بوذا/ شربل بعيني

كما نشرت في العراقية
ـ1ـ
جميعُ الآلهة تعلم أن "فافي"
مجنونةُ تماثيل.
أخبرتُها عن تمثالٍ أملكه..
وبدون أيّ اهتمام تمتمت:
ـ ارسلْ لي صورته.
وصلتها الصورة.. 
صاحتْ:
ـ "يا إلهي! 
هذا بوذا الحبيب 
ارسلْه فوراً فوراُ فوراً"
هنا..
أركعتني الغيرة.
ـ2ـ
ندمتُ على ذكر التمثال،
وندمتُ أكثر على إرسال صورته..
ورحتُ أرندح، كالسكران، مثلاً 
قرأته في مفكرة جدّي:
"لسانك حصانك
إن صنته صانك.”
حاولتُ أن أسترضيها بتمثالٍ
فإذا بها تعشقه
أكثر منّي.
شزرته بعينين غاضبتين وصحتُ:
حتى أنتَ.. يا بوذا.
ـ3ـ
صراخُها يصمّ أذنيّ..
نداءاتها المتكررة ألهبتْ بريدي
هي لم تهتم بي وبرسائلي من قبل
تمثالُ بوذا هو الذي غيّرَها،
وهو 
الذي 
جنّني.
ـ4ـ
صراخُ "فافي" تحوّلَ الى تهديد.
والويل 
الويل 
لمن لا يأخذ تهديدَها
بجدية وحنكة:
ـ بوذا لي، 
فحذار حذار منذ اللحظة 
أن يمسّه سوءٌ.
حافظ عليه 
كما تحافظ على مقتنيات الغرباء
أعددتُ له مكاناً في مكتبة الآلهة 
والأوثان 
والدروع 
والنياشين".
وأنا أيضاً..
أعددتُ له صندوقاً 
من الورق المقوّى
كي لا ينكسرَ قلبُ "فافي".
ـ5ـ
تمثالُ بوذا
ما زال في مكتبي،
هيّأته للرحيل،
غسلته جيداً..
قبّلت يديه..
وطلبت منه أن ينقل اشتياقي إليها.
قطّب شفتيه،
ولم يتكلّم.
أعدتُه الى مكانه،
ورحتُ أرددُ كراهب حبيسٍ:
كم أنتَ محظوظ يا بوذا
وكم أنتَ تعيسٌ
يا شاعر.
ـ6ـ
فافي أجابتني،
أفحمتني،
دوّختني،
وبأقرب قلم مبْريٍّ.. طعنتني:
ـ سأتعلم ألا أكون تلقائيةً   
حين الحديث إليك، 
أقتلُ فِطرتي 
أترقّبُ الكلماتِ  
حين تترَى من مداد قلمي 
قبل أن تركضَ صوبَ عينيك 
أتربّصُ بأفكاري  
قبل أن تغادر عقلي 
إلى عقلك 
أستعيدُ الرياضياتِ 
وعلومَ الحساب 
والهندسة 
لأحسبَ حروفي بدقّة 
وأقيسَ زواياها وأضلاعَها 
وانحناءاتِ أقواسِها 
قبل وصولها إلى حاسوبك 
وأقرأ وقعَها في نفسك 
قبل أن تلجَ مقلتيك 
تلك ضريبةُ الحديث مع الشعراء! 
** 
الكلام مع الشعراء خَطِرٌ 
خطورةَ الوقوف 
فوق فوهة بركان نشط 
لهذا يقولُ الربُّ: 
لا تُجرّبْ شاعراً! 
مكتوبٌ.
**
في المرّة القادمة 
سأقولُ لكَ:  
ذاك بوذا 
أحدُ أوثان الآسيويين المجانين 
نصّبوه إلهًا 
وما أعلنَ عن نفسه إلا زاهدًا 
عبدوه، 
فيما كان يبحثُ- مثلهم- عن الله 
وضعوا أمامَه صحنًا 
يملأونه كلَّ يومٍ بالتمر والسكر 
وهم لا يدرون أنه صائمُ الدهر، 
حائرون 
ركضوا خلف حائرٍ 
يجرجرون ذيلَ ثوبِه الرثّ 
فنهض من جِلستِه الأبدية المنذورة 
مزّق الثوبَ 
ثم ركضَ معهم 
نحو الله. 
** 
ذاك المسكينُ الذي تغارُ منه 
لا يستحقُ إلا شفقةَ المُحبين 
والشعراء 
فلا تَغرْ منه 
وامنحْه منديلا أبيضَ 
ليجففَ السنواتِ 
التي تتساقطُ فوق جبينه 
في عُزلتِه. 
** 
طوبى للمجانين 
وطوبى للأوثان 
وطوبى للشعراء 
والويلُ، 
كلُّ الويلِ 
لأصدقاء الشعراء. 
القاهرة/ 2 فبراير 2013
ـ7ـ
الويل لي.. 
أنا.. أنا
"فافي" رمتني خارجَ الزمن
أجرّ أسمالَ شعري.
ألعنُ خيبتي وضياعي.
فبدلاَ من أن تضيئني في "أكتوبر" 2013
أرجعتني الى الوراء،
حبستني في ظلمة "فبراير" 2013
بعد أن ثوّرتها،
أغضبتها،
وأزعجت "بوذاها".
ما هَمّني..
طالما نلتُ اهتمامَ.. "فافي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق