عودة الى رباعيات الشاعر شربل بعيني باللغة العامية/ ميشال حديّد

شاعر وناقد وصحفي إعلامي معروف
صدر حديثاً عن مطابع دار الثقافة كتاب شعري باللغة اللبنانيّة ـ طبعة ثانية ـ بعنوان رباعيّات للشاعر شربل بعيني.
تتميّز القصائد في هذا الكتاب بقصر قاماتها، هذا إذا كان الشعر يقاس بالأشبار والأمتار، كما يقيس البعض إنسان اليوم.
شربل بعيني المعروف بطول نفسه الشعري، يبدو في رباعيّاته قصير النفس. يأتي كالومض، ويمضي كالبرق، كأنه يطارد أحواله وشتاته وتمزقاته. الوقت هو المساحة الشعرية. والوقت هنا يسابق بعضه بعضاً، ويتكثّف طبقات من أوتار وأعصاب مشدودة إلى الآخر.
تتعود المواضيع، وتتنوع المحطات ضمن أحادية الجو النفسي العام الناجم عن تآلف حالات الشاعر النفسية أو تصادمها مثل: التمرد والشعور بالانسحاق. الحنين إلى الأرض والأحبة. الحالة الرفضيّة التي يعيشها الشاعر في مواجهة قياسرة هذا الزمن الرديء، والبحث الدائم عن الحل والاستقرار:

مرقت سنين محمّله فوقا سنين
وبعدك يا أرض العزّ مظلومه
تمنّيت لَوْ بعْصاة موسى استعين
وقلّك بعد ما يغرقوا: عومي
هذه القصيدة تختصر حالة الشاعر، فهو يتمنى لأرضه القيامة لأن في قيامتها قيامته هو. ولكن أنّى له أن يحقق أمنيته ما دام ذلك يتطلب معجزة كالتي صنعها موسى بعصاه.
أرض العز المظلومة، هي الواقع، هي الانسحاق، وعصا موسى هي التمرّد وأداة التغيير، وأما التمني فهو الشعور بالانسحاق، دون الاعتراف به علانية، لأن الاعتراف يعني الانكسار والتسلّم بالأمر الواقع.
الصورة الشعرية في هذه القصيدة، حولت اللامرئي إلى مرئيات:
مرقت سنين محمله فوقا سنين
صورة جميلة قوامها خمس كلمات، اختصرت زمناً من الروتين والضجر والانكسار. السنون تحمل بعضها بعضاً: مشهد مألوف لا جديد فيه، كأنه مشهد الـ 12 سنة من الحرب في لبنان.
هذه عينة من قصائد شربل بعيني في "رباعيّات"، ويسألني شربل: لماذا فضلت رباعياته على "إلهي جديد عليكم".
"رباعيات" ـ طبعة ثانية ـ كتاب أنيق وجميل من حيث الشكل وطريقة توزيع القصائد، وتجربة شعريّة غنيّة من حيث التجديد الشعري معنى ومبنى وصورة وكلمة.
والطبعة الثانية حملت إلينا إضافات شعريّة جديدة، وغيّبت بعض القديم. لقد أصبحنا نحب شربل بعيني ككل، لا كأجزاء ومحطّات، فقديم شعره عتبة لجديد شعره، كما جدّد شعره اختمار قديمه:
.. وبدَّك الكرسي تكون من قدّام
تا تعرِّم وينقال عنّك بَيْك
أكبر شرف بتنال لو بتنام
تا نقعِّد الكرسي شي مرَّه عليك
صدى لبنان، العدد 521، 11/11/1986
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق