خواطر شربل بعيني/ سركيس كرم

"حكامنا البلهاء، شوهوّا بأعمالهم جمال الوطن، وجملوّا بشاعة الغربة." شربل بعيني
**
أهداني الأديب الشاعر شربل بعيني عددًا من كتبه ودوواينه الشعرية القيمة، لكن كتابه "خواطر" أستقطب على الفور اهتمامي ودفعني الى مطالعته ربما لمقارنته من باب "الحشرية الأدبية"  بمضمون كتابي الجديد "خواطر وأحلام.. من غربة لا تنتهي" ولولا ذلك لماذا أخترته اذاً للقراءة الفورية من بين مجموعة الكتب التي تحمل الكثير من الشعر الغني بمعانيه ورسائله وأناقته.
لم يتسن لي شرف التعرف على شربل بعيني عن كثب لإكتشاف شخصيته الفكرية والانسانية خارج اطار الكتب والقصائد إلا منذ أربع سنوات علماً أنني كنت من الذين يرون في شخصيته في المناسبات العامة تلك النبرة العنفوانية التي تعكس عمق ما يكتنزه من هدوء الثوروية البناءة الرامية الى اصلاح المجتمع وتطويره. وظل شربل الانسان غامضاً بعض الشيء رغم عدة لقاءات وحوارات الى ان وقعت يداي على "خواطر" وهنا بوسعي الإدعاء انني ربما نجحت في أماطة اللثام عن بعض ما في فكر هذا الأديب الزاخر بالعطاء الثقافي الذي تناولت كتاباته عشرات الأقلام ونشرت عنه العديد من الكتب. 
ومن فكرة الى أخرى حملتني خواطره الى الموافقة والتبصر ومن ثم الموافقة من دون إعتراض يذكر على المضمون المشبّع بالحكم والفلسفة الحياتية ولو ان شربل يؤكد ان "الفلسفة، هي ان لا تتفلسف"، مع التنويه بأن "خواطر" يشكل حالة تشبه كل ما في البساطة من فلسفة. وفيما تجرف تلك البساطة بكلماتها الهادفة وضرباتها الموجعة العرب بسبب تخاذلهم واخفاقاتهم المتواصلة وتعصبهم الأعمى وتغليبهم الكراهية على الرفاهية والحقد على المحبة والشتيمة والنميمة على القيم والكرامة، يستهدف الكتاب كذلك الكذبة ومرتزقة الأقلام والمتاجرين بالدين والأوطان والانتهازيين والحساد والجهلة، فيوصي "كن ساطعاً كالشمس، لئلا تطفئك أصابع انسان جاهل".  كما أنه لا يستسلم امام هجمات وانتقادات يطلقها الفاشلون، بل يدعو الى الصمود والاستمرار في خوض غمار معركة الكلمة التي لا تنهزم ولا تستسلم "عندما يبدأون بمحاربتك تكون قد وصلت" و"ليست المصيبة في ان يقولوا عنك باطلا، بل المصيبة في ان تتخلى انت عن اقتناعاتك بأعمالك".
وبين الثورة والفكرة ثورة تتخللها استراحة حب "لولاك يا حبيبتي لعشّش ضجر الغربة في كل نبضة قلب أعيشها"، تليها موضوعية "عظمتك الادبية لا تأتي مما يكتبه الناس عنك، بل مما تكتبه انت للناس". وتكاد لا تغيب عن أي صفحة انسانية الانسان وأهمية التواضع  في تكوين الأمم الراقية لأنه " اذا تخليت عن تواضعك تخليت عن انسانيتك، فكن حذراً". اما عن الكتابة فالعفوية لها مكانتها وضروراتها لكي تشّد القارىء وتجعله يستمتع في فهم الموضوع الذي تسوقه سلاسة التعبير وسهولته لأن "الكلمة التي لا يفهمها القارىء، يحكم عليها بالإعدام". وهنا تلتقي الأفكار أكثر حول الغاية من الكتابة واذا كانت البلاغة اللغوية هي أهم من الفكرة ام أن الفكرة هي الأساس الذي تتمحور حوله اللغة مما يدفعنا الى التشكيك بفائدة اللغة إن هي أفتقرت الى الأفكار الخلاقة، لكنه في الوقت عينه كيف لنا أن نسوّق الفكرة من دون لغة سليمة، من هنا تبرز فعالية الكاتب المبدع ومؤهلاته الفكرية والأدبية واللغوية من خلال قدرته على توظيف اللغة والفكرة معاً في استقطاب القارىء لا سيما في عصر الأنترنيت وتقنيات التسلية الحديثة. ولذلك "عفويتك في الكتابة، قد تضيء امامك سبل النجاح، وتضفي على أدبك رونقاً يشد القارىء إليه أكثر فأكثر"
يكتب شربل "وصيتي قبل ان أموت ان لا يقال انني متّ" ونرد عليه كيف لأحد من عالم القلم ان يحاول ولو مجرد محاولة او أن يتجرأ ان يقول انك "مت" وبعد عمر طويل، فكيف لمن لديه ثروة أدبية ما زالت تنمو وتكبر بفضل الفكر المتحرر الملتزم بالكلمة الطليقة التي لا يحدها الزمان ولا المكان والتي ترتقي بمباركة الرب ان يموت فيما أسمه لمع ويلمع وسيظل يلمع في ساحات ومنابر وصفحات الأدب والشعر.   
والى ان تتحقق المعجزة وتتخلص شعوبنا من "حكامنا البلهاء" الذين "شوهوّا بأعمالهم جمال الوطن، وجملوّا بشاعة الغربة" أقر بأنني وجدت في "خواطر" ما يخفف كثيرًا من "بشاعة" الغربة بمعناها العاطفي الناجم عن الإنسلاخ عن الوطن الأم كون البشاعة لا تليق بغربة حملتنا الى وطن من أروع الأوطان أسمه اوستراليا. وببساطة أقر أيضاً ان "خواطر" قد عزز معرفتي وأنعش قناعاتي وساهم في إثراء ثقافتي عبر الاستفادة من حكم وتجارب أساتذة بحجم الأديب شربل بعيني.
انقر هنا لقراءة كتاب خواطر الالكتروني

هناك تعليقان (2):

  1. فؤاد الحاج ـ ملبورن12:56 م

    فعلا المقال رائع
    تحياتي لك وللأخ سركيس كرم

    ردحذف
  2. سركيس كرم1:11 م

    شكرا أخ فؤاد الحاج مع احترامي وتقديري

    ردحذف