منذ عشرين سنة تقريباً تطلعت بي الفنانة العالمية رندى عبد الأحد بعيني وقالت: سأرسمك.. وسأخلّدك بلوحة تجمع بين تقاسيم وجهك وأعمالك الأدبية ومسقط رأسك مجدليا ـ لبنان.
ومرت السنون، وبدأت عائلة رندى تكبر، وهموم تربية أولادها تتكاثر، فالفنانة لا تريد من أبنائها إلا أن يكونوا فنانين مثلها خَلقاً وخُلُقاً، وبدأت فكرة الصورة تتلاشى من مخيلّتي كلياً. ولن أكذب عليكم إذا قلت أنني شككت بصدق رندى وقلت في سري: مثلها مثل باقي الناس.. على الوعد يا كمّون.. كما يقول المثل الشعبي.
ولكي أضحككم أكثر، كنت كلما التقيت برندى أتمتم: رندى..رندى، إياك أن ترسمي اللوحة وأنا ميت، مخافة أن يحملوها ويمشوا بها أمام نعشي.. أريد أن أراها.
وفجأة، أطلّت عليّ اللوحة التي ترونها من شباك الفايس بوك.. قبل أن أستلمها شخصياً، فصحت بأعلى صوتي: هذا أنا.. وهذا اسمي.. وهذه أسماء بعض مؤلفاتي.. وهذا توقيع رندى عبد الأحد بعيني.. لقد فعلتها والله.
أجل فعلتها.. وضربت عرض الحائط بكل السنين التي مرّت، وأثبتت للتاريخ انها على وعدها، وليمُت بغيظه المثل الشعبي الذي ذكرت سابقاً.
ورندى الزحلاوية الأصل، ابنة حبيب القلب ملك عبد الأحد، شاركت بمعارض فنيّة كثيرة في لبنان وسيدني وملبورن، وعندها مدرستها الخاصة لتعليم فنون الرسم على اختلاف انواعه، كما انها وهبت الابداع لفلذ الأكباد، حتى باتوا يضاهونها عظمة.
وكما ترون، فقد استعانت برسم شمسي كنت قد نشرته على موقعي، وراحت تتلاعب بالريشة حتى تفوّقت عليه، وأعطت الفن المهجري لوحة رائعة شاءها الله أن تحمل تقاسيم وجهي.
ولكي تصبح اللوحة أكثر إيحاءً طعّمتها بأسماء بعض مؤلفاتي كأحباب وألله، ونقطة زيت.
كما أنها رسمت غلاف كتاب بدون عنوان كتبت عليه: بقلم الشاعر شربل بعيني، لتدل على أن الإبداع لن يتوقف، وستستمر عملية نشر الكتب الى آخر العمر.
وبما أن هذه "الزحلاوية الرائعة" أضحت كنة مجدليا منذ زمن بعيد، أبت أن توقّع اسمها قبل ان توقّع اسم القرية التي أنجبت شربل بعيني، وأهدتها أبنها الوحيد وبنتيها الجميلتين، إذ أنهم "مجدلاويون" بالحسب والنسب، رغم أنف الهجران.
أما لبنان.. فقد احتلّ خلفية اللوحة اسماً وخارطةً، لتعلن للكون أجمع انه في مخيلة مغتربيه ليلاً ونهاراً، أشرقت الشمس أم غابت، هطلت الأمطار أم اشرأب الجفاف، هدرت أمواج البحر أم استكانت.. لبنان في البال وسيبقى في البال ما بقي قلب ينبض وريشة تبدع، وشاعر يبكي.رندى.. أنا عاجز عن شكرك.
وصدقيني أنني كتبت الكثير، ومحوت الكثير، فكل الكلمات التي أعرفها لا توازي شطحةً من ريشتك، لوناً من ألوانك، وإبداعاً مثل إبداعك.. فسامحيني إذا قصّرت أدبياً، فإن لم يكن شكري بمستوى فنّك.. سأصمت.. وعليك أنت أن تتخيّلي مدى امتناني ومحبتي.
أحبك، أحب جون "حنا" زوجك، وأحب عائلتك البعينية. حماكم الله.
شربل بعيني
سيدني ـ أستراليا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق