جوقة المسرح الزجلية تلهب المسرح الاغترابي


الزجل اللبناني هو أقرب الفنون الزجلية العربية الى الشعر الفصيح المقفى، ولكنه يمتاز عنه بملامسة شعور مستمعيه، وبتثوير طاقاتهم الوطنية والاجتماعية، وباقترابه أكثر، لا بل بالتصاقه، بأفواه الأمهات.
من منا لم يسمع أمه طفلاً وهي تغني له كي ينام:
يللا ينام يللا ينام
بدبحلو طير الحمام
روح يا حمام لا تصدّق
بضحك ع "شربل" تا ينام
ولقد استشهدت باسمي هنا، كي لا أنتقي اسماً آخر، كما تفعل كل أم حين تغني لابنها، فهي تستعمل اسمه كي يتأكّد من أنه هو المقصود.
وهذا ما فعلت بنا جوقة المسرح الزجلية المؤلفة من الشعراء السادة: أنطوان سعادة والياس خليل وبسّام حرب. لقد غنّت لكل واحد منّا بمفرده.. ولقد أثلجت صدورنا مسلمين ومسيحيين وهمست في آذاننا: لبنان لكم.. وليس لأحد سواكم.
المواضيع التي اختارها الشعراء للمبارزة، جعلتنا، نحن المستمعين، نتبارز معهم بدلاً من أن يتبارزوا مع بعضهم البعض، فلقد أدخلونا معركة الكلمة الرائعة والصورة الشعرية المشرقة، والتحدي الراقي دون أي إدراك منا. كانوا يجبروننا على الصراخ استهجاناً، وعلى التصفيق استحساناً، وعلى المطالبة بإعادة الردة الزجلية إعجاباً، ساعة يشاؤون، وكأننا في حلم جميل رفضنا حتى الآن أن نستيقظ منه.
جوقة المسرح حققت، من حيث لا تدري، أمنية شحرور الوادي، وأثبتت له أن الفرق الزجلية الشامخة، لن تنقرض، وأن الزجل اللبناني سيعم الكون أجمع.. وهذا ما حصل في كعب الأرض.
عندما قررت أن أحضر حفلة جوقة المسرح، ونادراً ما أحضر حفلات في هذه الأيام كما الكل يعلم، قلت في سرّي: ماذا سيقدم أنطوان سعادة والياس خليل وبسّام حرب لعشاق الزجل في أستراليا، وقد سبقهم الى هذه الغربة شعراء عمالقة، منهم والد بسّام الشاعر المرحوم إدوار حرب. ولكنهم ما أن بدأوا برمي دررهم على أسماع الحاضرين الذين غصّت بهم قاعة "وادي العرايش"، حتى أدركت أن العمالقة الذين سبقوهم ومرّوا من هنا ليسوا آخر العنقود، وأن رحم الزجل اللبناني قادر على إنجاب الفطاحل، وأن أنطوان والياس وبسّام عمالقة فطاحل، قادرون على التفاعل مع جمهورهم بشكل مدهش، وكأنهم يملكون عصا سحرية يرفعونها عالياً فيرتفع التصفيق، ويرمونها أرضاً فتتساقط الدموع والآهات..
صحيح أنني دخلت الحفلة قسراً، ولكنني خرجت منها قسراً أيضاً، وهنا يكمن وجعي.
أجل.. ليلة الخامس عشر من شهر آذار، كانت حلماً تمنيت أن لا أستيقظ منه، ورغم كثرة الدواوين الشعرية التي طبعتها، وجدت نفسي تلميذاً أمام أساتذة كبار.
فإلى أساتذتي الكبار أهدي هذه الأبيات التي لا تتطابق إلا مع أوزان شجّعني أن أتمسّك بها أخي الشاعر المرحوم جان رعد حين قال: شربل بعيني يجب أن لا يكون إلا شربل بعيني، وأنشد، رحمه الله: زمانك طفل يا سابق زماني:
عَ الغربه لمّن طلّيتو
زرعتو الفرحه بْدون حساب
شو منعمل..
لولا فلّيتو؟
منسكّر كل الأبواب
وكاس "الأوف" اللي ملّيتو
نشرب
وتدوخ الأنخاب
وبيوت الشعر الـ علّيتو
نحبسها جوّات كتاب
تا نصلّي الشعر الـ صلّيتو
وهيك منعرف يا أحباب
فلّيتو..
لكن ضلّيتو
أنطون
الياس
وبسّام
فرحه.. بقلوب الغيّاب
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا


ما نشر في العراقية
 الرجاء قراءة التعليقات 

هناك 3 تعليقات:

  1. أنطون ـ باكسلي6:20 م

    وأنا أقول أيضاً إنها أجمل حفلة حضرتها في حياتي.. ولكنني ما رأيتك يا أستاذ شربل في الحفلة.. ولا شاهدت مصور فيديو فكيف نقلت مقاطع من الحفلة التي سأحتفظ بها الى الابد

    ردحذف
  2. د. عدنان الظاهر / ألمانيا10:15 م


    يا سلامممممممممممممممممممممممممم
    يا شربل الشرابل والشربلات والشربلاويات
    يا ألف ألف سلام ...
    الأصوات والغناء الزاجل والدفوف والحضور فما يريد الإنسان أكثر ؟ أريد بطحة عرق زحلاوي مع صحن مازة بيروتية ولا أريد شيئاً آخر !
    شكراً عزيزنا الأستاذ شربل وليتك كنت أحد هذا الثلاثي الجميل الموهوب تزجل أو تقرأ شعراً أو تُغنّي أو تقدّم أو تعلّق ... ليتك .
    عدنان الظاهر / ألمانيا

    ردحذف
  3. الفنان فؤاد الورهاني10:22 ص

    مشكور أخ شربل ما في مثل الغربة تلفزيون وإذاعة ومجلة فهي نافذة نشاهد منها ما لم نشاهده في أي مكان أخر من دور الإعلام
    تحياتي

    ردحذف