أمي والكاردينال فريمن

عندما قرأ أخي الأصغر مرسال "أبو شربل" قصة والدته "بترونله" مع الكاهن "رود براي"، تطلع بي وقال:
ـ قصتك ناقصة يا أخي، فلقد نسيت أهم شيء فيها.
فقلت له بتعجب شديد:
ـ ما هو؟ أرجوك ذكّرني به.
ـ لقد نسيت أن تخبر القراء أن الكاهن "براي" أطلع رئيسه الكاردينال "جايمس فريمن" على الاعجوبة، واخبره أن أمي هي التي شفته بزيت مار رومانوس المقدس.. وأن الكاردينال طلب مقابلة أمي.. هل نسيت؟
لا لم أنسَ يا أخي، ولكني تركت تلك الزيارة التاريخية الى مقال آخر، سأبدأ به الآن.
بعد أعجوبة الزيت بأسبوع، اتصل بنا الكاهن "رود براي" وطلب موعداً رسمياً لزيارتنا على غير عادته، اذ كان يأتينا على حين غفلة، ساعة يشاء، فلقد كنا نعتبره فرداً من أفراد البيت بإمكانه أن يزورنا دون موعد مسبق.  
إصراره على تحديد موعد رسمي حيّرنا جميعاً، فتجمعت العائلة البعينية حول أم العيال بترونله، ولسان حال كل واحد منا يردد: 
ـ من سيأتي مع الخوري براي؟ 
فإذا بسيارة بيضاء تقف عند مدخل البيت ويترجل منها أعلى رجل في الكنيسة الكاثوليكية في سيدني: الكاردينال جايمس فريمن.
المفاجأة عقدت ألسننا، وما عدنا نعرف كيف نتصرف، فما كان من والدتي إلا أن اقتربت منه وقالت بإنكليزيتها الركيكة: welcome to my home. This is my family.
هنا بدأ الأطفال الصغار يتراكضون نحوه، ويقبلون يده، كما أمرتهم أمهاتهم، وراح الخوري "براي" يعرّفنا بالكاردينال "فريمن"، ولماذا أراد مقابلة أمي:
ـ الكاردينال "فريمن" هو رأس الكتيسة الكاثوليكية في أستراليا، وقد اخبرته عن الاعجوبة التي حصلت معي، فأحب أن يتعرف على صاحبة الايمان القوي، السيدة بترونله بعيني.
ولم يدعه الكاردينال "فريمن" يكمل التعريف به، لتواضعه الجم، بل التفت الى أمي وسألها:
ـ لماذا تضعين هذا الطوق حول عنقك؟
فتنهدت أمي وقالت:
ـ عندما أخبرني الطبيب بأن رفيق عمري، ووالد أبنائي الستة سركيس بعيني، مصاب بمرض سرطان الدم "اللوكيميا"، أصبت بانهيار عصبي، وأحسست أنني أصبحت عاجزة عن المشي، فدخلت مستشفى "ويستميد" بذات الوقت الذي دخل به زوجي المرحوم اليها، وكانت عائلتي تتنقل من غرفة الى غرفة بغية الاطمئان علينا. وبعد أشهر من المعالجة، طلب الاخصائي اجتماعاً مع إبني البكر أنطوان، ليخبره، على مسمع مني، بأني لن أتمكن من المشي بعد الآن، واني بحاجة الى كرسي متحرك وإلى حمام خاص، ومدخل سهل للمنزل الى آخره.
وما أن انتهى من كلامه حتى قلت:
ـ أشكرك يا دكتور على اهتمامك بي، ولكن هناك من هو أهم منك وقد سلمته نفسي.
فاعتقد للوهلة الاولى انني سأعرض نفسي على اخصائي آخر، فقال:
ـ ومن هو هذا الطبيب.. هل أعرفه؟
ـ إنه سيدي ومخلصي يسوع المسيح.. هل سمعت به، أم أخبرك عنه أكثر؟
فلم يجب بحرف واحد، بل ودعنا وخرج.
وها أنا كم ترون أمشي وأتنقل من مكان الى آخر بدون كرسي متحرك، وهذا كله بفضل ربي.
فتطلع الخوري "براي" بالكاردينال "فريمن" وقال:
ـ هذا ما حصل معي عندما كنت شاباً.. هل نحن أمام أعجوبة جديدة يا سيدي.
فهز الكارديمال "فريمن" رأسه وقال:
ـ الايمان القوي يصنع المعجزات.
ثم اقترب من أمي وهمس في أذنها:
ـ أعجوبتك الكبرى يا سيدتي أراها الآن في هذه العائلة المسيحية المؤمنة التي تحيط بك من كل جانب، والتي سهرت على تربيتها في لبنان كي تتنعم بها أستراليا، أرجوك أن تصلي من أجلي.
وراح يودعنا واحداً واحداً حتى الأطفال، وهو يقول: لا تفرّطوا بإيمكانكم، تمسكوا به أكثر فأكثر، وخذوا من هذه الأم الطاهرة قدوة لكم، كي لا تتعثروا في الظلام.
ودعنا الكاردينال والكاهن، ولكن زياتهما المباركة، ما زالت تعيش معنا حتى اليوم.
شربل بعيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق