هل من العدل أن تدوس الأرجل جرائدنا العربية؟

لم أنتبه إلى حزمة الجرائد الملقاة بين أرجل المشاة، على رصيف منطقة تجارية مكتظة بالناس،  لولا صياح رجل عجوز كاد يقع أرضاً بعد أن (تفشكل) كما نقول بالعامية اللبنانية، بتلك الحزمة، ولسان حاله يشتم من رماها هناك بطريقة لا أخلاقية. كما أنه راح يسأل الآخرين بغضب عن نوع اللغة التي طبعت بها هذه الصحيفة. وأشكر الله تعالى أنني كنت الوحيد في ذلك المكان الذي يقرأ العربية، فنسبتها زوراً الى لغة أخرى، كي أبعد شتائمه عن لغة الضاد.
وهذه ليست المرة الأولى التي أسمع بها شتائم الناس على طريقة توزيع الجرائد العربية، فلقد شاهدت امرأة تنظف موقف سيارات أحد المعابد الدينية في سيدني من أوراق الجرائد المتطايرة في الهواء، وسمعتها تشتم الجرائد، ومن يطبعها، ومن يوزّعها، ومن يقرأها.. كونها كانت تركض وراءها كالمجنونة بغية التقاطها وزجها في كيس القمامة (الزبالة) الذي تحمله. فاقتربت منها وقلت: كي لا تتطاير الجرائد في الهواء ضعي حجراً عليها.. وهكذا تتخلصين من الركض والشتائم.
ذات يوم دخلت محلاً تجارياً بغية الحصول على إحدى الجرائد، ففتشت عنها دون جدوى، فما كان مني إلا أن سألت العامل هناك: أين تضعون الجرائد العربية؟ فتلعثم بعض الشيء، وراح يتطلع بي من تحت الى فوق ويتمتم: لقد نفدت.. فقلت له: منذ دقائق شاهدت الموزّع يسلمكم إياها، أرجوك ابحث عنها. فتركني للحظات عاد بعدها وهو يحمل الجريدة ويقول: هذه آخر واحدة.. أنت محظوظ جداً.
ولأنني محظوظ جداً، اتصلت بصاحب الجريدة، وأخبرته بما حصل، وانهم يخفون جريدته عن القراء، بغية استعمالها في أمور أخرى. فحجب التوزيع عن ذلك المحل.. لا بل أنّب صاحبه.
الحق ليس على أصحاب الصحف، بل على من يستلمونها بغية توزيعها مجاناً على زبائنهم، فمنهم من يعامل الصحيفة باحترام، ومنهم من يرميها بين الأرجل، ومنهم من يخفيها عن الأعين، وكأن لا حرمة للكلمة.. وقد قيل: "في البدء كان الكلمة".
الصحيفة التي التقطنا صورتها وحجبنا اسمها احتراماً لها ولأصحابها، كان يجب على صاحب المحل التجاري الذي وضعت أمامه، أن يحضنها كما يحضن بضاعته، لأنها أهم بكثير من تلك المأكولات والأواني التي يعرضها للبيع.
لن أشجع أصحاب الصحف، كي لا أحرم الناس من مجانية القراءة، على الاقتداء بزميلهم الذي سمع إحدى النساء تطلب أعداداً كثيرة من الجرائد بغية استعمالها في تنظيف شبابيك البيت. فما كان منه إلا أن سحب صحيفته من المحلات المجانية وأودعها المكتبات بسعر كنا ندفعه قديماً من تعب زنودنا، وكنا نحمل الصحيفة بفخر واحترام، ونرجو كل من يستعيرها منا لقراءتها أن يتصفحها برفق، وأن يرجعها إلى أعيننا سالمة من أي تشويه، كي تأخذ حقّها من القراءة.
أما اليوم، فها هم معظم أصحاب الصحف يتكارمون علينا ويقدمونها لنا مجاناً على طبق من ذهب، ونحن نعاملها بازدراء شديد. وكأننا نطبق المثل الشعبي القائل: "كل شيء ببلاش ما له قيمة".
هناك أزمة فعلية تواجه إعلامنا المهجري العربي، يجب علينا جميعاً حلّها قبل أن تتطاير صحف كثيرة في الهواء.. إذ ليس من العدل أن تدوسها الأرجل،  ولكن كيف نحلّها؟.. هنا تكمن المشكلة.
**
شربل بعيني
سيدني ـ استراليا

**
هناك تعليقات تحت المقال أرجو قراءتها

هناك 6 تعليقات:

  1. غير معرف1:48 ص

    أخي العزيز شربل
    لقد شاهدت بنفسي كل ما شاهدته أنت. وصار سجال بيني وبين أصحاب ومديري الحوانيت التي توزع الجرائد العربية حوار مشابه تماما لما ذكرته في تعليقك. وقد رأيت بعيني راسي أحد اللبنانيين المشهورين في الجالية العربية يلقي بطرد كامل من صحيفة عربية في القمامة خلف دكانه حتى يمنع القارئ من قراءة مقال معين لكاتب معين. وأعتقد أن ذلك تم بأوامر من جهات سيادية فاسدة.
    وقد استطعت تسلق جدار محطة القطار وانتزاع نسخة من الرزمة التي القاها البطل المغوار في صندوق الزبالة الكبير وعدت إليه لأثبت له كذبه وأن الصحيفة لم تنفذ كما قال لي بل رماها في صندوق الزبالة لمنع الناس من قراءة نقد لشخصية فاسدة.
    كما أن هناك صحف تُمنح مجانا لسبب واضح مثل الشمس ألا وهو أن الصحيفة لا يوجد بها إلا كاتب واحد كبير جدا لا يعرف كيف يكتب اسمه بطريقة لغوية صحيحة.
    وهناك سبب آخر يحتاج إلى شجاعة لذكره؛ وهو سبب مرتبط كل الارتباط بمقالك السابق عن جهابذة طاولة الشرف. ما هو هذا السبب؟؟؟ السبب هو أن المسئولين في سدة الحكم في استراليا يرغبون في أن يكون رؤساءنا وكتابنا من الجهلاء الذين دعموا تدمير العراق ويدعمون الآن تدمير سورية وذبح رئيسها وأغتصاب زوجته في شوارع الشام!!! ولتذهب كل الجرائد العربية إلى المراحيض وليجلس كل المفلسين ماديا ومعنويا وأدبيا على موائد الشرف.
    أخي الفارس اللبناني شربل
    هناك حرب عالمية غير معلنة: حرب بين الظلاميين من جهة والنورانيين من جهة أخرى. والمنتصر حتى الآن في هذه الحرب هم الظلاميون واتباعهم من الجهلاء والمتعصبين الذين تستخدمهم الراسمالية العالمية الفاسدة لتحقيق أهدافها في الشرق الأوسط والعالم كله.

    ناجي-أمل الوصفي

    ردحذف
  2. الأخ والزميل العزيز شربل بعيني
    هل يمكن أن يقال أكثر مما ذكرته في ما كتبته وما كتبه في رده ناجي - أمل الوصفي
    لولا المرحوم بطرس عنداري منعني من نشر فصل كامل موثق عن مثل هذا الموضوع واحتراما له سحبت الموضوع من كتابي الصحافة العربية في أستراليا الذي تم توقيعه في سيدني
    على كل حال لا بد أن تشرق شمس يوم جديد وتعود راية الأصلاء أمثالكم لتنشر كلمة الحق في النور لتمحي أثر الظلاميين
    تحياتي
    د. فؤاد الحاج - ملبورن

    ردحذف
  3. غير معرف7:28 ص

    يمكن لازم اصحاب الصحف يوصلو مقالاتن عن طريق app لانو كل الناس تقريبا صار عندا smart phone. هيك ما تنزت الجرايد وبيوصلو المقالات. يمكن كمان لازم يوقفو توزيعا ببلاش لانو بينزل قيمة الجريدة حكما، وكانو عم يقولو اصحاب الصحف انو ما حدا عم يقرانا، دخيلكن خدوها ببلاش. بعدين الجرايد المكتوبي عندا مشكلة هبوط اعداد القراء لانو كل الناس صار عندا بديل آخر ليقرا أخبارو، متل المواقع المجانيي على الانترنت، apps، التلفزيون.

    ردحذف
  4. شوقي مسلماني8:15 ص

    الغالي شربل

    تعقيباً على ما تفضّلتَ به: لدي أمثلة شبيهة بما أوردتَه ولكن أخطرها ما شهدتُه أنا قبل 6 أشهر حيث مررت بمحل (إبن عرب) وعند طرف الرصيف "سلّة نفايات" وفيها حزمة من صحيفة عربيّة محليّة وبدون الخوض بالتفاصيل سألت صاحب المحلّ عن الأمر فقال لي "يا صديقي لون الجريدة واحد زبائني لا أحد منهم مستعد أن يأخذ عدداً لا مجّاناً ولا طبعاً بمقابل كما حصل مع صحيفة أخرى وأنا محلّي صغير وليس عندي أي فسحة فماذا أفعل"؟ قلت له: "كن صريحاً مع الموزّع ولا تعمل هذه الفعلة" هناك خطأ يا صديقي شربل صحيح أن الثورة الرقميّة أخذت كثيراً من ميدان الإعلام المكتوب إنّما والحق يُقال أن الإعلام المكتوب لا يزال حاضراً ولكن هذا الإعلام ذاته يكون غائباً مهما رفده مال إذا اكتفى " بما عنده" ولم ينزل إلى "الشارع" في المدن والبلدات والقرى مصوّراً ناقلاً محلّلاً فإذا احترق إسطبل أوّل من سيهبّ له من له في الإسطبل عجل لن تهبّ الناس إلى صحيفة ورقيّة لا تعكس واقعهم بأمانة ولا تزيدهم تحاليلها إلاّ تأزيماً هذه عجالة صديقي شربل إنّما شئت أن أجاريك في حزنك.

    ـ شوقي

    ردحذف
  5. موفق ساوا، صاحب العراقية11:08 ص

    خذ سيفك يا شربل وطارد الظلام
    فقد مات فيهم الحب والسلام
    سوف ننشر مقالكم مع التعقيبات
    وانا الممنون ومزيدا منها

    مع ودي
    موفق

    ردحذف
  6. عصام ملكي8:01 م

    خطّ السياسي المن تحت أمرو
    في ناس عنّا زنودهم شمرو
    عن ها الجرايد عم يقولو القوم
    كانو لزيد وعمر قبل اليوم
    واليوم صارو لزيد أو عمرو

    ردحذف