حرب طائفية في أستراليا

 التقيته، بعد غياب طويل، رأيته مهموماً، فسألته:
كما نشر في العراقية
ـ ما بك يا صديقي؟ أراك شارداً وكأنّك في عالم آخر؟
ـ أريد أن أهرب من المنطقة التي أسكنها، لم أعد أطيق سماع تهديداتهم المتواصلة بحرق منزلي.
ـ ومن سيحرق منزلك؟
ـ هم..
ـ ومن هم؟
ـ المسلمون..
ـ ولكنك مسلم أيضاً..
ـ أجل أنا مسلم يا صديقي.. ولكنني من طائفة مختلفة.
ـ ماذا تقول؟.. أنسيت أنك تعيش في أستراليا؟
ـ حتّى أستراليا لم تعد آمنة.. ألم ترَ التقارير الاعلامية التي تبثها القنوات الاسترالية؟ ألم ترَ الحرب الشيعية السنيّة بين أبناء الدين الواحد؟ أنا جدّ خائف على أطفالي..
   هذا الحوار حقيقي والله.. ولكنني حجبت اسم الصديق والطائفة التي ينتمي اليها، كي أكون عادلاً وحراً ومنطقياً فيما سأكتب، وما عليكم سوى المساعدة على اطفاء نيران جهنمية ستحرق الاخضر واليابس في غربتنا، بعد أن كانت السبب في هجرتنا جميعاً الى هذه البلاد المضيافة الرائعة.
   خلال الحرب اللبنانية اللعينة، وصلت درجة الكراهية بين المسيحيين والمسلمين في لبنان الى درجة القتل على الهوية، ومع ذلك لم يضرب كفّ واحد بين مسلم ومسيحي في أستراليا.. بل على العكس تكاتف المغتربون اللبنانيون، مسلمون ومسيحيون، في العالم أجمع من أجل انقاذ لبنان، وهكذا كان.
وكنت يومذاك أملك شركة تجارية لبيع الكاسيتات الغنائية العربية، وكنت أتعامل، من أجل الترويج لها، مع محلات تجارية يملك معظمها مسلمون لبنانيون شرفاء.
وذات يوم دخل على خط التسجيلات تاجر مسلم، فراح يبث سموم طائفيته في آذان أصحاب هذه المحلات، دون أن يلتفت إليه أحد، بل كانوا يصدونه ويؤنبونه، وفي أوقات كثيرة يطردونه من محلاتهم.
وإن أنسى لا أنسى يوم دخلت محل أخي "محمد الحوراني" في منطقة أرنكليف، وكان التاجر المذكور في محله، فسمعت ما دار بينهما من حديث دون أن يعلما بوجودي.
قال التاجر:
ـ يجب أن نساعد بعضنا البعض في الغربة، أنا مسلم مثلك يا محمد، وشربل بعيني مسيحي، والمسيحيون في لبنان يقتلوننا دون شفقة.. بع اشرطتي أنا وتخلَّ عن أشرطته.
فأجابه محمد، ونعم الاسم:
ـ شربل بعيني رجل آدمي، شريف، أبعد ما يكون عن الطائفية، كل كلمة يكتبها في الصحف تزرع الأمل في قلبي بأن لبنان سيعود كما كان أرض المحبة والوفاق.. إسمع ما يقول في جريدة اليوم:
أؤمن بألله وعيب أكّد هالإيمان
أؤمن بعيسى وبالرسول كمان
أؤمن يإنجيلي وبالقرآن
أؤمن بوحدة شعب
عاش برضى وبحب
ع أرض لبنان
ـ ولكنه مسيحي..
ـ وما دخلك أنت بدينه.. ألم تسمع ما قال في شعره؟ 
ـ لقد حذرتك منه.. وأنت حرّ..
وهنا طار عقل صديقي الدائم محمد، وراح يصرخ:
ـ أخرج من محلي الآن، وإلاّ سأطلب الشرطة..
وعندما خرجت الفتنة من محله، اقتربت منه، وسط تعجبّه الشديد من وجودي دون الانتباه لي، وطبعت على جبينه قبلة، ورحنا نضحك معاً.
فإلى إخواني أبناء الطائفتين الشيعية والسنية أقول: من حقّكم أن تحبذوا أبناء طائفتكم، ومن حقّكم أن تدعموهم انسانياً في الدول التي يتقاتلون فيها، ولكن ليس من حقّكم أن تجلبوا حروبهم الى بلاد هربتم إليها، ليس من أجل المال، بل من أجل الأمان، الذي افتقدتموه وافتقدناه نحن قبلكم.
قلت وأركّز على دعمكم "الإنساني" فقط، لأن أي دعم آخر، سيكون السبب في خسارة الأهل والوطن.
تكاتفوا، كما تكاتف اللبنانيون المغتربون خلال حربهم الوسخة، علكم تعيدون لحمة التعايش بين أبناء أوطانكم.
حربكم هنا، ستضركم أنتم، دون أن تفيد المتحاربين هناك.. فشغّلوا عقولكم، وارفعوا بيارق انسانيتكم فقط.. وتذكروا دائماً أن الغريب أخو الغريب.. والغربة بحد ذاتها موت، فلماذا تموتون مرتين؟. 
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا
الرجاء قراءة التعليقات  

هناك 3 تعليقات:

  1. فؤاد الورهاني6:56 م


    الله يديمك منارة على شاطيء البحار لترشد القوارب التائهة في الظلام
    تحياتي

    ردحذف
  2. د. عبدالله عقروق / فلوريدا3:00 م

    اسمك يا شربل بعيني
    اسم احد القديسين اللبنانين.
    أما افعالك فتدل على عروبتك ووطنيتك الصادقتين.
    فكل ادبياتك واشعارك تشهد على ذلك. أنت اثريت المكتبات العربية بكتبك. اعرفك انك لا عنصري
    ولا طائفي
    ولا مذهبي
    ولا حزبي.
    أنت انسان تحمل راية الأخاء والمحبة للجميع.
    ولا تفرق احدا الآ باعمالهم وواقوالهم, وانا فخور بان ادعوك اخي وصديقي وحبيبي
    د. عبدالله عقروق / فلوريدا

    ردحذف
  3. عصام ملكي5:05 م

    شربل بعيني بالعتم ضوّى
    قلبو محبّه وعاطفه مليان
    صفحات ماضي مزعج مطوّى
    وبعدو وجعها معلّم بلبنان
    عا بعضنا ممنوع نتقوّى
    ها الحقد عند جدودنا ما كان
    آدم أبونا وأمنا حوّا
    نحنا قرف عن بوزنا إخوان

    ردحذف