الأمهات اللواتي خسرنَ أبناءهن، لأسباب لا حصر لها، معظمها مخجل ومقرف، في شرق لا هم له سوى سلب الأطفال من أحضان الأمهات.
لماذا خطفوا علي؟
ما جريمته؟
هل لأنه ينتمي الى بلد معين.. أم الى طائفة معينة؟
   فالخطف ما كان ليتم إلا لأسباب طائفية: قف، من أنت، الى أي طائفة تنتمي؟ هذا ما كان يدور على الحواجز أثناء الحرب اللبنانية اللعينة، وأعتقد أن نجمة عاشت الكثير من أهوالها، ومن يدري فقد تكون هي "صفية" أو إحدى قريباتها.
   ورغم هجرة نجمة حبيب من فلسطين الى لبنان الى أستراليا، ورغم مرور عشرات السنين على خطف "علي بن صفية"، نجد أن القصة تتكرر اليوم بشكل أكثر دموية، وأشد فتكاً.
   صفية لم تكن طائفية المشرب، كونها زارت البطرك، "وأضاءت الشموع في كل المزارات" المسيحية منها والاسلامية، إنها امرأة عربية منفتحة، تخطت بحسّها الإنثوي، جميع الحواجز الذكورية المفبركة، التي ما زالت تعاني منها أمتنا العربية.
   ولأنها خسرت الأمل برجوع ابنها، الذي هو "العقل" لأمتها العربية، قررت الخروج من لعبة التجاذب الطائفي والعقائدي والسياسي، والخلود الى الراحة. أجل لقد انتحرت صفية.. "ماتت.. كفرت.. استشهدت.. لم يعد يهم".
   أمومة صفية لم تخجلني أبداً، لا بل جعلتني أصفّق لها كبطلة، والدموع تنهمر من عينيّ، كونها، ساعة انتحارها، قد نحرتنا جميعاً. 
   نجمة خليل حبيب وهي تكتب، تتقمّص شخصيات أبطال قصصها، لدرجة تجعلك معها ضائعاً بين الحقيقة والخيال، لتتمكن، بأسلوبها الأخّاذ، من الاستيلاء على جميع احاسيسك. 
شربل بعيني

هناك 3 تعليقات:

  1. شكراً استاذ شربل على هذه الإضاءة. لقد أخجلت تواضعي، بل بالحقيقة دفعتني لقراءة القصة كناقدة واحس تجاهها احاسيس يوم مخاضها الجميل الذي نادراً ما يعودمرتين إلى كاتب/كاتبة
    Thank you Charbel Baini

    ردحذف
  2. مخول مخول4:51 ص

    نجمه خليل....النجمه الساطعه في فضاء كثر وهج كواكبه...وأصبحت ترى بالعين المجرده....اما نجمه خليل فضوءها ناصع ونقاء نورها الساطع يدلنا على الاماكن التي ولد فيها الالم... وبآلامها أضحت كما ذويها من قبلها شعار شجاعه ورمز حريه وامل لغد افضل جرب الماضي على جلده وانكوى بنار الغربه والتشريد من فلسطين إلى لبنان والى استراليا وثكلت الحب بخطف احب الناس وسيدعم حيث لم تشفع له كل الشفاعات حيث كان الحقد والظلم يعيشان معا وما أشبه اليوم بالغد لمجتمعات ابعدت نجمه حبيب عنها قهرا وما كانت تحب أن تبتعد ... لكن مقايسها للإنسان تختلف عن مقاييس الدين والطائفه والمذهب أو الحزب كمقايس ومعايير مجتمع المنتحرين....اراها ضمير امه نامت ضماءرها وصوت صارخ في البريه تروي قصص عاشتها واحداث انكوت بنارها محذره غير المتعضين أن افيقوا من غيبوبتكم وعودوا الى انسانيتكم.

    ردحذف
  3. سلام أيها العزيز مخول، ابن العمة الرمز ام ميلاد مثلنا الأعلى بالكرامة والوطنية وعزة النفس
    كم اتمنى أن أزوركم وأتعرف عليكم عن قرب
    أشكرك على عاطفتك النبيلة ومشاعرك الرقيقة التي أخجلت تواضعي.

    ردحذف