رد الأديب الكبير حسين سليمان على مقالي : هكذا يموت الشعراء


اخي العزيز شربل بعيني
شكرا لمقالتك في دروب (هكذا يموت الشعراء) وأنا معك فيها عن حياة الشاعر المليئة بالقلق. القلق والموقف المختلف هما ما يجعلان الشاعر مختلفا عن صيرورة الحياة، عما تريده الحياة. لكن ألا ترى معي أن ماحدث لشعراء عرب هنا أو هناك هو حدث ينم عن قيمة المواطن في وطنه. حيث لا قيمة للمواطن في وطنه والشاعر أخيرا هو مواطن. إن ما سمعناه عن شعراء هو بالتأكيد قد جرى مع مواطنين آخرين لا حيلة لهم لولوج الإعلام. ومآسي الإنسان العربي كبيرة. إنني أنظر إلى ماحدث للشاعرة (المواطنة) الأفغانية ناديا نظرة عامة تشرح معاناة المرأة الأفغانية الشرقية، فهي مهانة ولم يتخلص الشعب الأفغاني من الماضي. يحدث ماحدث مع ناديا هناك -وربما في بلاد الشرق كلها- كل يوم لا لأنها شاعرة بل لأنها امرأة تريد حياتها كإنسانة

وخير أمة أخرجت للناس- لا أحد يتبجح بهذا الكلام، (كنتم خير أمة) وهي دلالة رمزية وتدل على الماضي وهي أن الأمة الشرقية هي أمة بين بين، أي في الوسط ، ليست روحية مائة في المائة كما في بلاد الشرق الأدنى وليست مادية كما في بلاد الغرب مثلا ، لهذا فهي خير أمة وخير الأمور الوسط. لفهم هذه الجملة يراد استيعاب كامل لقانون الحضارات ولانزياحها المستمر من بيئة إلى بيئة. للعربي الشرقي وجه يختلف عن الأوربي أو الصيني
وكي نقرأ هذه العبارة يجب أن نحيلها إلى مبدأ المعاصرة كما أراد ازفولد شبنغلر أوالعلامة ابن خلدون. كما أظن، فنحن العرب الذين نحاول الكتابة محظوظون في هذا العصر ذلك لأنه عصر القلق العربي ولا يعرف المفكر أو الأديب أين الطريق السليم للممارسة المدنية والحضارية. وبالتالي هناك إمكانية فتح واكتشاف ووضع الخطى على الطريق السليم
لقد كتبت تعليقا على مقالة الكاتب الجاد (حسن عبد الرزاق) أن العرب لا يعرفون الديمقراطية، ذلك لأن التركيب الروحي والعقلي لهم يختلف عن تركيب الروح والعقل الغربي. فالغرب ينظر إلى الديمقراطية من عيون تلائمه هو، تلائم روحه ونغمته الحياتية. لهذا فالكون العربي إن أراد أن يقتفي أثر الكون الغربي فإنه سيضيع وتنشأ بالتالي تشوهات في المكان والروح. لقد تشوه المكان في العراق وتشوه في سوريا وفي مصر…. فأنت حين تمشي في المنطقة العربية سترى مقدار الانزياح أو التشوه الذي لا يعبر أبدا عن روح المنطقة العربية الشرقية
إن ما نراه الآن هو شرق يدخل في فاه الغرب. ولا أفكر في طريقة إنقاذ إلا عن طريق الأدب- أدب له يدان واحدة تغرف من أعماق الروح العربية، أي تغرف من الدين العربي ( وكلمة دين هنا ليست هي الإسلام أو المسيحية) الدين الذي أقصده هنا هو النواة التي تجذب أجزاء الجرم إلى بعضه ويقوى ويدور ويشكل مكانا، ويد أخرى تنظر إلى نوع الأمل والهداية والطريق
نقلاً عن مجلة دروب
***
ردي على الأديب حسين سليمان
تعليق شربل بعيني: 12 نوفمبر 2005 في الساعة 11:30 pm
أخي العزيز حسين سليمان
أنا معك كلمة كلمة، ولكنني أتساءل: كيف يبدأ الأدب بإنقاذ أمته، وهو بحاجة إلى من ينقذ أربابه؟..
أنا يا أخي الرائع عربي حتى العظم، وملقح من دين آخر.. أي أن الأديان عندي واحدة، أنظر إليها بمنظار واحد، فتهزني أخبار أمتي العربية، وأتألم لمصيرها، ومصير إنسانها، فهل من العدل أن يموت المخرج العالمي مصطفى العقاد في بلد عربي كما مات، وهو من أخرج أعظم الأفلام التي تخلد التاريخ العربي، كي لا أقول الإسلامي؟، وهل من المعقول أن يبيع شاعر كليته في وطن يبيع بتروله بكوبونات سرية؟ هذا ما يؤلمني يا أخي حسين، ولقد أحسست أنه يؤلمك مثلي.. فأنا مستعد أن أفعل ما تريد من أجل تغيير وتحسين أوضاع شعبي العربي.
أشكرك على المقال..
وأشكرك على التحليل الرائع المقنع
****
رد الأديب حسين سليمان على ردي
تعليق حسين سليمان: 13 نوفمبر 2005 في الساعة 6:25 pm
شكرا لك أخي العزيز شربل على هذا الرد الجميل
مرة كنت أطل أنا وأحد اصدقائي من شرفة في مدينة حلب على مؤيدين لفريق كرة السلة الحلبي، وكانوا يصرخون بهجة بفوزهم كأس سورية، كانوا مثل المجانين، فقال لي: لو يوجهون هذه الطاقة الى طاقة تغيير الوضع البائس؟! فلم أرد عليه، فصمت كي يقول: … أعرف أنهم لا يملكون حيلة كما لا نملكها نحن، من ملكها وعبر عنها يقبع الان في السجن.. لكن أفكر لو أنني أصرخ في وجههم الآن من فوق وأقول لهم: شوفوا يا جماعة النبي محمد (أو المسيح) يمشي في الشارع الآخر!!! فماذا سيفعلون.. والله سيتركون الكرة ويذهبون اليه، سوف يتبدلون فجأة وعلى حين غرة…. سوف تأتي بعد ذلك كل حلب .. بل كل العرب، ويصبح لنا شأن. لقد تأملت هذه الصورة وفكرت حينها أن المسألة العربية (الشرقية) لن يحلها سوى نبي. فأنبياؤنا هم الذين قدموا لنا الحضارات، إن كانت فرعونية ام سومرية او عربية الخ (وهذا ما تقوله كتب الاساطير والدين ، عن المهدي وعودة السيد المسيح، فالعودة الشرقية ستكون عن طريق نزول السيد المسيح مرة اخرى!) هذا الموضوع يحتاج الى مقالة.. لكن الفكرة هذه إن كان فيها جانب من الصواب فإننا سنظل ننتظر المخلص (الفردي) الإلهي (مرة أسقطته النفس العربية في شخص جمال عبد الناصر)-على كل حال. النبي (المعاصر) الذي نبحث عنه غير موجود، والأدباء العرب بيدهم أن يكونوا نبيا واحدا ذلك إن اجتازوا انانياتهم وعصاباتهم ووضعوا نصب أعينهم المسألة الانسانية العربية. الفنان الأصيل هو نبي عصره أديبا ام رساما ام موسيقيا لقد قال الالمان حين لم يستطيعوا اختراق موسكو: أن شعبا يملك مثل شايكوفسكي لا يهزم. ذلك لأن هذا الفنان العظيم قد وصل الى مرتبة النبوة. لم يقد الشعب سياسيا لكنه قاد الروح الروسية وارتفع بها
أمام الأديب العربي مشروع كبير، غير موجود في بقية الأمم
***

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف1:47 م

    تعليق رائع من أديب رائع، حسين سليمان لا فض فوك

    ردحذف