جبران.. ما لك صامت؟/ شربل بعيني

بعد أسابيع معدودة ستوزع رابطة احياء التراث العربي جائزة جبران على مستحقيها، ولهذا قررت إعادة نشر القصيدة التي ألقيتها يوم نيلي الجائزة في الاحتفال الاول الذي أقامته الرابطة لتسليم الجائزة عام 1987، إثر عودتي من مهرجان المربد الشعري في العراق، وقد فاز أيضاً بجائزة جبران الأولى يومذاك كل من: الدكتورة سمر العطار، الأديب نعمان حرب، والاديبة انجال عون

ـ1ـ
جُبْرانُ.. يا جُبْرانُ ما بكَ صامِتٌ
وَالثَّرْثَراتُ تُخَدِّرُ الأَسْماعا
وَالأَرْضُ يَذْبَحُها الْفُجورُ، كَأنَّهُ
بِدَمِ البَراءَةِ يُسْكِرُ الأَتْباعا
لَمْ يَبْقَ فينا سَيِّدٌ في رِزْقِهِ
فَلاَّحُنا هَجَرَ الْكُرومَ.. وَباعا
والْحَرْفُ وَسَّخَهُ الرُّعاعُ .. فَلَنْ تَرَى
حَرْفاً كَحَرْفِكَ مُشْرِقاً لَمَّاعا
ـ2ـ
جُبْرانُ.. إِنْ لَـمْ تُعْطِنِي مِنْ وَهْجِهِ
وَهْجاً، فَلَنْ تَعْتادَني الأَنْوارُ
هَذَا السَّفِيرُ الْحاضِنُ الشَّعْبَ، انْتَبِهْ
إِنَّ اللَّطِيفَ بِلُطْفِهِ فَوَّارُ
فَانْظُرْ إِلَيَهِ جالِساً فِي سُؤْدَدٍ
كُلُّ الْمَمالِكِ قُرْبَهُ تَنْهارُ
هُوَ فَخْرُنا وَحَبيبُنا وَسَفيرُنا
إِنْ أَشْرَقَتْ يَدُهُ اسْتَفاقَ نَهارُ
ـ3ـ
عَطَّارُنا.. سَمَرُ الْكِتابَةِ وَحْدها
تَخْتالُ إِنْ قَرَأَ الْخُلُودُ كِتابَا
فَهيَ الأُخَيَّةُ، لَوْ حُرِمْتُ أُخَيَّةً
وَهيَ الأُمُومَةُ تَسْكُبُ الأَطْيابَا
وَهيَ الأَبِيَّةُ إِنْ تَطاوَلَتِ الأَنا
وَهيَ الشَّرِيفَةُ تَسْحرُ الأَلْبابَا
وَالْفِكْرُ، بَعْدَكَ، مُتْعَبٌ فِي سَيْرِهِ
لَوْ لَـمْ يُعَبِّىءْ حِبْرُها الآدابَا
ـ4ـ
نُعْمانُ حَرْبُ الْحاتَمِيُّ مَحَبَّةً
وَتَأَلُّقاً وَتَوَدُّداً وَنِضَالا
قَدْ رَاحَ يَجْمَعُ مِنْ حُقُولِ حُروفِنا
قَمْحاً يُلَقِّحُ فِي الْعُقُولِ غِلالا
نَامَتْ سُوَيْداءُ الْعُيُونِ عَلَى غَدٍ
أَنْوارُهُ حَمَلَتْ لَنا "أُنْجالا"
تِلْكَ الأَديبَةُ فِي مَهاجِرِنا، إِذَا
قَالَتْ.. قُلُوبٌ تَنْشُرُ الأَقْوالا
ـ5ـ
أَلشِّعْرُ.. ما لَمْ تَحْتَضِنْهُ رَوابِطٌ
أَضْحى لِكافورِ الزَّعامَةِ كاتِبا
وَتَبَلْبَلَتْ أَفْكارُهُ وَتَضارَبَتْ
وَتَسَلَّقوهُ مَآرِباً وَمَناصِبا
فَالشِّعْرُ، مُنْذُ البَدْءِ، ثَوْرَةُ أُمَّةٍ
جاءَتْ لِتُذْكِي في النُّفوسِ مَطالِبا
والشِّعْرُ، ما بالشِّعْرِ مِنْ مُتَخَلِّدٍ،
إلاَّ إذا قَتَلَ الطُّغاةُ.. مَواهِبَه.
ـ6ـ
لا.. لَسْتُ أَطْمَعُ بِالْجَوائِزِ، إِنَّها
عِنْدَ التَّنافُسِ فِتْنَةٌ وَغُرورُ
وَأَنا اعْتَنَقْتُكَ يَوْمَ أَوْرَقَ سُنْبُلي
وَتَعَتَّقَتْ في "أُورْفِليسَ" نُذورُ
ما كُلُّ هذا الطّيبِ مِنْ أَزْهارِنا
حَتَّى وَلا الأَنْوارُ وَالْبَخُّورُ
أَلدَّرْبُ دَرْبُكَ.. إِنْ تَفَحَّصتَ الْخُطى
كُنَّا عَلى خَطْوِ "النَّبِيِّ" نَسيرُ.
ـ7ـ
صَدِّقْ، أَيا جُبرانُ: مُطْلَقُ شَاعِرٍ
يَجْتَرُّهُ فَكُّ الْغَباءِ.. يَزولُ
إِنَّا بِأَرْضِ الْهَجْرِ نُلْهِبُ شِعْرَنا
لِتَموتَ في أَرْضِ الجُدودِ فُلولُ
.. وَلَقَدْ كَتَبْتُ قَصيدَةً عَنْ مَوْطِنٍ
سَيُزَغْرِدُ الأَحْبابُ حِينَ أَقولُ:
لُبْنانُ، في بَغْدادَ، شَيَّدَ مَسْكَناً
غَنَّاهُ دِجْلَةُ واصْطَفَتْهُ عُقولُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق