القصة في ديوان "فافي" لشربل بعيني/ عقل ديب


مثقف لبناني يعيش في نيوزيلندا
  يقول الاستاذ شوقي مسلماني في كلمته عن ديوان "فافي" الذي وزّعه الشاعر شربل بعيني إلكترونياً:
أنا لا أجلس إلى الكومبيوتر، 
صديقي،
يا صانع الفرح، 
أكثر من ساعة، 
بسبب من الألم الرابض على ظهري، 
وعلى الرغم، 
ها أنا أجلس إلى الكومبيوتر، 
أقرأ "فافي" منذ ثلاث ساعات، 
ولا ألم ولا من يتألّمون. 
بركاتك يا فافي.
   وهذا يعني أن شعر شربل بعيني الجميل، المنساب كحلم، قد طيّر ألم شوقي مسلماني وأنساه تحذير الاطباء له بعدم الجلوس إلى الكومبيوتر أكثر من ساعة، مخافة تعرضه لنكسة صحية.
   وقد تتعجبّون إذا أخبرتكم ان ما حصل لشوقي قد حصل معي تماماً، لهذا رحت أقرأ "فافي" مرات ومرات لأعرف السبب، فوجدت أن شربل بعيني قد استعان بسرد قصصي شيّق في جميع قصائده، قادر على تكبيلك في مكانك بغية متابعته دون تأفف أو ألم، وإليكم بعض الشواهد على كلامي:
ستونَ سنة،
وأنا أرسمُ شكلَ أختي..
أمشّط شعرها..
أورّد خدّيها..
أكحّل عينيها..
ألبسها الفستانَ الذي يعجبني،
الحذاءَ الذي لم تنتعلْه سندريلا.
أردتُها أن تكونَ الأجمل
خَلقاً وخُلقاً
قلباً وعقلاً
حناناً وابتسامة
فإذا بي أقفُ أمام "فافي"..
   من قصيدة "أختي" الأولى في الديوان، نجد أن شربل قد نوّمك مغناطيسياً وأمرك بالجلوس صامتاً ومتابعة القراءة. 
  ستّون سنة وهو يفتّش عن "فافي" فكيف نتخلى نحن عنها بطرفة عين، إذن تابعوا القراءة، وتنعّموا بقصص جديدة:
قاسيةً كانت..
حين حملتْ حقائبها.. ورحلتْ
تاركةً وراءها حيوانات الكنغر
والكووالا والنعامات
والدجاج والطيور
تلعق جراحاً لن تندمل.
   من هي هذه الـ "فافي" المجنونة التي تترك كل هذه الحيوانات والطيور وترحل، ولكي نتعرّف إليها أكثر، يشدنا الفضولُ الى متابعة القراءة:
محامي الدفاع يفتّش عن ممسكٍ ضدها..
هديتُه إلى مواقعِها الإلكترونية الكثيرة،
فلشتْ أمامه مقالاتها،
أسمعته جميع أحاديثها المتلفزة،
وبعد عناء وسهر
سمعته يصيح: 
وجدتُها.. 
وجدتها!
   مشهد قصصي يحتاج الى مسرح وممثلين ومخرج وديكور وإضاءة، وهذا كله أوجده شربل في أعيننا، لذلك أجبرنا على متابعة القراءة:
ذات ليلة..
شهدتْ عليها قطعُ البيتزا الهرمية..
صرختُ في أذنيها، 
كشاعر لسعه جمالُ امرأةٍ على حين غفلة:
كم أنت جميلة يا "فافي"!
حملتْ نظارتها المرمية على الطاولة
ودون أن تلتفتَ إليّ،
أو تعيرَ تغزّلي اهتماماً،
أهدتها للأنف الشامخ،
وللعينين الغجريتين.
وأهدتني الخجل. 
مشهد قصصي آخر، يجعل منك الممثل والمخرج، ويحوّل مكتبك أو مكان جلوسك الى مسرح لا ينقصه سوى "فافي" ومطعم البيتزا والنظارة، وتصفيق المشاهدين.
وهل أجمل من قصيدة "طبيبتي النفسية" التي يسخر بها من طبيب نفسي عجز عن معالجته، بينما نجحت "فافي" ورمت ملفّ مرضه في سلة المهملات، بأسبوع واحد فقط، وراح يغني لها بلهجته اللبنانية غير عابىء، فهمت أم لم تفهم، كونها مصرية المنشأ واللهجة:
غادرتُ عيادته..
حفرتُ اسمي على بابها الخارجي.
رميتُ ملفي في سلّة القمامة.  
ورحتُ أرندح موالي اللبناني كبلبلٍ عاشق:
هيهات يا بو الزلف
عيني يا مولَيّا
"فافي" يا أحلى شمس
غلّي بعينيّا.
ولكي يشد انتباهنا أكثر، نراه يستعين بكلمات نطقت بها بطلة القصيدة، فيضاعف بذلك تنويمه المغناطيسي لنا:
اليوم،
أهدتني "فافي"
سطرين من الشعر،
أفنيت عمري لأحظى بمثلهما:
ـ "أنت غيمةٌ تُمطر شعراً
وأنا جِنيّة صغيرة
تطير بين الشجر".
اليوم،
أصبحت 
شاعراَ. 
أما الحبكة القصصية الموجعة فتألقت بقصيدتين هما: "المجنونة" و"المجنونة عادت"وفيهما يحكي لنا شربل عن خوفه على "فافي" حين غادرت منزلها ليلاً، لعيادة بعض الجرحى الذين استهدفهم ارهاب كافر، ولكي يزيدنا رهبة وخوفاُ على سلامتها، راح ينقل إلينا كلامها من مكان الحدث، كتقرير صحفي يدمي قلوب الناس أجمع:
الساعة الخامسة صباحاً..
دقّاتُ قلبي تتباطأ..
لم تعد بعد..
هل نامت؟
مستحيل..
هل أصابها مكروه؟
بالطبع لا.. 
محروسةٌ هي!
أين "فافي"؟
ـ المجنونة عادت..
الأبرياء على أسرّتهم يتأوهون
لكن بسمةً استقرّت على وجوههم
حين رأوني..
أحدهم ظلّ ممسكاً بيدي
يرفض أن يتركها..
وضعها فوق صدره
المُدثّر بالضمادات،
وأنابيب المحلول تخترق وريده.
اسمه راضي..
علمت بعد قليل من الطبيب
أن رصاصة اخترقت كليته،
ولتوّه خرج من العمليات،
كان يرمقني بين اليقظة والنوم بتأثير البنج
ويقول لي من وراء الأنبوب في فمه:
"بحبك أوي"
قلتُ له:
سامحنا لما فعل السفهاءُ منا
فقال لي:
"أنتي بتعتذري"؟!
أنتِ ملاك"
تصور..
لماذا يقتلُ إنسانٌ إنساناً؟
بل كيف؟
بل بأي حقٍّ؟
هل هو الله؟
الله واهبُ الحياة، وهو وحده نازعُها؟
متى نصبح بشرا 
قل لي؟
...
أبكاني راضي..
أبكتني "فافي"..
أبكتني مصر..
لم أعد قادراً على التنفّس،
أجيبوها أنتم".
ما من أحد يقدر على إجابتها يا أخي شربل في زمن حوّلوا فيه الدين الى قاتل، ورجاله الى شياطين.
   هذه شواهد قصصية قليلة، اخترتها من ديوان "فافي" لأثبت للجميع أن الشعر الجميل الراقي يزيل المرض أفضل من الأدوية والمسكنّات.
   شربل بعيني كان ذكياً جداً عندما اختار السرد القصصي، المطعّم بالطرافة، في جميع قصائده، ولهذا أنسانا الألم، ولهذا أدلينا بهذه الشهادة.
   كم كانت محظوظة فاطمة ناعوت حين تغزّل بها شربل بأسلوب فريد أخّاذ، وكم كان محظوظاً شربل بعيني حين سمحت له فاطمة أن يتغزّل دون أن يشوب قرارها تردد أو خوف، وكم كنا محظوظين نحن حين منحنا شربل وفاطمة كل هذا الجمال.. وهذه السعادة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق