كلمة شربل بعيني في حفل توقيع كتب الأب يوسف الجزراوي

أصحابَ السيادة، كهنتي الأجلاء، سيداتي.. سادتي
عندما طلب مني أبونا يوسف الجزراوي إلقاءَ كلمةٍ في هذه المناسبةِ الأدبيةِ الغارقةِ بالإيمانِ والتقوى، والمفعمةِ بالعلمِ والمعرفة، وافقت دون تردّد، وكيف لا أوافق وكتابُ (المبدعونَ.. غرباءٌ عن هذا العالم) لم يتركْ عالماً أو فيلسوفاً أو أديباً أو شاعراً عانى ما عاناه نبيُّنا أيّوب إلا وسلّط الأضواءَ عليه، كي تَكْشِفَ لنا تلك الأضواءُ سيّئاتِ حياتِنا اليومية. فلقد أرادنا أن نتخّذَ من قصصِ الكبارِ عِبراً تُخلّصُ أنفسَنا من شَوائبِها، وتُعِدُّنا للفرحِ الآتي.
أجل، أيها السيداتُ والسادة، فلقد سارَ أبونا يوسف على خطى المعلّمِ الأكبر، ذاك الذي استعانَ في إنجيلِه المقدّس بالأمثالِ والقِصّصِ لتَصلَ كلماتُه إلى آذانِنا مفهُومةً، كما يصلُ الهواءُ المنعشُ إلى رئَتَيْنا دون استئذانٍ كي يمنَحَنا الحياة.
ذكرتُ معاناةَ نبيِّنا أيّوب، ولم أذكرْ معاناةَ (شهيدِ الحب) سيّدِنا ومخلّصِنا يَسوعَ المسيح، لأن معاناةَ النبي أيّوب كانت بشريّة، لم يطلُبْها بل فُرِضَت عليه، كما تُفْرَض علينا الأوجاعُ والمصائب. صحيح أن المسيحَ صُلِبَ ولكنّهُ إلهٌ اختارَ صلبَهُ ليُخَلِّصَنا، وإن طَلَبَ من أبيه السماوي أن يُبْعِدَ عنهُ هذه الكأس، فَهُوَ يعلَمُ أنه جاء دُنْيانا من أجلِ تلكَ الكأس.. ليسَ إلآّ. تماماً كما اختارَ أبونا يوسف كهنوتَه ليخلّص أنفسَ التائهين الضائعينَ في ملذاتٍ سَرابيةِ الوجود.. ما أن يتمسّكوا بها حتى يَخذلَهُم العمرُ.. ويواجِهوا الدينونة.. وصدقوني أن الأبانا يوسف يعلَم أن الكأسَ التي اختارَها، تفيضُ مرارةً، إذ ليس أصعبَ من أن يرَى الراعي الصالحُ قطيعَه تتناتَشُهُ الذئابُ وهو عاجزٌ عن إنقاذِه.
قِصَصُ الكتاب، كما قلت، زاخرةٌ بالعِبَر، فأبونا يوسف ينْبُشُ ما فَوْقَ الأرض وما تَحْتَها مِنْ أَجْلِ موعظةٍ يقدّمها لنا مُبَسَّطَةً كرغيف خبزٍ، ما أن يراهُ الجائعُ حتَّى يلتهمَهُ بصمتٍ وسعادة. فالجوعُ السماويُّ لا يشعرُ بهِ الإنسانُ إلاّ عَن طَريقِ كاهِنٍ طبّاخٍ، يعرفُ كيف يُعِدُّ وليمةً سماويةً تجذُبُ الجائعينَ إليها.. وَتُثَبِّتُ أَقدامَهم على طريق الخلاص.
الملفتُ حقاً في الكتاب هو وفاءُ الكاهنِ يوسُف لِمَن ساعدَهُ من بعيدٍ أو قريبٍ، وهذا ما لم نَعُدْ نَجِدْهُ في هذا الزمنِ التعيسِ، زمنِ الوصوليّةِ والغدر، وهذا أيضاً ما يُرَجِّحُ كَفَّةَ موعِظَتِه، ويجعَلُ المُتَلَقِّي يَرْضَخُ لها دون إدراكٍ منه.
أشكرك يا أبانا يوسف مرتين، مرّة حين ائتمنتَني على مراجعة كتابِك لُغوياً، وأعتذر إذا فاتتني بعضُ الأخطاء، لأن جُلَّ مَنْ لا يخطِىء، ومرّة ثانية لأنّك طلبت منّي أن ألقِيَ هذه الكلمةَ، شرطَ أن لا تزيد عن خمْسِ دقائِق، ويا لًيْتَنِي لم أتقيّد بالوقتِ، لأن كتابَك ما زال يشدُّني إلى كلامٍ كثير.. وألف شكر لإصغائكم.
11/11/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق