شربل بعيني: قصيدة غنتها القصائد

بقلم محفوض جرّوج
إتحاد الأدباء العرب، سوريا

إِسْتَلَمْتُ كتابَ الأديبة مَي طبَّاع " شربل بعيني قصيدة غَنَّتْها القصائدُ " ، فوقفتُ حِيالَهُ خاشِعاً وَرِعاً، وفي قلبي شوقٌ عارِمٌ ومُلِحٌّ إلى هذا الأثرِ الفنّيِّ النَّفيس، وفي نفسي ظمأٌ شديدٌ إلى النّهْلِ من هذا الموردِ الأدبِيِّ البديعِ. فَأَقبلتُ على هذا الكتابِ أقرأه بكثيرٍ من الشّوقِ واللهفةِ، وأنهلُ مِمَّا أَبدعته قريحة مَي الفيّاضةُ. وكأنّني على موعدٍ مع هذه التّحفة الرّائِعةِ شَكْلاً ومضموناً، والمُنْبَثِقَة من قلبِ إنسانةٍ رقيقةٍ مرهفةِ الحسّ والمشاعرِ. فهي لـم تكتُب أثرَها هذا بالمداد، ولكنَّها سَطَّرَتْهُ بأَعْصاب فؤادها، وذوبِ عاطفتها الإنسانيّة. فكانت عينُ المولى راضيةً عنها، فمدَّتها بالوحي والإلهامِ، حتّى جسَّدت هذا العمل الفنّيَّ المعبّرَ عن رسالة شَربل بعيني الشّعريّةِ أصدق تعبيرٍ ، بكلّ ما فيها من معاني الحياة السّامية، ومن مقاصد السموِّ الإنسانيّ . فشعرُ شَربل، والحقّ يُقال، تعبير عن صوفيّة النفس والحياة والعالـم

مشكورة جداً، أديبتنا مَي، على الجهد الذي بذلته في تصنيف هذا الأَثَر الرائع، بمثل هذه الحرارة وهذه الإحاطة وهذا العمق. فقد أحاطت بمؤلَّفها جميع الجوانب، وجلت الصورة التي رسمها خيالي عن الشَّاعر، بعد أن لوَّنتها بريشة مبدعة جامعة، مغموسة في حبر الأصالةِ وليس في وحلِ التقليدِ، فجسَّدت في البعيني ذلك العصامي الحر المناضل في سبيل حياة أفضلَ، ومقام أنبلَ له ولشعبه. فكان المحدِّقَ بعينينِ نهمتينِ، لا تكلاّنِ من التطلُّعِ إلى شلاّل النّورِ الأزليِّ .. الظامىءَ أبداً إلى منبع مِعطاءٍ، ينشرُ الطيبَ، ولا تنضبُ فيه مياهُ الكرامةِ والوفاءِ، بل يبقى ينسابُ مترقرقاً بالدّراري، الّتي تتألّق شعراً أَخَّاذاً، لا تذوي من حوله زهور الأمل

وشربل، لَعمري، فنّان مبدع، كما عرفته تماماً من خلال قراءتي لكتبه، مَشْبُوب الفكر والقلب والرّوحِ، تسري فيه تلك النّـارُ القُدسيَّةُ، الَّتي تسمو بإنتاجِه إلى أفقٍ أَخضرَ يموج بالعبقريَّةِ

ينزعُ شَاعِرُنا نحو الكمالِ الفني، ولا يكفّ عن التطلّع إليه، مهما كان عسيرَ المنال، صعب المرتقى، فروحه اليَّقِظَة أبداً، تدفعه إليه دفعاً، مضحيّاً بكلِّ شيءٍ بُغْيَةَ الوصولِ إليهِ

أمنيته تتركَّزُ دوماً في التفوُّقِ الفنّي، وطلبِ المزيد من الإبداعِ، الّذي جعلهُ هدفاً وحيداً في الحياةِ، يسعى إليه بكلِّ ما حباه اللـهُ من قوّةٍ ودفعٍ وإلهامٍ، ليتصيّده ويتبتّل في محرابهِ، ناشداً الخلاص من كلِّ قديمٍ يكبّله، ويقف عثرةً في طريق عدم إرضاء حالته الفنيّة

جبّار كالنسر هُو شَربل، يـحمل زاهداً ذلك المجد الباذخ على كتفيه، وينتقل من ذروة إلى ذروة، وكأنّه لا يرضى بغير القمم السّامقةِ مقاماً، ولا يقبل بغير الثّريّا موطناً وموئلاً. أمّا السّفوح والوهاد فقد بعد عنها لأنَّها كانت، وما زالت، مسرحاً للبُغاث

لقد كان مبدعاً فيما كتب، فارتفعَ بمؤلفاته إلى الذّروةِ، الّتي صبا إليها طموحه، وأضافَ إلى المكتبة العربيّة بشكل عام والمهجريّة بشكل خاصٍ، أسفاراً نفيسةً زادت الأدبَ الرّاقي ثراءً وغنى، والكتابةَ الفنِّيَّةَ سناءً ورواءً، بكلّ ما فيها من بيانٍ مشرقٍ أخّاذٍ

عشت، يا أخي شربل، للقلمِ الحرِّ، للأدب الرّاقي، للخيالِ المجنّح وللفنِّ الأصيلِ الجميل سنداً ونصيراً. ودمتَ لمجد الحرف العربيّ قصيدة متهلّلة القافية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق