لقمة الرحمة أم لقمة النقمة


كثيرا ما نسمع الكاهن في الجنانيز يقول: أنتم مدعوون الى تناول لقمة الرحمة مع أهل الفقيد أو الفقيدة.

كما نشر في العراقية

وكثيراً ما نشارك في تناول تلك اللقمة التي هي أقرب ما تكون إلى وليمة فخمة كلّفت أصحابها آلاف الدولارات، نظراً لكثرة المأكولات والمشروبات والأطايب التي تفنّنوا بعرضها على طاولة أين منها طاولات الملوك والأمراء والميسورين.
وكثيراً ما يبقى الأكل بوجه أهل الميت، أي أن المشاركين في الجنازة فضّلوا الذهاب الى بيوتهم وتناول الطعام مع أطفالهم، أو في أقرب مطعم للوجبات السريعة، على أن يتناولوا لقمة واحدة مع اهل الفقيد.
وهذا ما رأيته بأم عيني، فلقد توجهت، ذات يوم، الى القاعة المعدة لتناول لقمة الرحمة، فوجدت من الخيرات ما يطعم ألف نسمة، ولكني لم أجد في القاعة أكثر من ثلاثين شخصاً لا غير.. أي أن الآلاف من الدولارات التي صُرفت ستذهب الى سلاّت المهملات وليس الى بطون الناس.
والمضحك المبكي في الحكاية أن الشركة التي أعدت الطعام رفضت أن تعيده الى مطبخها، رغم استلامها المبلغ كاملاً، لأن لا مكان لديها لفضلات كثيرة كهذه.. فراحت إحدى النساء توزّعه على الموجودين قسراً، أي أنها أجبرتني على حمل عدة أكياس من الطعام دون أن تسمع اعتراضي أو احتجاج بعض المساكين الذين تواجدوا هناك.
وكثيراً جداً ما تتحوّل لقمة الرحمة الى لقمة النقمة، كما حدث في جنازة إحدى الصديقات المقرّبات، إذ لم تكتفِ إبنتها بالطعام الذي أعدته شركة المأكولات بل اصطحبت معها طبقاً من الأرز كانت قد أعدته المرحومة قبل وفاتها ولم تتنعّم بتذوّقه، فراحت الابنة تضع ملعقة في فم كل من تختاره وهي تولول: دوق أكل أمي شو طيّب!.
والظاهر أنها نسيت أن تضع ملعقة في فم عمّتها، وكانت على خلاف معها، فوقفت العمة في وسط القاعة وصاحت: يا واطية.. يا منحطّة.. أطعمت الكلّ وتجاهلتني.. ألهذه الدرجة تكرهين عمتك؟
وما أن أنهت عبارتها هذه حتى انقضّت على ابنة أخيها وراحت تشبعها لطماً وعضاً وحلش شعر الى آخر المعزوفة. ولن أخبركم ماذا حصل بعدها كي لا أشككم في محبة أقربائكم.
قصيدة عن "لقمة الرحمة" قرأتها للشاعر عصام ملكي وفيها يخبرنا أن الناس في قديم الأزمان كانوا يأتون على الدواب من قرية لبنانية لأخرى بغية المشاركة في وداع قريب أو صديق، وكان من الواجب على أهل القرية، وليس أهل الفقيد كما هو متبّع اليوم، تحضير الطعام لإشباع الضيوف، فلا مطاعم وجبات سريعة، كالتي نراها الآن على كل زاوية شارع، ولا سيارات فاخرة تنقلهم من مكان لآخر، وكانت نخوة أبناء القرية تظهر جلية في المآتم، كي لا يتحمّل المحزون، ولو كان غنياً، عبء مصابه لوحده.
سؤال لا بد من طرحه: لماذا لا نستبدل لقمة الرحمة بلقمة الحسنة؟.. أي بدلاً من أن نرمي الأكل في سلات القمامة، كما يحصل دائماً،  نوزّع ثمنه على منظمات خيرية أو طبيّة أو ما شابه، فيأكل اليتيم والفقير، وتتزايد الأبحاث العلمية التي تساعد في تخفيف آلامنا، عندها يقول قائل: رحم الله من كان السبب.
وعندها أيضاً نقول قول السيّد المسيح: لا أريد ذبيحة بل أريد رحمة.. ورحمته لن تتمّ ما لم نرحم الفقير واليتيم، ونخفف أوجاع المرضى. فتعالوا نحوّل روائح فضلات الأطعمة إلى روائح ورود إنسانية ذكية.. يتنعّم بأريجها ابن الانسان في كل مكان وزمان.
رحم الله موتاكم.. وأعطاكم مما سوف تعطون: السعادة والصحة. 
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا
**
الرجاء قراءة التعليقات 

هناك 15 تعليقًا:

  1. عصام ملكي8:21 م

    لقمه الرحمه وحق مار الياس
    اجناس صارت عند ناس وناس
    فيها الغني بيشوف حالو كتير
    وفيها الفقير بيلحقو التعتير
    وقت البيدفع كلفة القداس

    بيقول بدنا حسابنا نصفـّي
    صف الغني ما بحسبو صفي
    منـّي اعرفو يا حباب يا اخوان
    لقمة الرحمه شقفة القربان
    ومعها صلا من القلب بيكفي

    في ناس صحن الاكل بيكـّبو
    منو اذا ما بيقدرو يغبّو
    وواحد بيقول الصحن فاضي كان
    وواحد بيقول معرّم ومليان
    وواحد بيقول الاكل ما بحبو

    الحاضر عا خط النار وقفني
    وتا اشرح الموضوع كلفني
    كانت العاده يقدمو الدمات
    للي بيجو من ابعد مسافات
    عا "دواب" حتى يحضرو الدفنه

    واليوم بدهم تكبر القاعه
    وبدهم اكل من احسن بضاعه
    لازم لها العادات نعمل حِدّ
    ها العصر منو عصر جِدّ الجِدّ
    القاعد بعيد بيوصل بساعه

    ردحذف
  2. مايكل سيبي11:39 م

    عـشت أخي شـربل

    مايكل

    ردحذف
  3. ليندا حبيب ـ اد12:04 ص

    في خبريات كتيري يا استاذ شربل عن مصايب لقمة الرحمة ورح جرب ابعتلك شوي منها بالبريد تا تعرف انو كلامك صح ميه بالميه.
    جارنا رجل فقير باع سيارتو لمن ماتت مرتو تا يعمل لها لقمة رحمة، كانت محسكه دفنتها بس نسيت لقمة الرحمة وتا اخوانو ما يضحكو عليه ويقولو عنو بخيل باع السيارة تا يعمل لقمة رحمه.. وشو كان يقول: أنا ما بركب السياره بعد مرتي. غذا بدك قصص بضل خبرك لعبكرا. الف شكر على المقال

    ردحذف
  4. الأخ والزميل العزيز شربل
    لا يشعر بقيمة الإنسان إلا الإنسان مع الاحترام للبعض والظاهر أن لقمة الرحمة وما شابه عند كل الطوائف أصبحت مظهرا من مظاهر الترف أكثر ما هو المقصود منها كلقمة رحمة
    وفي أستراليا كما في لبنان وكل أصقاع الأرض غابت الغاية منها
    تحياتي لك
    فؤاد الحاج

    ردحذف
  5. خليل طرطق9:25 ص

    Ya Habibi Ya Charbel,
    I love you more & more every day because what you are saying is 100% correct.It is very sad what people are doing these days.Once I asked a person to buy a raffle book worth $50.00 for the poor people he said he cant afford it,few months later his mother died guess what he spent few thousand dollars for nothing.God bless you ya Charbel.
    Khalil Tartak.

    ردحذف
  6. الياس الخوري ـ البرازيل9:34 ص

    هذا ما كنت أقوله دائماً بعد كل جنازة ولقمة رحمة وقد جسدته انت في مقالك هذا وكأنك تقرأ أفكاري.. حماك الله من كل شر لأنك يا شربل تحاول أن تبعد الشرور عن أبناء وطنك خاصة وأبناء البشرية عامة والى اللقاء في مقال قنبلة كهذا
    أخوك الياس الخوري
    البرازيل

    ردحذف
  7. غير معرف9:42 ص

    Dear Charbel
    If the people listen to you and stop what are you saying (Louamet alrahmee) thousands of people will be without a job and tens of companies will be closed
    please leave us alone and write poetry only.. we have jobs to do and families to feed

    ردحذف
  8. طوني سمعان ـ مالبورن10:03 ص

    استوقفني تعليق الرجل المجهول الذي يطالب شربل بعيني بكتابة الشعر فقط وتركه في سبيل أمره من أجل زيادة رأس ماله على حساب الناس الفقراء الطيبين فضحكت حتى وقعت على الأرض لأنني أدركت للحال أن مقال شربل بعيني قد أوجعهم وقد وصل الى من يجب ان يصل اليهم، بعد أن ضربهم الطمع وراحوا يضعون الأسعار الخيالية على ثلاثة جاطات من الحمص والفلافل والدجاج على الارز الى آخره فكيف بإمكان الرجل الفقير تحمّل هذا ومعظم المغتربين على "الدُّول" أي ختيروا.. الشركات الخائف عليها أخونا بإمكانها أن تتحول الى حفلات الباريزداي والعمادات والختان وما شابه.. فلا خوف عليها وعلى العاملين بها. أخيراً وليس آخراً المقال رائع وألف شكر لشربل ولجميع المعلقين بما فيهم صاحب الشركة لأن حرية الرأي هي مقدسة بنظري ويجب احترامها

    ردحذف
  9. ايلي عاقوري10:08 ص

    Good on you Charbel
    every time I see this I say what is happening to this People is it ( LAKMET RAHME or ) a Wedding ..

    ردحذف
  10. شاعر مهجري10:16 ص

    الكلمه المفيده من الدهب مثقال
    بلا عيون فيها عم نشوف الحال
    بهنّي عصام وشربل بعيني
    عا الكلمة المفروض تا تنقال

    ردحذف
  11. د. عدنان الظاهر ـ المانيا11:26 ص

    تحية لسيّد لقمة الإحسان‏

    ردحذف
  12. د. عدنان الظاهر ـ المانيا12:55 م

    تحية لأخي الأستاذ شربل بعيني /
    مقالتكم طريفة لا شكَّ ولكن أود أنْ أُشير إلى تقليد مُشابه مُتبّع في ألمانيا ولكن التفاصيل مختلفة : بعد مراسم دفن المتوفى وإهالة التراب على التابوت الخشبي في حفرته يوجّه ذوو المتوفى الدعوة لجميع الذين حضروا مراسم الدفن لتناول الطعام في أحد المطاعم وهم وحدهم يتحملون أقيام ما يأكل وما يشرب المدعوون وهذا حل أقضل فلا فضلات تبقى ولا مشاجرات ولا شركات إعداد ونقل الطعام ولا ولا ...
    أما في العراق ففي نهاية اليوم الثالث للفاتحة على روح المتوفى يجهز ذووه طعاماً وفيراً للضيوف من قارئي الفاتحة وخاصة أولئك القادمين من مدن وجهات أخرى ... أما باقي الطعام فإما يوزّع على الفقراء أو أنَّ الفقراء أنفسهم يتقاطرون زرافاتٍ زرافات على بيت الراحل كأنَّ لديهم جهاز إستخبارات عالي الكفاءة يشم ويجمع أخبار الفواتح ثم يفدون في الوقت المناسب ليكتسحوا الأخضر واليابس ثم يلحسون الصحون لحساً ثم يتجشأون بأصوات عالية جداً ويقولون لأنفسهم عوافي ثم ينصرفون . وفي هؤلاء البائسين نسبة عالية من فاقدي البصر وشحّاذي الطرقات .
    د. عدنان الظاهر

    ردحذف
  13. Joe Soloman -Tamworth2:01 م

    I have a question for the caterers who objected to the comments madeby Mr Baini and Mr Melkey. Is Catering for the living Not Enough? you have the christenings, the birthdays, the parties, the engagementsthe weddings the business functions the launches .. and you still wantmore?? Why?? So you are saying that if you lose the business of mercy meals thatpeople will lose their jobs? Really>? Have you thought much about the families that are left behind who cantafford the money and have the pressure to host a mercy meal functionto avoid judgement and gossip from others. Maybe you should learn to market your services better to the livingand leave the dead to rest in peace and let the people who can affordmercy meal catering donate those funds to people who are dying fromhunger all around the world.
    Joe SolomanTamworth

    ردحذف
  14. طوني حنا النسر5:26 م

    لقمة الرحمة; قالت الشركات
    ان قاطعوها بينشفو الدمّات
    لا يعيش هلّي عيشتو بتكون
    نايمي وبتقوم ع الأموات

    ردحذف
  15. الصديق الفاضل الاستاذ شربل بعينى
    أود أن أعبر عن خالص تحياتى وتقديرى لشخصكم الكريم واعجابى الشديد بمقالتكم الرائعة التى تعبر عن نفس راقية تفيض بالمشاعر الانسانية الكريمة التى نتمنى أن يتمتع بها كل من حولنا من البشر خاصة أهلنا فى وطننا العربى حيث نرى ملايين عديدة من الفقراء والمحتاجين ممن نطلق عليهم تعبير -يعيشون تحت خط الفقر -
    هؤلاء الفقراء سوف يتوجهون الى الله بالدعاء لك عندما ينفذ الأغنياء فكرتك الانسانية ويعم الخير على الجميع .. خالص تحياتى
    عاطف على عبد الحافظ
    كاتب وشاعر مصرى


    ردحذف