مفارقة العيب والفرح في مسرح شربل بعيني/ انطوان قزي

أن يسرح الخاطر على مدّ الدقائق فوق الخشبة ليس بالحدث الملفت، وأن تجول العين مع وقع الخطوات وحركية الطفولة ليس بالأمر الغريب.أما أن يتحوّل العيب الى فرح، والشؤم الى مفخرة، فذاك لعمري عصارة جهد جيّد، ونافذة تطل من ألف لمحة وعبرة وألف حكمة وفكرة، فتتجسّد شتولاً تغني الفصول وإيقاعاً يلهب الخشبة ويفتح للصدر صعداءه.شربل بعيني الآتي من خميلة الشعر على جنح فراشة، لوّن لوحاته بأبعد من القريحة، وأغوى من اللون، وأعمق من الينابيع.
وإذا كان المسرح وقفة شكسبيرية في الكتب، وحبكة درامية لدى اليونان، وفروسية النبلاء في أوروبا، فإنه مع أطفال "سيدة لبنان" فعل حياة وأنشودة وفاء: حياة قست على الناس ففرقت فيهم الأهواء، ووفاء مزروع أبداً في الذات القدسية اباء واصالة وعودة الى صفاء الروح، واذا بالايام والناس تتحول مع الطفولة رسماً خالصاً لأجيالنا الضائعة بين الأمس واليوم، بين النزعة والتقليد، بين جمرة الشرق اللاهبة وبرودة الحضارة القاتلة.
واذا كان شربل بعيني ادخل اخطر المضامين مع اصفى القلوب وانقى الجباه، فلأنه رأى أن الضدّ لا يظهر حسنه إلا الضدّ.فلكي ترى العيب عليك أن ترى البراءة، ولكي تلحظ الشؤم عليك أن تواكب فطرية الانسان وجذوة الخير فيه.حسناً فعلت يا شربل، فإن الشرور لا تقهرها الشرور، بل البراعم الواعدة التي لا تزال على يديك وستبقى، أثقل من الثمار، وأينع من وجنات الربيع.
حسناً فعلت باختصار الزمن وجنونه الى واحة تبرّد النفس وتمنّي الخاطر بأجيال تزرع على المسرح ما يجب زرعه في قلوب الكبار.من الثبات، من غفلة الساعات المتسارعة، من عجقة الأرصفة المظلمة، يوقظنا شربل بعيني، ويحملنا إلى مسرح سيّدة لبنان مشاهدين، مستلهمين، معجبين، حاملين في أيدينا أسراب عصافير، ولتبقَ الأشجار بلا أطيارها، نغمض العيون على الفرح الآتي من فوق، من على الخشبة، نغمضها جيّداً كي لا نطل على الشارع من جديد على درب "يا عيب الشوم".
هنيئاً لنا بصغارنا الكبار، براهبات ساهرات، وبشاعر أقل ما يقال فيه انه يصهر من الطفولة ما يغني عن سفسطة البلغاء."يا عيب الشوم" مسرحية للشاعر شربل بعيني، عرضت الاسبوع ما قبل الماضي على مسرح سيدة لبنان، أبطالها تلامذة المدرسة.
التلغراف، العدد 2526، 28/6/1993

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق