لقد استوحى الأديب والصحافي المعروف نزار جاف مقاله الرائع هذا من مقالي (لماذا يغتصب الآباء بناتهم؟) وها أنا أعيد نشره على موقعي، نظراً لأهميته وقيمة كاتبه الأدبية
الأنثى والخوف.. والشفافية والاستلاب
کان غريبا حين طلبت مني زوجتي أن أصحبها لزيارة الطبيبة الالمانية السيدة”هيلترود فون هايدن” المختصة بأمور النسائية والتوليد، وحين إستوحضت الامر من رفيقة حياتي، أبدت هي أيضا جهلها بالسبب، غير أنها کانت تثني دوما على هذه الطبيبة بعد کل زيارة و تغدق عليها أوصافا في غاية الرقة و الوداعة. ومهما يکن من أمر، فقد إصطحبت زوجتي ذات صباح قارص البرودة ودلفنا الى عيادة الدکتورة السيدة فون هايدن. ووجدتها إمرأة قد تجاوزت العقد الخامس من عمرها بقليل، کانت ذات جمال مميز و تملک بقايا سحر أنثوي لا يزال فاعلا الى حد ما، لکن الذي کان يلفت إليها النظر أکثر من أي شئ آخر، هو ثقتها و إعتدادها الراسخين بنفسها، وقد شعرت بذلک من خلال مصافحتها التي شدت فيها على کفي بقوة. ومنذ الوهلة الاولى، قالت لي، قبل أن أبدأ بشرح السبب في دعوتي أياک لزيارتي، أود أن أن أبادرک بسؤال يحضرني الان وهو: ماذا ترى في المرأة؟ وکما ترون إنه سؤال بسيط، لکنه يصبح صعبا و معقدا حين يکون في حضرة أنثى حقيقية، أنثى تعي بکل جوارحها مصائب و ويلات مجتمع سيادة الرجل، وهنا کانت تسکب العبرات، وکعادة إکتسبتها من خبرتي في العمل المسرحي في معالجة المواقف الصعبة، أخذت نفسا عميقا و حاولت أن أقوم بعملية إسترخاء لکياني الذي کان قد شده الى بعضه البرد، وکأنها کانت تقرأ أفکاري و تسبر أغواري حين داهمتني بإبتسامة رقيقة وهي تقول: لا يا سيد جاف، أنت تأخذ إستعدادا للإجابة مما يفقد إجابتک نکهة البديهة التي تدل على فطرة الانسان! والحق إنها أصابت کبد الحقيقة ذلک إن أجمل الکلام و أصدقه و أقربه للقلب هو ذلک الذي يخرج من أعماق الانسان طبيعيا و بدون تکلف أو سابق تصنع. السيدة فون هايدن قالت لي وهي تحاول أن تنهي حيرتي و تشبع فضولي، إن الذي يراه الرجل کإنسان في المرأة هو الطمأنينة و الدعة و السلام. ولا أخفي عنکم أن إجابتها قد أعجبتني کثيرا ولما کنت دوما متسلحا بالقلم و قصاصات الورق”کعادة أي صحفي کلاسيکي”، فقد دونت رأيها هذا و شئ من ذلک الإحساس الذي أوردته آنفا. وهنا حاولت أن أستلم زمام المبادرة حين باغتتها قائلا: حسنا دکتورة، بماذا أستطيع أن أخدمک؟ وفجأة وجدتها وقد دعت لغة الإبتسامات جانبا وأشارت علي بالجلوس، وهي تقول: لقد أخبرتني السيدة جاف بأنکم کاتب و صحفي، أليس کذلک؟ فأشرت برأسي بعلامة الايجاب، عندئذ إستطردت وهي تقف في زاوية محددة و کأنها في صدد تحقيق نفساني خاص جدا: حسنا سيد جاف، وکما أخبرتني زوجتکم أنکم تکتبون في مجالي حقوق المرأة و حرية الإنسان! وکمن أسقط في يديه لم أملک سوى الإيماء بالإيجاب. وهنا تنفست الصعداء وهي ترفع رأسها وتجعل بصرها شاخصا في سقف الغرفة، ثم رکزت عينيها في عيني وکأنها صقر يحدق في فريسته من السماء وأردفت برقة: لماذا أجد النساء المسلمات بشکل عام والعربيات بصورة خاصة خائفات و خجولات و مترددات و مبادرات بإظهار الالم مهما کان خفيفا؟! وهنا وبدافع من حسي المهني کصحفي إستفسرت منها السبب من وجهة نظرها بحکم خبرتها و إحتکاکها بالنساء من الصنفين اللذين أشارت لهما آنفا. قالت، أنا إن تکلمت فقد تزعجک تصوراتي و رؤيتي للأمر. وحين أظهرت لها إحترامي للرأي الاخر مهما کان نوعه و إتجاهه، قالت بهدوء وکأنها تجمع کل رجال الشرق في شخصي أنا بالذات: بقرة للحرث و الحلب في النهار، ولحم ممدد لإفراغ شهوتکم في الليل!! کلام الدکتورة فون هايدن، کان صادقا و يضرب في الصميم، إنه کلام نابع من تحسس أنثى متحررة ذات شخصية قوية بأخرى مستعبدة ذات شخصية ثانوية و ذيلية في أغلب الاحوال. إنه کلام يحاکي الوضع المأساوي للأنثى في ظل قيم سيادة الرجل التي سوف تبقى طاغية طالما بقت المعايير الفکرية ـ الإجتماعية هي السائدة و المتحکمة في زمام الامور. الخوف و التردد والمبادرة بإظهار الالم مهما کان خفيفا، يرجع في حد ذاته الى عامل الکبت القسري المستمر للأنثى في کل مراحل حياتها و جعلها نموذجا مستلب الإرادة والشخصية و مسيرة بفعل قيم جاهزة و مقننة قبل ولادتها! الانثى تخاف من مجابهة الذکر، تخاف من کشف ما فوق رکبتيها و ما تحت رقبتها، تخاف من الجلوس الى أي ذکر غير المسموح لها”وفق القيم و الاعراف”، تخاف من إظهار حقيقة مشاعرها حيال أي شاب تتمناه أو حتى تحبه في سرها، تخاف وتخاف وقائمة طويلة من خوف لا ينتهي للأنثى إلا في بلادنا الموبوئة بمرض الجمود و مصادرة العقل. وقد صادف في غمار عملي الصحفي أن إلتقيت بالعديد من الوجوه النسوية التي تعمل في مجالات تتعلق بالمرأة و حقوقها، وحين کنت أبادرها بأسئلة تتعلق بقضايا ترجع أسسها للنظام الفکري ـ الاجتماعي، سرعان ماکنت أجد الخوف و التردد على أشده في عيون محدثتي! لقد حولنا الانثى من حيث لا نشعر الى کائن ملغوم بألف سياج شائک يدمي وجودها الإعتباري و يشوه محتواها الإنساني. الانثى التي تجدها لحظات إنطلاقتها الحقيقية من أقفاص الوهم الذکورية، کم هي شفافة و رقيقة و صادقة في عکس إحساساتها و مشاعرها. إنها تحب بصدق و تختار بصدق و تخلص بصدق و تبني أسرتها بصدق، وتود أن يکون کل ماحولها مبني بلبلاب الصدق! وحب المرأة للصدق يأتي أساسا من کرهها العميق المتأصل في غورها للکذب، ذلک أن الواقع الفکري ـ الاجتماعي المحيط بها من کل الجهات، هو واقع مبني على کذب خاص موجه ضدها بالتحديد. إن کره الانثى للکذب يأتي أساسا من العلاقة الجدلية القوية مابين الخوف و الکذب، ذلک أن کل وسط موبوء بالخوف أرضية خصبة للکذب، وحين يمارس الانسان الکذب ويصبح زاده اليومي الذي لابد منه لکي يعيش في وسطه الاجتماعي، عندئذ فقط تبدأ عملية مصادرة إنسانية الإنسان و هو أجلى صور الإستلاب الطوعي الذي تجسد و يتجسد دوما في أنثى بلداننا
**
ملاحظة: کتبت هذا الموضوع بوحي من مقالة للزميل العزيز”شربل بعيني”، تحت عنوان”لماذا يغتصب الآباء بناتهم”والمنشورة في موقع (دروب).
الاخ العزيز جدا الاستاذ شربل، تحية طيبة و تمنيات قلبية بمناسبة السنة الميلادية الجديدة، شکرا جزيلا لکم ولإهتمامکم بمقالتي التي لم تکن ترى النور لولا مقالتکم الرائعة التي کانت الدافع الحقيقي، شکرا مرة أخرى ودمت أخا عزيزا
ردحذفالمخلص
نزار جاف
بون في30/12/2005
http://www.eg-girl.com
ردحذفدردشة شات بنت مصر , دردشة مصرية , شات بنات مصر , شات مصرى , شات بنات , بنت مصر , بنات مصر