قصيدتان من ديوان فافي: مقعد في غربتي وطبيبتي النفسية

كما نشرتا في العراقية
فافي هو الاسم العائلي للشاعرة الكبيرة فاطمة ناعوت
مُقعدٌ في غربتي
ـ1ـ
إذا وهَبتْني القلبَ..
سأهبُها العمرَ،
وباقةً من قصائدَ مهجريّةٍ،
لم يكتبْها يَراعٌ،
لم يحفظْها كتابٌ،
ولم تلتهمْها عين.
ـ2ـ
إذا وهبتني القلب..
سأغني لـ "فافي" 
موّالَ حبي القرويّ،
وأدوزنُ على أوتار غربتي
رنينَ ضحكتها الصاخبة.
ـ3ـ
أفٍ.. 
كم لضحكتها من سحرٍ لا يُقاوَم.
جميع السمفونيّات الخالدة،
ضبطوا إيقاعَها 
على صوتِ قهقهتها الساحرة..
فأشرق اللحنُ
وتوجّعتُ أنا.
ـ4ـ
ذات ليلة..
شهدتْ عليها قطعُ البيتزا الهرمية..
صرختُ في أذنيها، 
كشاعر لسعه جمالُ امرأةٍ على حين غفلة:
كم أنت جميلة يا "فافي"!
حملتْ نظارتها المرمية على الطاولة
ودون أن تلتفتَ إليّ،
أو تعيرَ تغزّلي اهتماماً،
أهدتها للأنف الشامخ،
وللعينين الغجريتين.
وأهدتني الخجل.. 
ـ5ـ
غريب أمري مع فافي..
لا قلبُها لي..
ولا الابتسامة..
حتى ولا المكان..
فكيف أرتقي سلالمَ العشق
وأنا مُقعدٌ في غربتي.
**
طبيبتي النفسية
ـ1ـ
"فافي" هيَ مُنقذتي..
أقولها بدون مقدّمات أو خجل.
كنتُ بحاجة الى امرأة 
تحترمُني كرجلٍ،
تقرأني كشاعرٍ،
تحبّني كإنسان،
فإذا بها تتجسّدُ أمامي
كفرحةٍ طائشة.
ـ2ـ
هي هبةُ السماءِ إليّ..
جاءتْ من الغيب،
لتمنحني الحقيقة.
رحلتها القصيرة في أجوائي
عطّرت أجوائي.
كانت أطهرَ من قديسة..
وأشرفَ من زوجة.
كانت سيدةَ المكانِ والزمان..
لا يُغبّر نعليها انفتاحٌ.
ولهذا 
أحببتها.
ـ3ـ
اعتبرتُ نفسي خبيرَ نساءٍ
فإذا بالنساء يحطمنني.
كرهت الجنس الآخر..
لم اعدْ أعترف به..
نونُ التأنيث.. 
محوتُها من ذاكرتي
أشعارُ الغزل..
أقسمتُ ألا أعاقرَها..
طالبتُ المحلاتِ التجارية 
بعدم استيراد العطر النسائيّ
لأنه سامٌّ.
وها هي "فافي" بأسبوعٍ يتيمٍ
تدجّن كرهي..
وتنقذني كشاعر..
ـ4ـ
طبيبي النفسي لم يصدّق عينيه:
الشاعرُ يتغزّل بامرأة..
يقبّل يدَ السكرتيرة..
يمازحُ سيدة 
تنتظرُ دورها.
الشاعرُ.. 
لم تعدُ تخيفه الأسماءُ النسائية.
الشاعرُ.. 
يريدُ أن يلغي جميعَ مواعيده الطبيّة.
تطلّع بشهاداته المشنوقةِ 
على الحائط وصاح:
ـ من هي؟
ـ فا..
ـ ما اسمُها؟
ـ في..
ـ من أين؟
ـ من كل مكان..
ـ ماذا تعمل؟
ـ شاعرة برتبة طبيبة نفسية.. 
ـ أريد أن أراها حالاً
حالاً.. حالاً..
ـ5ـ
شزرته مشفقاً عليه..
قِسته من أعلى إلى أسفل.
رأيتُ الكذبَ في عينيه،
الجشعَ في يديه..
خفتُ أن يسرقها مني!
ـ6ـ
غادرتُ عيادته..
حفرتُ اسمي على بابها الخارجي.
رميتُ ملفي في سلّة القمامة.  
ورحتُ أرندح موالي اللبناني كبلبلٍ عاشق:
هيهات يا بو الزلف
عيني يا مولَيّا
"فافي".. يا أحلى شمس
غلّي بعينيّا
**
شربل بعيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق