شربل بعيني: قدوتي نزار قباني/ هدى الصبّاغ

فنانة، شاعرة وأديبة


شربل بعيني: قدوتي نزار قبّاني
الذي زيّن بالشعر أكواخ الفقراء
عرفته شاعراً ثائراً حرّاً، يزرع الدرب لهيباً شعرياً أبياً، ينثر العنفوان اللبناني في سماء المهجر.. شاعراً يكتب بإحساسه قصّة شعبه الممزق، يصفع بالحقيقة المرائين والدجالين، يكتب بالوطنية المخلصة شعراً رقيقاً، عاصفاً، واعياً، يوقظ بغمزات سيفه الشعري من السبات العميق الغافلين عن صولة الحق ونهضة الوعي.
شربل بعيني.. شاعر شاب، يمسح بكلماته تخاذل كثيرين قبعوا وراء الكلمات المنمقة، ليستأثروا بعطف القراء. استل يماني الحقيقة الناصع، وشهره بوجه أعداء الوطن كلمات ونفحات ثورية، فكان كبش الفداء لوطن الاباء.
سطعت من بين نغماته الشعرية أنوار أبرزت للجميع إيمانه بكل الاديان السماوية، وتأكيده أن الدين ما كان يوماً منازعاً أو محارباً، بل هو دعوة للمحبّة والتعاضد والاخاء.
شربل بعيني ابن مجدليّا القرية الشمالية على كتف الوادي الأبي، التي سمعت صرخاته الأولى في العاشر من شباط سنة 1951، فقال عنه والده: ها هو شربل بعيني يطل الى الحياة يحمل نبرة الحقيقة.
شربل بعيني المدرس الذي مارس الصحافة في لبنان، وكتب في العديد من المجلات، خصوصاً "الدبّور"، هاجر الى أستراليا في 21 كانون الأول 1971، وعمل مثل أي مهاجر في المصانع الأسترالية حوالي السنتين حتى لا يكون عالة على المجتمع.
ثم افتتح شركة "صوت الأرز" للأشرطة المسجلة، وبدأ بممارسة مهنة التعليم سنة 1981 في مدرسة سيدة لبنان.
ألّف العديد من الكتب منها: مراهقة، قصائد مبعثرة، مجانين، الهي جديد عليكم، مشّي معي، رباعيات، قصائد ريفية، من كل ذقن شعرة، من خزانة شربل بعيني، الغربة الطويلة، القراءة السهلة، سامي وهدى، وغيرها.
بدأ في كتابة الشعر وكان له من العمر تسع سنوات، ونشرت له أول قصيدة وله من العمر 14 عاماً، يقول فيها:
براس الجرد
زرعنا المجد
حد الأرز اللبناني
وصار الورد
بمرج السعد
يغنّي للحب غناني
...
وادي جبال
سهول تلال
مصدر كل سلال الخير
راحة بال
الشاعر قال
انكان بالجامع أو بالدير
وأول قصيدة كتبها في أستراليا عن المهرّب، يقول فيها:
زلمو، يا رب تزيد، بالميّات
بالمدارس والشوارع والساحات
تا يحقنوا اللذه بجسم الناس
أطفال متل الزهر وبنيّات
...
هيك الرجال تكون يا ربي
تاجروا وربحوا بوزناتك
وإنت لو ما تكون متخبّي
كنت ظهرت للناس ضرباتك
في سؤالي لشربل بعيني عن القصيدة التي أثّرت في نفسه، قال:
ـ تمينة.. "كيف أينعت السنابل؟"، لأنها تحكي من خلال قصّة فتاة بريئة حكاية شعب، وتصور معاناة دامية.
ـ ما هو الحادث الذي أثّر في نفس شربل؟
ـ هناك أكثر من حادث.. أولاً: عندما حاول البعض أن يستعبدني، ويطعن بإنسانيتي ودوري في المجتمع.
ثانياً: الحرب اللبنانية بشكل عام أثرت بالحجر فكيف لا تؤثر بي؟.
ـ من الذي يفجّر نبع الشعر عند شربل؟
ـ محبّة الناس تجعلني أتفجّر دائماً، فها هم الأدباء يساعدون بعضهم البعض دون مقابل أو مصلحة شخصية.
ـ هل هناك حب في حياة شربل؟
ـ لا يوجد إنسان إلا ويوجد في قلبه حب. وللحب معانٍ كثيرة، خصوصاً قلب الشاعر، فلا يخلو من الحب، هو الحساس أبداً، وإن لم يكن هناك حب، فكيف يعطي الشاعر؟ وأعتقد أن قلب الشاعر الذي لا يوجد فيه حب لانسان معيّن، سيبقى فيه حب الأرض التي ترعرع فيها، ومن خلال هذا الحب سيعطي ويعطي.
ـ ماذا يحب شربل بعيني؟
ـ الابتسامة.. وأن يبقى أبناء شعبي متحدين بعيدين عن تيار الطائفية، وأن يعم السلام أرض لبنان.
ـ من هو مثل شربل بعيني الأعلى في الحياة؟
ـ إجتماعياً والدي.. وأدبياً نزار قبّاني.. لأنني أعتبر نزاراً أول من ثار على الشعر ثورة قوية، وجعل الناس يحبون الشعر أكثر، كما أنه أنزل الشعر من أبراجه العاجية، وقصوره الفخمة، وزيّن به أكواخ الفقراء، ولذلك أعتبره قدوتي من الناحية الأدبية.
ـ ما رأيك فيما كتب عنك وبصراحة؟
ـ أعتقد أن كل الذين كتبوا عني قد عبّروا عن آرائهم وتطلعاتهم إلى أدبي. أما من ناحية المحتوى، فأعتقد أن لكل أديب حريّة إبداء رأيه بالطريقة التي يريدها، فإذا مدحني كنت له من الشاكرين، وإذا ذمّني كنت له من الشاكرين أيضاً، لأنني أحترم حريّة الانسان بالتعبير عن رأيه.
ـ ما رأيك بالشعراء؟
ـ أعتقد أن التاريخ سيذكر الشعراء والأدباء المحليين، لأنهم أعطوا الأدب المهجري بصدق وإخلاص بغض النظر عن مستوى النتاج الفكري، وأنا لا أستثني الأدباء الكبار، أو الذين في بداية عطاءاتهم الادبية، لأن الجميع يعمل من خلال طاقاته، والكل يدور في دائرة الأدب المهجري الرائد.
ـ ما هو آخر انتاج لشربل بعيني؟
ـ هناك إصداران: رباعيات الطبعة الثانية، منقحة، ومجموعتي الجديدة: كيف أينعت السنابل؟
ـ آخر كلمة شعرية؟
ـ لعنة الله علينا..
البيرق، العدد 4، 23 آب 1986
**
ندوة أدبية حول نتاج الشاعر شربل بعيني
دعت رابطة إحياء التراث العربي إلى ندوة أدبية لمناقشة نتاج الشاعر شربل بعيني، وذلك مساء الجمعة الماضي، في قاعة المحاضرات في ثانوية وايلي بارك للبنات.
حضر الندوة مجموعة كبيرة من أبناء الجالية المهتمين بأمور الثقافة والأدب والشعر، وفي مقدمتهم الأخت إرنستين خوري الدكتورة في السوربون، وممثيلي الجمعيات والاعلام.
افتتحت الندوة الساعة السابعة والنصف مساء، بكلمة من عريف الأمسية السيد شوقي مسلماني، حيث قدّم تعريفاً موجزاً عن الهدف من إقامة هذه الندوات، وأكد باسم الرابطة على شاعرية شربل بعيني، ورهافة حسّه، وموهبته الأصيلة، وقدرته الكبيرة على استنطاق ما لا يستنطق، واسترجاع الماضي صوراً حيّة تحاكي الحاضر، وتودعه كنوزها، وحكمتها، وعبرها، وأكد أيضاً، أن الشاعر يعيش مأساة أبناء جلدته المتعاقبة، منذ العام 1975 حتى اللحظة، وقد أشاع بشعره الأمل أن الباطل محجوب لا محالة.
ثم قدم السيد إيلي ناصيف، أحد مؤسسي الرابطة، كلمة رحب خلالها بالمشاركين في الندوة وجمهور الحاضرين، عارضاً بكلمات موجزة تاريخ الرابطة ونشاطاتها الماضية والمستقبلية.
ثم كان لنا لقاء مع الشاعر شربل بعيني، حيث قدم افتتاحية شعرية للندوة، وألقى بعض قصائده، ثم أهدى لكل من المحاضرين قصيدة عن مزاياه ودوره في نهضة الأدب والشعر، واختتم لقاءه الشعري معنا بقصيدة "لعنة الله علينا" التي نالت إعجاب الجميع.
الاستاذ فؤاد نمّور أول المحاضرين قال في مناقشته لكتابات شربل بعيني بأنه سوف يكون موضوعياً في نقده، وقسّم الشعراء إلى أربعة: شاعر يجري ولا يجرى معه، وشاعر يخوض وسط المعمعة، وشاعر لا ترتجي ان تسمعه، وشاعر لا تستحي ان تصفعه.
وأكد أن الشعر هو إيجاز الزمن في سطر، في عبارة. وهو جرعة خمر معتقة. وان مفهوم الشعر الحديث هو خوض الحياة، وخروج عن كلاسيكية القديم المعروفة. وقال ان شعر شربل بعيني شعراً غنائياً في فصيحه وعاميته، ويتميّز بالعاطفة التي هي حجر الزاوية، وانه من دراسته لشعر شربل يلحظ أن تتابع الأحداث في وطن الشاعر لبنان، جعله يركض وراء الحوادث دون أن يعطي فرصة للتأمل، وهذا ما جعله يقع في شعره على تقلّب الاحساس من الخيبة والضمور النفسي والألم، الذي لا سبيل الى صرفه. فشربل، برأي الاستاذ نمور، شاهد مأساة ووقود لها.
أما الدكتورة سمر العطار التي تكلمت عن المرأة والحرب في المجتمع القبلي، ولمحات عن أعمال شربل بعيني، سلطت الضوء على الساعد الأساسي في إشعال وإخماد الحروب في العهد القديم، وذكرت بعض الروايات عن نساء جاهليات كان لهن الدور الأساسي في هذا الصدد، واستشهدت برواية الحارث بن عوف وبهيسة، التي أخمدت نار الحرب التي استمرت 40 سنة، والآن بعد 14 قرناً يأتي شربل بعيني ليبعث بهيسة حيّة في أذهاننا، راسماً صورة الحرب القبلية اللبنانية.
وتقول الدكتورة عطار: نرى الحرب شيئاً مرعباً عند البعيني، ونراه يرفض دور الشاعر القبلي، واللهجة العامة في شعره التي يخاطب بها قراءه تصيب الهدف أكثر من الفصحى، وكذلك نرى الرجل في عالم بعيني مجنوناً وقاتلاً باستثناء خالد كحّول، إنهم "دياب الشعب".
وخلصت الدكتورة الى التأكيد ان المرأة هي الأساس في عالم شربل، هي المنقذ من هذا النظام القبلي، وأساس المجتمع الداعي الى السلام، وهي تعبير ضمني عن رغبة في نفس الشاعر الى أن يصبح النموذج الجاهلي معاصراً حقيقياً.
الأستاذ بطرس عنداري في كلمته عن نتاج شربل بعيني قال: إنه شاعر ذو أصالة شعرية ونبرة تجديد ملحوظة. نتاجه لا ينضب.. وعن اختياري لمناقشة شعره الزجلي أقول: إن من يقرأ شعره ويدقق في تركيبته وصيغته، يشعر أن القصائد متفاوتة في بلاغتها وأحداثها ونكهتها، كأن كل قصيدة تترجم حالة معيّنة للشاعر.
ورحلة شربل مع الشعر الزجلي، التي بدأت مع ديوان "مراهقة" الذي لا يخرج عن أجواء مراهق تربّى على ورود وأوتار نزار قبّاني، نرى الرحلة الآن أوجدت شاعراً متجدداً، بدأ بدخول تجارب الحياة، وهموم الغربة، إلا أنه شعر مقصّر بالمشاركة بآلام الشعب وتصوير مآسيه في هذه المرحلة، وأكد على عامودية القصيدة، وأنهى كلمته بمطالبة الشاعر بقصائد ذات بناء شعري متكامل، وهو القادر على ذلك. وأعقب، إننا نطمح أن يصدر عن شربل شعراً يصور آلام المواطنين وعذاب الكادحين والمهجرين دون الانغماس في السياسة التي لا يحب.
أما الاستاذ كامل المر، فقد اختتم الندوة بكلمة ركّز فيها على غزارة إنتاج الشاعر، محللاً كتبه من "مراهقة" حتى "الغربة الطويلة" و"كيف أينعت السنابل؟"، وأكد أن دراسة أي شاعر أو أديب لا بد أن تحصي عليه أنفاسه، وشعر شربل بعيني يمتاز بالفكر والخيال والوجدان والاسلوب الخاص المتأثر بالمدرسة القبانية. ويمر شعر شربل بثلاث مراحل: شعر المراهقة، الشباب، النضوج فالعبثية في مراهقة ، أول كتبه.. و"من كل ذقن شعرة" النثر الساخر الجميل الذي يحتاج إلى العناية والتهذيب في السبك، واستخدام المفردات ليكون بمثابة شعره.
في مرحلة النضوج نرى وعيه لمشاكل الوطن والمواطنين. واعتبر الاستاذ المر ان شربل ما يزال في أول الدرب، وتجربته ما تزال طفلة نحبو، لن يصلب عودها إلا في إيغالها بالسير في مجاهل الحياة، عندها تتسع شموليتها الى المدى الانساني الأشمل، وشربل يطبق قول أمين الريحاني، فهو شاعر الشعر المتألم من الحديد والنار.
كلمة أخيرة أريد أن أضيفها الى ما قاله المحاضرون، كل منهم انطلق من زاوية، وتغلغل في خباياها، البعض أضاعنا، والبعض أطال علينا، والبعض أجاد في إيجازه، والبعض لم يلج الى الداخل. ولكن شربل بعيني، برأيي، شاعر يكتب بأحاسيسه، ومن كان مداد قلمه إحساسه، ما عاد الى الكلاسيكية.
التلغراف، العدد 1520، 24/9/1986
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق