شربل بعيني والتعقّل والهوس/ بطرس عنداري

صحافي مهجري معروف

من مشاكلنا الحضارية أننا شعب فوّار العاطفة، قريب من الضحك والبكاء والغضب والتسامح في لحظة واحدة. وهذه صفات إنفعاليّة تتركنا دائماً في السجلاّت المتدنيّة للمدنيّة والوعي.
لقد أقيمت ندوة ثقافيّة حول إنتاج الشاعر الشاب شربل بعيني، وما قيل فيها كان واضحاً، وبلغة عربية مفهومة المعاني والعبارات.
ولكن الشارع الذي لـم يحضر الندوة، أو حضر بعضه، ولـم يشأ أن يفهم ما قيل، خلق نوعاً من التشويش الواسع النطاق، قلّما وصل إلى هذا الحد سابقاً.
الإشاعات تملأ أوساط الجالية عن حملة تبخير ومديح لشربل بعيني، وعن إعطائه مركزاً شعرياً أكثر ممّا يستحق. وإشاعات أخرى تقول إن المشاركين بالندوة ـ أو بعضهم ـ تحاملوا على شربل بعيني، وأقوال أخرى حول عدم أهميّة الندوة وشاعرها والمشاركين فيها.
وقد وجّه الأستاذ جبران مخايل رسالة إلى رئيس تحرير هذه الصحيفة يقول في صدرها: هناك لغط قويّ في أوساط الجالية بأنّك شتمت الشاعر شربل بعيني، واتهمته بنقل قصائده عن نزار قبّاني حرفاً حرفاً. ويقول جبران مخايل أيضاً: من الأقوال التي سمعتها أيضاً، أن شربل ألقى قصيدة شتم فيها الجميع، بما فيها المقاومة اللبنانية البطلة.
إن كلام السيّد جبران مخايل تعبير صادق عن موجة التلفيق، ولكنّه يبرّىء نفسه حين يقول: الخطيئة خطيئتي لأنني لـم أحضر الندوة.
إننا لا نستغرب موجة الإشاعات هذه في جالية ترى الأمور الثقافيّة والأدبيّة جديدة عليها، وترى قضيّة النقد الأدبي حالة مثيرة تعني الشتم أو المديح فقط، وهذا بسبب محدوديّة مستوى الوعي في أوساطنا.
إن ندوة رابطة إحياء التراث العربي حول إنتاج شربل بعيني، كانت ناجحة وقيّمة بمواضيعها، وخاصّة الموضوعين اللذين قدّما من قبل الدكتورة سمر العطّار والأستاذ كامل المر.
لقد أعطي شربل بعيني حقّه: شاعر أصيل قادر على التحليق وتصوير المشاعر بالصناعتين الزجليّة والفصحى.
.. وإذا قال أحدهم أن الشاعر تأثّر بنزار قبّاني في شعره المبكر، الذي نظمه في سنّ المراهقة، فهذا ليس بعيب!.. وإذا قيل إن الشاعر قادر على إنتاج القصيدة المتكاملة، أو أن بعض قصائده تمتاز عن الأخرى، فهذا مديح لشاعريته وليس شتماً. وإذا قيل إن بعض أوزانه الشعريّة تحتاج إلى صياغة أفضل، فهذه قالها أحمد شوقي للأخطل الصغير والياس أبي شبكة ولـم يعتبر قوله شتماً!.
فالذين يريدون الإطلاع على ما قيل، عليهم الحصول على نصّ الكلمات من مراجعها، وليس من إشاعات الشارع. ونقول للأستاذ الأديب جبران مخايل: إن تساؤلك حول تلاعب الصحف المهجريّة بقرّائها، يجب أن يتحوّل من تساؤل إلى اتهام، لأنه واقع مؤلـم.
إن التعقّل والهوس أمامنا، وعلينا أن نختار بينهما.
النهار، 25 أيلول 1986
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق