شوقي مسلماني وطرائف أهل قريته الجنوبية كونين

كما نشر في العراقية
رفاق غربتي الطويلة بإمكاني أن أعدهم على أصابعي، إذ ليس كل من تعرّفت عليه أو التقيته، أو تعاملت معه، أو كتب عني، أو كتبت عنه، يكون من رفاق دربي، ولهذا أجدهم أقل من رغبتي بهم. وبين هذه القلّة تشعّ ابتسامة أخي شوقي مسلماني.
وها هو شوقي يرمي بين يدي مخطوطة كتاب جديد يجمع به نوادر وطرائف أهل قريته الجنوبية "كونين"، ويطلب مني الاطلاع عليه وإبداء رأيي به، قبل أن يعانق الورق، ورغم محبتي الغامرة له، وجدت نفسي في موقف حرج، إذ كيف لي أن أقرأ كتاباً كاملاً في أيام قليلة، ومجلة "الغربة" مثقلة بعشرات المقالات يومياً التي من واجبي الاطلاع عليها قبل نشرها، وبالتالي، من غير المسموح بتاتاً أن أرفض طلب رفيق غربتي شوقي مسلماني.
لذا قررت، بيني وبين نفسي، أن أقرأ كل يوم طرفة واحدة فقط.. هذا كل ما بإمكاني أن افعله كي لا أرفض طلب من لم يرفض لي طلباً طوال ثلاثين سنة وأكثر من المعرفة. وما أن بدأت بالقراءة، حتى وقع ما لم يكن في الحسبان، إذ أنني نسيت "الغربة" وتجديد أخبار "الغربة" ورحت ألتهم نوادر الكتاب وطرائفه بشراهة بالغة، وضحكاتي الصاخبة تملأ المكان، ولسان حالي يردد: ألله عليك يا شوقي.. ماذا فعلت بي؟
ولتدركوا صحة ما أقول، سأطلعكم على القليل القليل من نوادر أهل "كونين" الرائعة، مثلاً: "كان هناك شخص من بنت جبيل، له شعر أشقر، يأتي إلى كونين ويشتري زبل غنم وبقر، ويأخذه محمّلاً على حمار. وبعد انقطاع استمرّ سنوات رأته يوماً، الحاجّة أمينة مهنّا حمّود "أم ناصيف" يرتدي بذلة عسكريّة، فقالت له مازحة: "مْن الدابّةْ للدبّابةْ"؟"
وأم ناصيف هذه امرأة عادية جداً أدخلها شوقي التاريخ دون معرفة منها. 
وإليكم هذه: "في سنة 1969 كنّا في الصفّ الرابع إبتدائي، وكانت في صفّنا مريم الشيخ علي، وكان حسن طعّان متزوّجاً من أختها سعاد، وكان يسكن فوقهم مقابل المسجد، وكان عندنا في كتاب القراءة استظهار عنوانه "هُناكَ" وفي الصورة راعي وغنم، وأوّل الغروب كان عدد من الشبّان واقفين تحت شجرة الزنزرخت بجانب الأساطل السود بالقرب من بيت شبلي ومن بينهم الأساتذة: عبّاس الدبق، سامي ديراني وعلي عبد الكريم مسلماني، وجاء حسن طعّان منهمكاً كأنّه يحمل "البلاغ رقم واحد" ويقول: "بكْتابْ مريم بنت عمّي مكتوب: "هُناكَ"!. وراح يروي، حيث طلب من مريم أن تعيد ما تقرأ وكلّه عجب من هذا اللفظ البذيء في كتاب للأطفال!."
صحيح أن كتاب "كونين.. لطائف وطرائف" يحتوي على بعض الكلمات "البذيئة" كما يحلو للبعض أن يسميها، ولكنها كلمات تجري على ألسنتنا كما تجري المياه في الينابيع والأنهر، ومن المستحيل، لا بل من الإجرام أن لا يذكرها شوقي في كتابه هذا.. هكذا قيلت وهكذا يجب أن تبقى.. وإلا سيصدر الكتاب مشوهاً وممقوتاً ومقرفاً.. وهذا ما لا يريده شوقي. 
ومن هذه الطرائف "البذيئة ـ الجميلة" اخترت: "خديجة الحاج حسين، كانت حمارتها مربوطة بحبل في الجبّانة مقابل بيتها، وكان هناك جحش مربوط أيضاً، ولكنّ حبله كان طويلاً، وأطول من اللازم، رأى الحمارة واقترب منها لكي يرعى بالقرب منها، ثمّ حاول أن يقفز عليها، ولأنّه جحش تعربس بالحبل ووقع، وحاول المرحوم رفيق عناني، الذي كلّه نخوة، وقد كان في الجوار، أن يساعد الجحش، وكانت خديجة الحاج حسين تراقب الوضع من مدخل بيتها، فخافت أن تحبل الحمارة إذا نهض الجحش، ولا يعود بإمكانها أن تحمل عليها صناديق الدخان الثقيلة، فصرخت قائلة له: "يا رفيق! بلا ما تْديرْ الحماره للجحش، درْ لهْ طيزك"!. 
بربكم قولوا: ماذا سيتبقى من القصة الفكاهية لو حذف شوقي كلمة "طيزك"؟ بالطبع لا شيء، ولهذا يجب أن تبقى، لأنها هي أساس الطرفة. وبالتالي، من منّا لم يقل هذه الكلمة مئات المرات في حياته؟ إنها موجودة في الجسم البشري وفي القاموس اللغوي وعلى ألسنة البشر كافة، فلا فض فوكِ يا خديجة الحاج حسين. 
ومن القصص التاريخية التي يسجلها الكتاب قصة الجد المرحوم أبي خليل الذي: " كان يعمل عتّالاً في سوق السمك في بيروت، وكانت جدّتي في الضيعة. وقرّر، ومعه الحاج محمّد جنيدي، أن يذهبا إلى "السوق العمومي" ـ "سوق الشراميط" وحدّدوا ساعة الصفر بعد المغرب عندما يحلّ الليل، حتى لا يراهما أحد من المعارف. وكان جدّي يلبس ثياباً بالية وسبّاطاً "بهدلة" ولا بنود له. ودخلوا السوق. وبدأ الشجار بينهما. جدّي يريد أن "يركب" مِن "تبع النصف ليرة" باعتبارها أصغر سنّاً، والحاج جنيدي يريد أن يذهب لعند "تبع الربع" أي الأكبر سنّاً وكلّ واحد منهما متنتر بضاعته أمامه. وبينما الشجار مستمرّ لم ينتبها أن وراءهما أحد الشرطة يحمل كرباجاً ويسمع كلّ شىء، فقال لهما: "بدلْ ما تدفعوا كلْ واحد نصف ليرة أو ربع ليرة للشراميط روحوا اشتروا ثياب وسبابيط"!. ورفع عليهما الكرباج، وتمكّنا من الهرب أخيراً. وكما تعلم، كانت هناك عادة عند أجدادنا عندما يتحمّمون، حيث تأتي الزوجة وتفرك ظهر زوجها وسط الإسطبل. ورأت جدّتي أثر الكرباج، فسألته عنه، فقال لها أنه من أثر العتالة والحبل!. ولكن بعد سنوات كثيرة اعترف بالواقعة وهو يضحك".
شوقي.. بجمعه لهذه النوادر كان جريئاً وصادقاً لأبعد حدّ، كونه يعيش في بلاد تخطت ثقافتها المحجوب من الكلام، وأصبح كل شيء عندها حلال، ولهذا شدني أسلوبه السلس المرح الى قراءة الكتاب عدة مرات.. وأتمنى أن يحذو البعض حذو شوقي مسلماني ويحفظوا نوادر وطرائف أهالي قراهم كما حفظها هو، فلقد كان السبّاق الى ذلك، وما علينا سوى التشبّه به. 
حماكم الله يا أبناء "كونين" كم أنتم لطفاء وظرفاء.. وشرفاء. وألف شكر لك يا أخي شوقي فلقد أسعدتني بكتابك.
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا

هناك تعليق واحد:

  1. عصام ملكي3:18 م

    كبير العقل عن كلمتو مسؤول
    شوقي بكتابو شارح همومو
    مفروض بخش الطيز انو يقول
    هللي بيقول الطيز منلومو

    ردحذف