جوزاف بو ملحم يسلّط الضوء على شربل بعيني الحائز على جائزة جبران العالمية 1987


أضواء على الحائزين على جائزة جبران الأدبية لعام 1987 من رابطة إحياء التراث العربي: شربل بعيني (الحلقة الرابعة)
   يوم باشرت صدى لبنان نشر "أضواء على الحائزين على جائزة جبران" كان قصدنا تعريف القراء على أدب الذين اسنحقّوا الجائزة من الرابطة، ومعرفة لماذا استحقّوها.
   وطالما أن الأديبة أنجال عون والأديب نعمان حرب شبه مغمورين لدى الأكثرية، قررنا أن ندعو الزاوية "أضواء"، أملاً بتسليط الضوء على ما عتم. ومن تراه يقوم بذلك أفضل من أعضاء الرابطة، خصوصاً من تسلّم الجائزة نيابة عن الحائزين الغائبين وهما الأستاذ فؤاد نمور، الذي تسلّم الجائزة نيابة عن أنجال عون، والزميل أكرم المغوّش الذي تسلمها نيابة عن نعمان حرب.
   وإذا كان الزميل كامل المر قد وجد المهمّة شاقّة بعض الشيء، كون الدكتورة سمر العطّار معروفة جداً في أوساط الجالية، من خلال كتاباتها ونشاطاتها، أراني اليوم محرجاً في مهمتي المستحيلة، وكيف لي أن أسلّط الضوء على من كل "البروجكتورات" عليه؟!.. 
   ثم إن أنا فعلت هكذا ألا أكون أردد ما سبق لغيري أن قاله، فأقع في الرتابة، وأستحق لعنة القراء ولكن..
   لقد وجدت الخلاص في ديوان شربل بعيني "أللـه ونقطة زيت"، الذي سيصدر حديثاً باللغة العاميّة، فتمسّكت باللـه خوفاً من الزحلقة على الزيت، وأرجو المعذرة إن أنا كتبت بالعاميّة فهي في الواقع لغة الديوان:
   أول ما نشر شربل بعيني قصيدة "ألله ونقطة زيت" بصدى لبنان زقّفنا وقلنا: "برافو" هيدا لون جديد عا شعرك، ويمكن يكون الأحلى، والأحب عند الناس. 
   وبعد تلات أربع قصايد ضرب شربل فرام..
ـ شو القصا؟
ـ خايف سيدنا "المطران عبده خليفة" يزعل مني، سيدنا بيعز عليي، وهلّق مش وقتا، ويمكن حدا غيرو من رجال الدين ياخد عا خاطرو كمان؟
   حاولنا نقنعو كتير قليل، بس شربل ضلّ عا عنادو، وما بدو وجعة راس.
   وبعد شي سني تقريبَنْ، طلّ.. الضحكي بتمو رطل..
ـ خلص الكتاب؟
ـ عالتقريب.. وسيّدنا رح يعملّو مقدّمي كمان. بقا شو رأيك؟
ـ يا شربل عم تسألني إذا الطرحا حلوي عالعروس؟ وأنا مش شايف غير الطرحا، كيف بدك ياني اعطي رأيي هيك والكتاب غايب؟
ـ عندي نسخا تصوير بالعربايي.. رح جبلك ياها، عا شرط ما بيشوفا حدا غيرك.
   وهيك صار.. وبلّشنا بكتاب "ألله ونقطة زيت".
آخد ألله حصّتو
   شربل بعيني بهالكتاب زكي كبير، آخد ألله حصّتو من أول سطر، وبلّش الخلع بالناس:
كتار بهالدنيي مجانين
بيدقّوا جراسُن عن كذب
   وأكتر من هيك، تحامى شربل بألله الخالق تا يطحبش ألله المخلوق. تحامى بألله اللي صانع ومفبرك الدنيي كلاّ، تا يكسّر ألله اللي صار عند الناس:
شخص مفبرك من جفصين
   وبطريقو شربل ما بينسى يمرق عالنسوان اللي بيطبقوا صدورن قدام عجيبي زغيري، وبينسوا إنو هالكون كلو شغل ألله. وبتحسّوا متل شي مسيح تاني فايت عالهيكل يقلب الكراسي، بعضا عا بعض، لما بيغضب عا رجال الدين:
تجارة.. تجارة صفّى الدين
بإيدين رجال ملاعين
شيوخ وكهنه وحاخامات
ع شفافن مطبوعه الـ "هات"
وبجيوبن خبّوا ملايين
...
برمت الدنيي بطول وعرض
تا أعرف ليش الكفّار
انقرضوا من شوارعنا قرض
وصفّوا بمعابدنا كتار
   ومن هالغضبي عا رجال الدين، بينتقل شربل للدين زاتو بها العالم اللي ما عاد يشرّف:
أديانو بتحارب بعضا
وبعدو بالجنه عم يحلم
صلا جديدي
   والظاهر إنو "الأبانا والسلام" الكانوا يعلمونا ياهن بالمدرسي و"حيّا على الفلاح"، صاروا صلوات عتيقا، وبطلت موضتن بهالعصر، خصوصَنْ عند شربل اللي استحسن ببالو يفبرك لحالو صلا جديدي، تعبرلو عن الأشياء اللي بدو ياها من ربّو. وصلا شربل فيها ردع بالقوّي، بعد ما فشل اسلوب الانرداع أو الارتداع الذاتي، ولهيك بيقول:
رسمني سيف بوجّ الظلم
وحمامه تبشّر بالسلم
فجّرني حبّ وإحساس
...
تا شتّي لهالناس غلال
وإجرف من قدّامُن بغض
...
زرعني نخله بأبعد صحرا
تا فيّي بساعات الحرّ
تا بورد قلب الـ بيمر 
وضايع بين الأمس وبكرا
يا ربي.. ساعدني جرّ
بكتافي الصلبان الحمرا
تا المستعبد ردّو حرّ
وبعّد عنّو مرّ الكاس
والمتعصّب خلّي يقرّ
إنّك واحد ما بتتجزّأ
بين طْوايف شغل الناس
شربل يسأل وعاقل يجاوب
   وهيك متل شي طفل برّي ساذج وبسيط، بيبلّش ضمير شربل يعزّبو.. بيركض لعند ألله، بيوقاف قبالو وبيصير يسألو بحربقا إزا رح يحسبلو "هفواتو" خطايا؟.. وإزا كمان رح يحسبن خطايا "هفوات" المرا اللي طلعت برّات الطريق، لأنّو رجّالا قمرجي، وولادا جوعانين، وما لقيت طريقا غير هيك تقدر تجبلن أكل تا ياكلوا.. وإزا.. وإزا..
   وشربل لما بيتساءل ما بيكون عم يشكّك بعدالة ألله، أو عم بيحزّر رجال الدين حزازير، أو يعمل عصابات.. وعالعكس من هيك، بيكون عم يسأل ويستفهم تا يفهم، أو تا يروّق قلق شاغلّو بالو وفكرو، أو تا يلفت انتباه، أو يمكن يلاقي أسباب تخفّف الجرم أو تلغيه بالمرّا انسجامَنْ مع قناعتو التامّي بعدالة ألله الكليي.
   شربل هون واقف وقفي واحدي عا حدود الكفر المطلق، أو الايمان المطلق، واللي بفكرن يحرتقو عا شربل رح يتهموه بالكفر، بس يللي بيعرفو جوهر وصدق نواياه أكيد رح يلاقوه لامس قمة الإيمان، وبلّش يسأل من جوّا من داخل البيت.
   وهيدا شي بيميّزو عن اللي بيزعزطو من بعيد، وبعتقد هالنقطا هيدي لازملا توضيح مفصّل من قبل أهل اللاهوت، ويمكن تكون سبب من الأسباب اللي خلّت رجل دين متل "سيدنا المطران خليفه" يلاقي إنو من الحكمي يقدّم هالكتاب.
سورا عالغلط
   بكتاب "ألله ونقطة زيت"، شربل بعيني سَوْرا عالغلط والغش والابتزاز، ما بيهم من وين بيجو. وهو بالوقت زاتو حملة توعيي تالناس تتمسك بالخير والمنيح وتبعد عن الباطل. واسلوبو الزكي صادق ومش دبلوماسي، بتشوفو عم يستشهد بكلمات من الانجيل تا يضرب الخوارني، وبكلمات من القرآن تا يضرب فيها المشايخ، وبمقاطع من التوراة تا يضرب فيها اليهود. 
   وهيك عا طريقة المبشرين اللي يمكن يجو يوم، بتشوف شربل وكأنو عم ينفض الغبار العالق بتصرفات بعض البشر، وعم يهز صوت الحقّ بوجّ بعض رجال الدين، اللي بيفسّرو الكتب عا مزاجُن، وعم بيقلّن: لأ، إنتو مغلّطين، وبعد ما يفلت عالخوارني اللي:
بيعلّقوا الصلبان عا صدورن
وبيكبّروا القياس
تا يستروا بصلبانُن شرورن
عن عيون الناس
   بتلاقيه بيستنجد بآية من "سورة النساء" تقول:
"إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا".
   وبينطلق شربل من هالآيي تا يحط لبعض رجال الدين المسلمين، متل ما بهالقصيدي:
محمد اللي كان صرخة حب
ونبوّتو إحساس
فسّروا كلامو "جهاد وحرب"
وجناس ضد جناس
شيوخ عندن للحقد والكذب
والتفرقة نبراس
حوّلوا القرآن "دستور حزب"
والوراق كياس
   وبعد ما بيستشهد بعدة عبارات لداود النبي، وميخا النبي، ومقاطع من التوراة، بتلاقيه بيفور دمو عا خرافة "الشعب المختار" الموعود بأرض فيها المن والجود:
وبعدو "الشعب" موعود
بأرض فيها المَنّ
فيها الكرَم والجود
وإيديْن تخلق فنّ
تعمّر سهل وجرود
تا ترجّع اليهود
   وهيك عند شربل بعيني، كل واحد بياخد حصّتو، المنيح جزاه مديح، والغلط سوْرا عارمي بقصد يتصحّح. وشربل بسَوْرتو الكبيري بيضل محافظ عا محبتو الكبيري، وبيبيّن متل شي خادم عم ينفض غبرة الأديان عن وجّ أللـه الحقيقي، تا يظهر الوجّ بلمعانو الأصفى، ويتعزّز الانسان اللي هو صورة ألله عا هالأرض.
   "ألله ونقطة زيت"، أرجحت بين خواطر المراهقين، وحكمة الشيوخ المتصوفين، باسلوب شعري سلس ومبسّط، مرات بتغلب فيه الصورا الشعريي، ومرات كتيري بتغلب الفكرة اللي عم تسأل: ليش هيك؟
   ودايمّنْ بتحسّها سايدي هاك الإسمها رياح التغيير الشامل.. التغيير الداخلي اللي بيجي بكل المحبّي وكل الغضب.
   وإزا كانت إشاعا بسيطا عن عجيبي زغيري جابت كتاب "ألله ونقطة زيت"، وينك يا زمن العجايب الكبار و"ألله وقلة زيت"؟.
شربل بعيني
   من مواليد مجدليا، قضاء زغرتا، نظم الشعر يافعاً، ونشره شاباً، وواظب على الكتابة والتأليف والنظم بالغاً.
   ديوانه الأول "مراهقة" صدر عام 1968 في لبنان، بعدها هاجر الى أستراليا وفي نفسه عطش الى الكتابة، وجوع الى الكلمة.
   أنشأ جريدة صوت الأرز، وأصدر منها بضعة أعداد، ثم تركها الى تجارة الأغاني، وبيع الشرائط، التي ما لبس أن ملّ منها، فانصرف الى التدريس في مدرسة الراهبات المارونيات.
   كثير العطاء، فما نشره بمفرده، فصيحاً وعامياً، يوازي كمّاً جميع ما نشر في أستراليا بلغة الضاد.
   سنة 1985، منحه قنصل لبنان العام في سيدني آنذاك الاستاذ جان ألفا جائزة الأرز الادبية. 
  عام 1986 نال جائزة تقدير الكلمة من الاديب الاستاذ سامي مظلوم في ملبورن. 
   عام 1987، شارك في مهرجان المربد الثامن في العراق، فقالوا عنه: مبارك هذا الـ شربل الذي هزّ ألفي شاعر بقصيدة "أرض العراق أتيتك".
   كرمه سعادة سفير لبنان الاستاذ لطيف أبو الحسن، ومنحته رابطة إحياء التراث العربي جائزة جبران خليل جبران لعام 1987 عن ديوانه القيّم "كيف أينعت السنابل؟".
   إلى جانب الشعر، يكتب المسرحيات ويخرجها لطلابه في مدرسة سيدة لبنان، ويهتم بتأليف الكتب المدرسية لهم.
   عن شعره يعد ألأديب نعمان حرب "سوريا" كتاباً، كما أن الناقد السوري الشهير محمد زهير الباشا، يعد دراسة نقدية عن هذا الشعر.
   أما في أستراليا، فشربل بعيني حديث الجالية "حاضر ناضر"، يشارك في الحفلات والأمسيات والندوات، ويكتب في الزميلة "النهار" قذائف ورد"، وفي صدى لبنان زاوية "ستوب"، كما تنقل له الزميلة صوت المغترب أشعاراً "من خزانة شربل بعيني"، وينشر له نسيبه الاستاذ كلارك بعيني سلسلة "شربل بعيني بأقلانهم"، التي صدر منها جزءان حتى الآن، وهناك ثلاثة أجزاء أخرى قيد الطبع. كما أن الأديب المهجري كامل المر انتهى من إعداد دراسة عنه.
أما مؤلفاته فهي:
ـ مراهقة، ثلاث طبعات، 68، 83، 1987، لبنان ـ سيدني.
ـ قصائد مبعثرة، الطبعة الأولى 1970، لبنان.
ـ مجانين، طبعتان، 76، 1986، سيدني.
ـ إلهي جديد عليكم، الطبعة الأولى 1982، سيدني.
ـ مشّي معي، الطبعة الأولى 1982، سيدني.
ـ رباعيّات، طبعتان 83، 1986، سيدني.
ـ قصائد ريفية، الطبعة الأولى 1983، سيدني.
ـ من كل ذقن شعرة، طبعتان 84، 1986، سيدني.
ـ من خزانة شربل بعيني، الطبعة الأولى 1985، سيدني.
ـ الغربة الطويلة، الطبعة الأولى 1985، سيدني.
ـ كيف أينعت السنابل؟، طبعتان 87، 1988، سيدني.
 ـ القراءة السهلة، مدرسي، طبعتان 81، 1985، سيدني.
ـ سامي وهدى، مدرسي، طبعتان 85، 1987، سيدني.
ـ قاموسي الصغير، مدرسي، الطبعة الأولى 1987، سيدني.
ـ القراءة الشاملة، جزءان، الطبعة ألأولى 1988، سيدني.
ـ ألله ونقطة زيت، الطبعة الأولى 1988، سيدني.

ملاحظة: يستبدل البعض حرفيْ "ذ" بـ "ز" و "ث" بـ "س" لأنهما لا يلفظان باللهجة اللبنانية، لذلك وجب الانتباه.
صدى لبنان، العدد 582، 9/2/1988
**

هناك 3 تعليقات:

  1. ماري يونان ـ كولون ـ ألمانيا10:57 ص

    هيدي تالت مره عم بقرا هالمقال.. ما كنت عارفه انو اللغة اللبنانية حلوه بالنثر هالقد.. جوزاف بو ملحم عندو اسلوب حلو كتير بالعاميه.. قلال اللي فيهن يكتبوا نثر بالعاميه اللبنانيه.. وقلال اللي بيقدروا يخلّوا القارىء يكفّي القرايه وما يهرب من رابع سطر.. الزجل غير النثر، والشعر اللبناني الحديث غير النثر.. النثر شي صعب كتير تا تكتبو وتنجح.. وجوزاف بو ملحم نجح وقدر يكون بمستوى شعر شربل بعيني.. إذا مش أحسن.. ما تزعل أستاذ شربل.. النثر العامي صعب كتير ولهالسبب نجح خيّنا جوزاف.
    الفيديو المرفق خلانا نفهم المقال أكتر وهيدي ضربة معلّم.. منشكركن عليها

    ردحذف
  2. جوزاف بو ملحم11:01 ص

    يا صديقي شربل
    صباح الخيرات
    لقد حضرت الأمسية بشغف وترحمت علي الذين رحلوا
    شكرًا جزيلا لك يا من تحفظ الادب المهجري من الضياع
    لي طلب بسيط لو تفضلت بتحقيقه وهو ان تجعل فرقا بين كلام شخصين يتحاوران اما بجعل احدهما بلون مغاير وهذا سهل وغير مكلف على الكومبيوتر او بكتابته بلون داكن
    سؤال: هذه المقالة أليست
    منشورة في كتب كلارك سابقا
    ان اختيارها هنا موفق جداً
    مرة ثانية شكرًا علي محبتك

    ردحذف
  3. محمود السيّد ـ الاسكندرية2:26 ص

    إزاي فهمت كلامك يا أخ جوزف؟ مش عارف. ولكني فهمتو.. أغنيات فيروز خلتني افهم اللهجة اللبنانية قوي. بس دي المرة الأولى اللي إقراها نثراً.. مقالك عن شاعرنا شربل بعيني كان أكثر من رائع ومش ممكن أبداً توقع بالرتابة يا سي بو ملحم.

    ردحذف