عظة كاهن عجوز لم يولد بعد

لأول مرّة في حياتي أبكي وأنا أستمع الى عظة كاهن عجوز. ينتمي الى طائفة غير طائفتي، ويصلي في كنيسة غير كنيستي، فشكرت الله تعالى الذي قادني الى هناك لأستمع اليه.
ماذا قال أبونا؟ تعالوا نقرأ:
ـ يا أبنائي، إيّاكم أن تتركوا كنيسة الربّ بسبب تصرفات كاهن أناني أرعن، أو بسبب فظاظة أو غلاظة راهبة لم تخطب السيد المسيح بل خطبت الخطيئة، كي لا أقول الأفعى.
نحن بشر مثلكم أيها الأحبة، ولكننا نخطىء أكثر منكم. أجل، إن الشيطان يجرّبنا أكثر منكم، لأنه يكرهنا أكثر منكم.. كوننا القدوة لكم، ولا همّ عنده إلا أن يحطّم قدوتكم.
هل نجح في تحطيمنا؟ أجل يا أحبائي.. فلقد بتنا نعبد المال، ونضرب عرض الحائط بكلام السيد: لا تعبدوا ربّين ألله والمال.
أتصدقون أن بعض الكهنة يسرقون المال من الصواني التي تجمع في الكنائس، ناهيكم عن السرقات التي يرتكبها جامعو الصواني. أجل، إنهم يسرقون أموالكم التي تحسنون بها على كنيستكم؟
أتصدقون أيضاً انني استلمت رسالة من صديق يطلب مني أن أتواسط له مع راهبة طردت ابنة أخيه من المدرسة في لبنان، لأنها لم تتمكن من دفع كامل قسطها المدرسي، وأخبرني أنه اتصل بالراهبة هاتفياً وأعطاها رقم "الفيزا كارد" كي تسحب منه ما تبقّى من القسط، ولكنها رفضت أن تستلم المال إلاّ نقداً؟ وقد جننت، يا إخوتي، حين علمت أن اسم المدرسة يحمل في نهايته صفة "خيرية"، أي أنها مدرسة خيرية، ومع ذلك يطردون الطالبات من أجل مبلغ زهيد، رفضوا أن يقبضوه إلا نقداً.
سأخبركم عن كاهن جشع، كان يضع السكر في قنينات الحليب كي يرتفع معدّل السكر في جسم زميله المريض، ويذهب الى البيت، كي يقبض لوحده ما تجود به أكف المؤمنين من حسنات قداديس أو جنانيز أو عمادات أو ما شابه.
أجل، يا أبنائي، نحن أشرار، ولكن المسيح قال: اسمعوا كلامهم ولا تفعلوا أفعالهم. واسمحوا لي أن أضيف الى كلام السيد هذه العبارة: لا تتركوا المسيح بسبب كاهن، أو مطران، أو أي رجل دين مهما علا شأنه، لأنهم، وأعني ما أقول، يخطئون، أما المسيح فلا يخطىء.
بسبب أنانيتهم، وطمعهم، وتمسكهم بالمجد الدنيوي، شتّتوا، لا بل مزّقوا، كنيسة المسيح الواحدة، التي أرادها جامعة رسولية، وهم أرادوها ضعيفة وفئوية ومذهبية.
أتعرفون لماذا ولد الطفل يسوع في مزود، كي يعلّمنا التواضع، وها هم رجال دينه يتزينون بالذهب، ويسكنون القصور، ويلبسون الحرير، ويركبون السيارات الفخمة، ويتناسون كلياً أن مسيحهم ركب ابن أتان إمعاناً في التواضع.. فتأملوا وابكوا معي.
في العشاء السري جلس المسيح على المائدة وحوله تلامذته، يأكل ما يأكلون، ويشرب ما يشربون، أما رؤساؤنا فلا يرضون بما دون الشرف طاولة، كي يجلسوا في مكان يصعب على أي منكم الاقتراب منه، هم في واد والمؤمنون في واد آخر.
حين دخلت الكهنوت، أقسمت أن لا أكذب، فكذبت. وأن لا أسرق فسرقت، وأن لا أزني فزنيت.. لقد فعلت من السيئات أكثر مما فعلتم أنتم، لذلك جئت أطلب منكم المغفرة، بعد أن طلبتها مراراً وتكراراً من إله المجد. وها هي الشيخوخة تركعني بعد شموخ كاذب، ولم يبق لي إلا الخشوع والتقوى.. والتوبة.
وبينما كان يتكلّم كان المصلون يصغون بكامل جوارحهم، وكأن حمامة الروح القدس غطت على رأس كل واحد منهم حتى الأطفال.
كلام رائع ومقدس لم يتفوه به رجل دين منذ مجيء المسيح، حتى اليوم.
ولكن المحزن في الأمر أن كل ما سمعته كان مجرد حلم، استيقظت منه والدموع تبلل وسادتي. فلعنت لحظة استيقاظي.
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا
**
الرجاء قراءة التعليقات 

هناك 12 تعليقًا:

  1. ايلي عاقوري11:16 م

    كلام جميل وحلم اجمل وصادق يا شربل

    ردحذف
  2. راهبة تحترمك كثيراً11:23 م

    يجب أن يرسموك كاهناً يا أخي شربل بعيني.. من أين جئت بهذا الكلام العنيف الصادق الذي يجول في أفكار جميع المؤمنين ولا يتفوه به أحد.. إلا أنت.. حماك الله وأدامك زخراً للكلمة الناصعة كثلج لبنان

    ردحذف
  3. سليمان حنا ـ كندا11:26 م

    ما بيستحو
    كنا كنيسه بهالدني
    صرنا كنايس منتنه
    ع مذبحا قلب المسيح بيدبحو

    ردحذف
  4. BAHIA ABOU-HAMAD -LAWYER12:43 ص

    Dear Mr Baini

    I read your comment. I am very proud of you for raising a stentorian voice in the ambit of justice to convey the truth.

    I am of the opinion and verily believe that a Clergyman must reflect the image of our beloved Jesus. A man who is wearing a robe of a Priest must use his teachings to treasure its mission, and enshrined its noble value, failing which such Priest must remain at home, and has no right to enter the Autel, and poison the mind of his worshipers.

    No doubt we have clergymen who are enticed with great knowledge, love, kindness and holiness. Indeed, they are rare. Albeit the difficulties and problem we encounter on a daily basis, you find such jewels and icons in our churches.
    I will use my utmost power to serve, help and protect them.
    I am willing to support them financially all my life so they can preach the Word. I am proud of them. .

    Conversely, nowadays, some of our clergymen:

    1 Enshrine hate, rage, malice, and revenge in their hearts.

    2 Work against the teaching of our Jesus.

    3 Will never thank, appreciate, and reward a hard and faithful worker.

    4 Worship money before God.

    5 Are real devils, and enticed with extortion, and sadistic behaviour.

    6 Are empowered with devilish acts with a great aim is to push faithful away from the church, poison their mind, outcast them spiritually, and destroy the pure image they carry in their mind about the Church .

    7 Spread hatred among they flocks with the view to joyfully drifting them apart, and causing atrocities between them .

    Once a worshiper face such devils, a good worshiper must perform the following

    1 Bear in mind that his/her relationship is with Jesus and NOT with them.

    2 Attend regularly the Church whilst bearing in mind that it is Jesus’ church and not their church.

    3 Show scant regard to their person.

    No doubt Mr Baini, in the end, “La robe ne fait pas la moine”.


    ردحذف
  5. Khalil Tartak1:14 م

    Ya Habibi Ya Charbel,
    It is very true that is a great article.
    Khalil Tartak.

    ردحذف
  6. فرج حرب3:01 م

    حلم في يقظة ام يقظة في حلم
    شجاع وجريء الى اقصى الحدود

    فرج حرب




    ردحذف
  7. جوزاف بو ملحم ـ سيدني3:04 م

    أخي شربل
    ليتك تعود الى النوم والأحلام لتوافينا بمثل هذا المقال.
    أقولها لك بصراحة تامة،هذا المقال هو أفضل ما كتبت أنت شعرا أو نثرا...
    إنه ديوان "الله ونقطة زيت" معصور في معصرة الحقيقةومسكوب في قناني الواقع..
    يكفي أهل الأدب في الآتي من الأيام ،إن ذُكِر اسمك ليقولوا : أهو الذي كتب مقالة "عظة كاهن عجوز لم يولد بعد!!!

    ردحذف
  8. شوقي مسلماني9:18 ص

    عظة كاهن ... ممتازة مثلك صديقي شربل تحياتي دائماً لك ولجميع آل بعيني الكرام.

    ـ شوقي مسلماني

    ردحذف
  9. توفيق لابا3:16 م

    Dear Charbel
    I am extremely happy with your article "A sermon of an old priest". I pray and hope that it will be a lesson to everyone especially in our church where religious people should be a good example. Each one of us, Charbel, has a vision and mission in life. Our biggest enemy is the ego and money. I hope that millions of people will continue to be in touch with Alghorba which is in itself an education source for all people of any religion.

    I am pleased to inform you, my good friend, that I was invited to India and on Australia Day I made a speech to 11,000,000 people gathered in Haryana, India. It is on Youtube and I am sure that you will be happy because you and I have not made money in Australia but we value our vision and mission and our patriotism and humbly we carry our duties as human beings knowing to the best our relationship with GOd, ourselves and others.

    You have love and respect in my heart because you are a committed human being who always look forward to make a happy world.

    Best regards
    Toufic Laba

    ردحذف
  10. ralda nouneh - Canada3:21 م


    Excellent article , thank you

    ردحذف
  11. جميل بابا9:06 ص

    من يدخل الجنة ومن يدخل النار؟
    بعد قراءة هذا المقال المحزن ترددت قليلا قبل ان اطرح عليكم جميعا هذا السؤال.
    سنة ١٩٦٧ كان هناك عائلة مستورة ترسل أولادها الى مدرسة العناية للراهبات في منطقة الدورة بيروت ولأسباب صحية مع رب البيت وحرب ال٦٧ على الأبواب تأخر رب البيت عن دفع الفواتير ومنها قسط المدرسة وإيجار البيت والكهرباءووووو .
    ولن أنسى ذاك الصباح الممطر حين اعادتنا ma Mère او الرئيسة الى البيت مع عدد آخر من التلاميذ الذين لم يسددوا القسط. نعم أنها مذلة وإهانة لكل تلميذ أمام أكثر من ٢٠٠ تلميذ حين يشهر بك انك لن تعود الى المدرسة دون دفع القسط. أما صاحب الملك شاكر سالومي من بسكنتا قال لوالدتي حين فتحت له الباب وطلبت منه ان يعود في الشهر القادم: يا أختي بعرف الوضع ثلاثة اشهر إيجار متأخرة هي هدية للأطفال... وذهب

    بالله عليكم أكرر سؤالي من يدخل الجنة ومن يدخل النار؟
    جميل بابا

    ردحذف
  12. محمود شباط8:54 م

    حلم رائع من حالم أروع. "أبونا" هذا لم يولد بعد كما ذكرت في مقالك أخي شربل، ونجزم بأنه لن يولد. وهذا ينطبق على العديد العديد من رجال الدين.
    مع محبتي
    محمود شباط

    ردحذف