شربل بعيني.. بقلوبنا/ الأب يوسف جزراوي

حين تزور مؤسسة الغربة الإعلامية في سيدني ـ استراليا، تطالعك في الحال أوسمة وجوائز وميداليات وهدايا من شخصيات أدبية وسياسية ومؤسسات ثقافية عديدة، ناهيك عن ما يزيد عن 60 كتابًا حصيلة 44 عامًا في رحلة الأدب، كرس خلالها الأديب العربي الكبير والإعلامي القدير شربل بعيني نفسه ليكون قنديلاً يُضيء ليالي البشر في كل بلد قرأت فيه كتبه أو نشرت فيه مقالاته أو في الأقلام التي تناولت سيرته العطرة وأدبه الممتع وشعره الخالد.
إنّه شربل بعيني كما عرفته قبل نحو سنة تقريبًا ولكنها كانت كافية وكفيلة كي يكون هذا الرجل الوقور بمثابة أبي الروحي وأستاذي الذي بصم بصمته وأثره البليغ في نفسي ومسيرتي الثقافية والأدبية والكهنوتية. فالزمن لايقاس بطوله بل بكثافته.
عشرات الجوائز والهدايا وآلاف المقالات التي كُتبت عنه وعشرات الكتب التي تناولت سيرته الزكية.
إنه شربل بعيني (بقلبي) كما أطلقناها مع صديقنا المخرج المسرحي المعروف الأستاذ موفق ساوا. شربل بقلبي، هو الإنسان الحق، الذي ابصر النور عام 1951 في بلدة مِجْدَلَيّا ـ لبنان الشمالي، من ابوين توفيا برائحة القداسة.
مجدليا حبيبته، هي تلك البلدة التي أُجبر على تركها مهاجرًا إلى استراليا بسبب كلمته الحرة، وفي بلاد الغربة لم يكتفِ بكتابين اصدرهما في لبنان في سن المراهقة، ولم يقع أسيرًا لغربته ووحدته، بل انتج العديد من الكتب الشعرية والأدبية التي فاق عددها الستين.
إمتدحه شاعر العرب الأكبر نزار قباني والشاعر العراقي عبد الوهاب البيّاتي. أغدقت عليه ألقاب كثيرة منها: امير الادباء والشعراء اللبنانيين في عالم الإنتشار، الأديب العبقري، شاعر المهجر الأول، سيف الأدب المهجري، ملاح يبحث عن الله، ورسام الكلمات، أسطورة الأدب العربي المهجري.
حاصل على عشرات الجوائز، منها جائزة جبران خليل جبران العالمية وجائزة الارز للأدب العربي، وجائزة امير الادباء اللبنانيين، وجائزة الإبداع من مؤسسة العراقية للثقافة والإعلام في 8 اذار 2012 بسيدني. كما أدرج اسمه مع نبذة عن حياته ومقطفات من شعره في معاجم عالمية وعربية أهمها: معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين ـ الكويت، وموسوعة الشعر العامي اللبناني ـ بيروت، لبنان. إضافة الى الموسوعة الانكليزية التي أصدرتها جامعة ديكن في ملبورن عن الأدباء الإثنيين في أستراليا.
صدح صوته عام 1987 في مهرجان المربد الشعري الثامن في بغداد، فقال عنه الأب الأديب الدكتور المرحوم يوسف سعيد: لقد هزّ شربل بعيني المربد الشعري. وكان التلفاز العراقي وطوال اسبوع بطوله يختتم نشرة الأخبار بقصيدته التي طبقت شهرتها الأفق: أرض العراق.. أتيتك. وأذكر للتاريخ، فلكل ساقطة لاقطة: يعد الأستاذ بعيني أول شاعر مُعاصر ينشد قصائده في المربد بمزيج العامية اللبنانية والفصحى!! وهذا كان مُخالفًا لتقاليد المربد، ومع ذلك وقف الحضور أجلالاً له وهتفوا وصفقوا لقصيدته.
ألّف عشرات الكتب المدرسية التي ما زالت تُدرس في مُعظم المدارس الحكومية والخاصة، أنشأ على مدى ثلاثة وثلاثين عامًا، كأستاذ للغة العربية، اجيالاً من التلامذة في معهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك.
ترجمت كتبه إلى لغات عالمية عديدة، إنه أبن لبنان الأديب العربي الكبير الأستاذ شربل بعيني صاحب مؤسسة الغربة الإعلامية. الذي يحتار القلم ماذا يكتب عنه!
يستهويه البحر، فما ان يراه حتى يسرع إلى امتشاق القلم ناسيًا ما حوله، مُحلقًا في عالم الفكر والأدب ومخترقًا بياض الورق بجرأة وخصوصية، وإنسانية الشاعر الخلوق الجريء الذي تبنى خلالها منهجًا شعريًا يسمو بعاطفة المحبين.
شربل بعيني مُخلصًا مع نفسه ووفيًا ومساعداً للآخرين. لا يتضايق من نجاح أي شخص بل هو من يدعمه ويسنده ويأخذ بيده إلى طريق النجاح. منسجمًا وصادقًا مع نفسه والآخرين، يقول ما يريد من دون مراوغة أو تمويه أو غش أو تملق.
صدقوني انني أرى في أستاذي شربل، الإنسان الذي تجسدت فيه كل معاني الإنسانية ما جعله قريبًا إلى القلوب.
أثرى قلوبنا وعقولنا بادبه.. إنسان، أب، معلم، كاتب، شاعر وأديب من الطراز الأول! يذهلنا بسمو أخلاقة مع كل إطلالة مُشرقة بتأملاته و همـسـاته ومواقفه الإنسانية النبيلة وبشاشته، وكتاباته وواقعية فلسـفته.
كلماته تلتصق بالعقول وتعشش بالقلوب. قلمه لا يبوح إلا بالصدق والصراحة .. بعيد عن النفاق والغش والخداع والمنافسة غير الشريفة.
إنسان حساس وأديب مفكر، ناقد وكاتب وباحث طالما ساهم قلمه في نشر الثقافة ورفع سقف الوعي لدى القارىء.
هذه هي حصيلة سنة من معرفتي به. ربما سيقول البعض، ربما سنة واحدة غير كافية كي تطلق لقلمك العنان كي يكتب كل هذا الأطراء.
فاجيبكم: من المُمكن أن تربطكَ علاقة أو معرفة بشخص ما، أو من المُمكن أن تقضي سنين طويلة بجانب شخص، صديق، عائلة، أقرباء، زوجة، وظيفة، عمل، مهنة، خدمة (وأضيفوا أنتم ما تريدون).. لكنه يبقى بعيدًا وغريبًا عنك ولا يمسك بالصميم، ولا تشعر بالإنتماء الحقيقي له، لأنك لم تكن في علاقة صحيحة معه. وهُناك أشخاص تلتقي بهم لأيام أو لساعات قلائل او لشهور، فتشعر وكأنك تعرفهم منذ سنوات خلت، وتجد روابط كثيرة بينكم، فترى ذاتك مُنسجمًا معهم في أكثر من أتجاه! لأنهم أهل كي يكونوا من المقربين إليك. وشربل بعيني أهل كي يكون ابًا واستاذًا وموجّهًا لكاتب هذه السطور.
بعد أن نال شربل بعيني المجد الدنيوي، ظلّ يتحسس في قرارة نفسه، أن حاجة واحدة تنقصه، وهذه الحاجة هي التقرب من الله، وها هو يبحث ويتعمق..... وأن كان قد كرس وقته بالأمس للشعر والأدب والكتابة، ها هو منذ زمن ليس بالبعيد قد كرس نفسه كراهب في صومعته يبحث عن الله.
وليس من قبيل المغالاة ان قلت: شربل بعيني بحر لا يمكن سبر أغواره، نكتشف فيه كل يوم اللآلىء والأسرار الخفيّة، ونظلّ بحاجة إلى مزيد من الغوص والتبحر لاكتشاف كنوزه الإنسانية. ونظل بحاجة للنظر في فضاء أدبه واخلاقه للتحليق عاليًا، علنا نبلغ بعض أجوائهما، ونستنشق بعض أنسام عبير سُموّهما.
إنه الأديب الذي ترك كل شيء باحثًا عن القداسة. إنه شربل بقلوبنا.
أمد الله بعمره. أمين.
إبنك وتلميذك دومًا
الأب يوسف جزراوي
سيدني في عيد مار يوسف البتول
19/3/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق