الدكتور رامز رزق نفذ بنجاح عملية في القطاع الرابع

للمرة الثانية ألتقي الدكتور رامز رزق، الاولى في حفل يوبيلي الذهبي عام 2018، والثانية في معرض الكتاب المهجري عام 2019.
في المرة الأولى ربحت منه مشاركة في اليوبيل ولا أروع، وفي المرة الثانية ربحت منه عدة كتب، أقرب ما تكون الى المجلدات.
ومن عادتي عندما أستلم أي كتاب أن أتصفحه بسرعة، ولكن سرعة التصفح تلاشت تماماً عندما بدأت بقراءة رواية "عملية في القطاع الرابع"، فلقد شدتني أحداثها الأقرب الى الحقيقة منها الى الخيال، رغم ادعائه بأنها "خيالية"، لا بل أحسست أن أحد أبطالها هو الدكتور رامز رزق بالذات.
بنت جبيل البلدة الشامخة في جنوب لبنان هي المحور، منها البداية وبها ستكون النهاية، معظم أبطال الرواية من أبنائها الشرفاء، والمعارك تدور في أرجائها وضواحيها.
من حي النبعة في الضاحية الغربية من بيروت تبدأ الرواية، وتنتهي بتحرير بطلها "عبدالله الشايب" من سجن الخيام.
أحداث مثيرة تترى أمام ناظري، أماكن أعرفها وأماكن لم أسمع بها من قبل، ولكن هذا كله لم يكن يعنيني من الرواية، كنت طوال الوقت أفتش عن ومضات الدكتور رزق الأدبية، ولقد وجدت الكثير منها، وسأطلعكم على بعضها.
في الصفحة 25 يقول: "حدود البصر يختصرها انحناء قوس الأرض. يصبح الإنسان أمام البحر ضعيفاً، صغيراً، قزماً لا يمكنه التحدي، عاجزاً لا يمكنه مقارنة الأمور بين الحجم والزمن".
هذه العبارات أبعد ما تكون عن السرد القصصي، إنها حكم تطعم الرواية لتزيدها أدباً.
وفي الصفحة 27 يحلل الدكتور رزق بطريقة فكاهية سبب ذهاب الناس الى الجامع: " لا يزور ذلك المكان إلا العجائز، ولماذا تظن أنهم يأتون إليه؟ لأنهم يخافون من القبر". بعدها يتساءل: "لو سألنا الناس أيهما أفضل الذهاب إلى الجامع أم إلى السينما؟ فماذا سيكون الجواب؟ أنا أتصور أن أكثر الناس سيقولون السينما".
لولا القبر، لما تعبد إنسان.. إنه خوف النهاية المطعم بأمل الدخول الى الجنة.. وإلا فالسينما خير مكان للترفيه عن الانسان.
أما في الصفحة 35، فيرمي أمامنا هذا القول الرائع: " الحلم الذي يأتي في اليقظة، يتوهج حتى يصبح قريباً من الحقيقة، ثم ينتهي وكأنه لم يكن".
في الصفحة 125 يصب الدكتور رزق الملح على جراح الجامعيين الذين لا يجدون عملاً رغم شهاداتهم العالية، بينما "السكاف" يتقاضى أكثر منهم بكثير، ولمعلوماتكم فقط، لا يمكن لإي كان أن يمارس مهنة "السكافة" في أستراليا إلا إذا تخرج من المدارس المهنية، وقد يلزمه أكثر من أربع سنوات دراسة  قبل ان يحمل لقب "سكاف".
وعن العملاء المدسوسين في الأحزاب والمنظمات يعلن الدكتور رزق: "والله لا أرى من الحكمة أبداً أن أقاتل أو أنضم الى أي حزب بعد أن رأيت كيف تحول أبو زياد من قائد هنا الى ضابط هناك".
وأبو زياد هذا هو من سلّم أسلحة المقاومة لأبطال المسرحية، وهو من سلّمهم للعدو الاسرائيلي، لا بل هو من قضى على زهرة شبابهم. إنه ضابط إسرائيلي في زي مقاوم.
صحيح أن رواية "عملية في القطاع الرابع" ملأى بالمتفجرات، والمداهمات، والتظاهرات، والعمليات الفدائية، ولكنها أيضاً ملأى بالحكم الانسانية التي تشع في ظلمة الشرق: "الناس أصلاً ليسوا للقتل حتى ولو كانوا أعداء، الناس يمكن أن يتحولوا من حال الى حال بتحول السياسة، فمن يكون عدواً قد يتحول حليفاً".
وهذا ما حصل بين الولايات المتحدة الاميركية واليابان، فلقد ضربت الأولى مدينتي ناكازاكي وهيروشيما اليابانيتين بالقنابل الذرية، بعد أن ضربت الثانية ميناء "بول هاربر"، وها هما الآن أكبر حليفتين رغم الدمار والموت.
وعن الخيانة، السرطان المتفشي في عالمنا العربي، يقول الدكتور رزق صفحة 197: "أبشع صور الحرب عندما يكتشف الانسان أن عدوه يعيش معه في نفس المكان".
بإمكاني أن أكتب صفحات وصفحات عن ومضات د. رامز رزق الأدبية، ولكنني سأكتفي بهذا القدر، كي لا أطيل عليكم القراءة، فالزمن زمن "الماكولات السريعة" "والقراءة الأسرع"، لذلك سأنهي مقالي بعبارة واحدة: لقد نفّذ الدكتور رامز رزق عمليته بنجاح في القطاع الرابع.
شربل بعيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق