زعماء ملاعب الفوتبول


   عام 1971 أجبرت على ترك وطني الحبيب لبنان بسبب سياساته الضيقة، وطائفيته العمياء، وسياسييه اللصوص، وشعبه المغلوب على أمره.
وعام 2013، أجد أن الالآف من أبناء شعبي بدأوا يحزمون أمتعتهم بغية الالتحاق بنا في بلدان أعطتنا الديمقراطية والانفتاح والفرح، وأعطيناها التزمّت الديني والتقوقع والرعب.

كما نشر في العراقية

   قلت: سياساته الضيقة، لأنها لا تعمل من أجل مصلحة الوطن، بل من أجل مصلحة مناطق طائفية صغيرة يسيطر على كل واحدة منها ديكتاتور قد لا تزيد شعبيته على عدد مشجعي فريق كرة قدم ناشىء، إذن هو أقرب ما يكون الى زعيم "ملعب فوتبول" ليس إلاّ.
أما عن طائفيته العمياء فحدّث ولا حرج، وخير دليل على ذلك تلك المعارك المؤسفة والمشبوهة الدائرة بين شارعين في مدينة طرابلس، واحد يسكنه العلويون والثاني يسكنه السنيّون، وسكان هذين الشارعين متصاهرين، أي أنهما أقرباء وجيران وأحبة، ومع ذلك نراهم يتعاركون باسم المذهبية التي شلّت لبنان الكبير منذ أصبح صغيراً، وفئوياً، وطائفياً.. إرضاء لعينيّ الزعيم، وتنفيذاً لأجندة خارجية.
   ومن لم يقتنع حتى الآن أن زعماءنا لصوص من الدرجة الأولى، أقتنع البارحة عندما مدّد نوّابنا لأنفسهم مدة زمنية تكفي لشنّ وإنهاء حرب عالمية ثالثة، وحجتهم في ذلك أن الأوضاع متردية في البلاد وليس بالامكان اجراء انتخابات نيابية. والرضيع بات يدرك أن هؤلاء اللصوص هم من يؤجج الأحداث وفقاً لمصالحهم الشخصية، وقد فعلوها البارحة، دون أن يرفّ لهم جفن، أو أن يردعهم ضمير.
والمضحك المبكي في الأمر أنهم، وإمعاناً في الضحك على ذقوننا، اتخذوا قراراً بعدم قبض أجورهم طوال مدة التمديد، وهم من قبض الثمن مسبقاً، كونهم وفّروا على جيوبهم ملايين الدولارات التي قد يصرفونها على حملاتهم الانتخابية لو جرت الانتخابات في حينها، كيف لا، وهم على معرفة أكيدة من أن المنتخب الحر سيصفعهم بقوة ويرسلهم مهزومين الى قصورهم النتنة.

والأنكى من كل هذا انهم لم يتفقوا على شيء طوال مدة تربعهم على كرسي النيابة، لا على القانون الانتخابي، ولا على تأليف الحكومة، ولا على المشاريع العمرانية، ولا على تزفيت الطرقات، ولا على إنارة المساكن بالكهرباء، ولا على مدّها بمياه الشفة.. اتفقوا، وبالاجماع، على تمديد ولايتهم فقط.. وصاحوا بصوت واحد، كعلي بابا والأربعين حرامي: افتح يا سمسم.
   أمام كل هذا الدجل الوطني، ماذا فعل الشعب اللبناني: لا شيء، يقولون أن العشرات منه رشقوا سيارات النواب بالبندورة احتجاجاً على فعلهم الدنيء، ولكن الالآف غيرهم زاروهم في قصورهم بغية تهنئتهم بالخطوة المباركة. فهل رأيتم شعباً بريئاً، كي لا أقول "حماراً" كما قلتها في ديواني "مجانين" عام 1976، كشعبي اللبناني.. لا والله.
هؤلاء النواب، وأقولها دون تردد، لم يسرقوا أموالكم فحسب، بل سرقوا إرادتكم وكرامتكم وأصواتكم الانتخابية كمواطنين أحرار، ورموكم في أتون الضياع، وصاحوا في وجوهكم مهددين: اما نحن واما الموت.. واما الهجرة، وهذا ما حدث للملايين من أبناء شعبي وانا واحد منهم.
مصيبة لبنان الأولى هي نحن، منّا تأتي ومنّا تذهب، تأتي إذا لم نستعمل حقّنا كمواطنين شرفاء في محاسبة المسؤولين ومحاكمتهم وزجهم في السجون كما يحدث في معظم دول العالم. وتذهب إذا استعملنا هذا الحق المقدّس بدرجته القسوى بغية إرهاب سياسيينا وردعهم عن غيّهم.
كثيراً ما نهمس في آذان بعضنا البعض: زعماؤنا لصوص، ولكن نادراً ما نفعل شيئاً من أجل فضحهم، لا بل نصفّق لهم إثر كل صفقة غشّ يجرونها، وندعو لهم بطول العمر والحكم الممدّد. وقد انتقل مرض الهوبرة للزعماء الذين هجّرونا إلى بلاد الاغتراب، فهل من مصيبة أكبر من هذه.

سنة ونصف من تمديد ديناصورات الوطن لأنفسهم، سنعاني خلالها الأمرين، كما عانينا طوال مدة حكمهم، ومن يدري فقد تصبح أربع سنوات، وعشر سنوات،  إذ من يكفل أن الأحداث الدامية ستتوقف بعد 18 شهراً، ومن يكفل أن مؤججي المعارك المذهبية بغية التمديد لن يؤججوها لاحقاً طالما أن مصلحتهم تأتي، دائماً وأبداً، قبل مصلحة الوطن والمواطن.
يا شعبي الحبيب.. عدوّك ليس جارك، عدوّك هو من زوّدك بالسلاح، ودفعك إلى محاربة جار عايشته سنوات طويلة، فبدلاً من أن تقتله احضنه بمحبة والتفتا معاً إلى محاربة أعدائكم الأشرس: زعماء ملاعب الفوتبول.
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا
**
الرجاء قراءة التعليقات


هناك 11 تعليقًا:

  1. جوزاف يو ملحم12:38 م

    اطلع الاستاذ جوزاف بو ملحم على المقال قبل نشره وقد وصلنا منه التعليق التالي:
    عزيزي شربل
    المقال طويل ويحتوي علي أفكار رائعة وهو مادة لتبادل الآراء ويتحدث عن موضوع ساخن لا يحتمل التأجيل او التمديد.
    أنا قد لا أوافقك الرأي علي كل ما فيه وبالطريقة التي عالجته او بالسبك الذي سبكته لكن انشر و سريعا وكان الله بعون الشعب الليناني

    ردحذف
  2. ايلي عاقوري12:41 م

    هذه هي الحقيقة يا شربل . جميعنا هنا بسببهم. الله يعطيك العافيه

    ردحذف
  3. جميل البابا1:15 م

    العوض بسلامتكم
    والبقية لحياتكم
    وان شاء الله لكم من بعد موت الدمقراطية طول العمر

    ردحذف
  4. طوني حنا النسر1:29 م

    يا شربل بعيني بلا تخمين
    جايب شموخك من جبل صنبن
    اسمحلي عا وزن وقافيه قلك
    الخدمو الجالي هون معروفين

    طوني حنا النسر

    ردحذف
  5. فاطمة العلي ـ برلين4:16 م

    والله والله شعبي اللبناني شعب حمار ولو لم يكن هكذا كيف رضي بأن يعيد الى الحكم من كان السبب في دمار بلاده وهجرتنا الى عالم مجهول.
    كيف يرضى شعب له من الحضارة ملايين السنين أن تحكمه زمرة أوصلت لبنان الى الحضيض.. أمنياً واقتصادياً ومعيشياً ووو.. لعنهم الله انهم لصوص من الدرجة الذهبية

    ردحذف
  6. الفنان راغب علامة4:22 م

    واللي بيقهر انهم عارفين ان التمديد هو تمديد للأزمة والشرخ بين اللبنانيين اللي هم المسؤولين الوحيدين عنه، يا شعب لبنان اللي بيحصل عار

    ردحذف
  7. عصام ملكي9:55 م

    بلادي بالكفر أكبر غنيّه
    ومن الضربات صارت مستويه
    كل ما شعبها يخسر رهانو
    بصرخه بتقلب الايام فيي

    الارز عا جبالنا ضيّع مكانو
    وحب الذات عاملنا ضحيه
    وهللي وجودنا عا الارض هانو
    بيقولو سَجّلو مواقف قويّه

    يا ريت كلامهم بالحق زانو
    وعطيو متل ما بدها الرعيه
    تا قمح الشعب يبعد عن زوانو
    ضروري يكون عنا مرجعيه

    بعض نوّاب بالأمر استهانو
    ومشيو بالحيا خلف البقيه
    بشراهه (زَيْد) عم يبلع لسانو
    (وعمر) بمواقفو صفر على ميه

    كل جدودنا بالأمس كانو
    يقولو بلادنا إلنا هويّه
    ما كان الدين يفرض عنفوانو
    بس اليوم بتقول الصراحه
    مرض لبنان اسمو الطائفيه

    نحنا شعب إن كان مَنْكم عارفين
    اخوان لدروز ونصارى ومسلمين
    بلاد الغرب أديانها خمسه انسمو
    وبالشرق عنا ألف رب وألف دين

    ردحذف
  8. عزيزي شربل
    يعطيك العافية كفيت ووفيت والصديق العزيز عصام ملكي طرح الموضوع من الآخر
    فؤاد الحاج

    ردحذف
  9. شوقي مسلماني12:17 م

    كلمة ممتازة صديقي الشاعر شربل
    إنّما أرجو أن لا تذهب مع أحلامك التي هي أحلامنا جميعاً بعيداً
    فلو جرت الإنتخابات فمن غيرهم سينجح؟
    ألا تراهم مختلفين على تزوير الإنتخابات قبل إجرائها من خلال رسم الدوائر الإنتخابيّة؟
    الديمقراطيّة التي تنشدها صادقاً صديقي شربل هي أن تنادي معنا بلبنان دائرة إنتخابيّة واحدة خارج القيد الطائفي وعلى أساس النسبيّة
    وما عدا ذلك فتضييع للبوصلة
    ونفخ في قربة مفخوتة.
    ـ صديقك: شوقي

    ردحذف
  10. انطوني ولسن9:29 م

    عزيزي شربل .. لقد ذكرت في مقالك المبكي على ما يحدث في جميع أوطاننا المسماه عربية أن الشعب اللبناني "حمار" مع الأعتذار للشعب ول " الحمار " لأن كلاهما يساق، وكلاهما يحتمل وكلاهما لا يستطيع التمرد أو حتى الكلام إن كان بنطق ما في الصدور بالصوت بالنسبة للأنسان وبالنهيق بالنسبة ل "الحمار" لكن يعيب "الحمار" الأنسان سواء في لبنان أو مصر أو أي بلد يرضى لنفسه بالهوان من أجل لقمة العيش على الأرض أو الوصول إلى الجنة أو السماء بعد الموت فهو يستحق كل ما يحدث له من حكام فهموا حقيقة تكوين شعوبنا التي ذاقت الذل والهوان على يد
    كل حاكم إستخدم الدين وسيلة للوصول إلى حكم شعوب مغيبة عقولهم وأفضل هذا القول عن أية صفة أخرى لأن المغيب عقله لو وجد من يعيد له عقله سيتغير إلى الأفضل وأهمها أن حقوقه لا تمنح بل تكتسب. غير الحمار الذي سيظل كما هو ذلك الحيوان المطيع والذي يحتمل غلاظة قلب صاحبه إذا حاول أن يخفف من سيره لثقل ما يحمل.
    لا أعرف ما الذي يدفعك هذه الأيام يا عزيزي شربل إلى الكتابة عن أوجاع وطنك لبنان، وأبناء وطنك في أستراليا
    أطلب من الله أن يساعدك على تحمل معاناتك من أجل وطنك لبنان وخوفك على وطنك أستراليا من العدوى. وتقبل
    تحيتي
    أنطوني ولسن

    ردحذف
  11. انطوني ولسن9:57 م

    أسف شربل لدي تساؤل أريدك أن تضيفه إلى تعليقي الذي أرسلته لك
    كارل ماركس له مقولة شهيرة " الدين أفيونة الشعوب " وقد فشلت مقولته في روسيا
    لكن التساؤل هنا هو لماذا نجحت هذه المقولة بين الشعوب العربية وفشلت في الشعوب الغربية ؟ قد يقول قائل
    أن الشعوب العربية أكثر تدينا . وردي أن الشعوب الغربية تخلصت من سلطة رجل الدين وفصلت الدين عن السياسة
    أما إيمانهم فهو ثابت لم يتغير على الرغم من وجود ما قد نراه نحن الشرقيون نوع من الإباحية . لكن هذا هو حق الأنسان
    في إختيار طريقة حياته وهو المسؤل عنها أمام رب عادل . وشكرا
    أنطوني ولسن

    ردحذف