لقاء مع شربل بعيني عام 2000

حاورته الفنانة نجوى عاصي

مسرح الكبار إلى الوراء، ومسرح الطفل في تقدّمٍ مستمر. هل يتغلّب مسرح الصغار على مسرح الكبار؟.. وهل بدأ مسرح الاطفال في تثبيت قواعده؟
منذ سنوات دأب الفنّان شربل بعيني، وهذا لقب جديد ألقّبه به، على تقديم نص مسرحي كل عام للطفل. لماذا الاهتمام بمسرح الطفل؟.. هل للحفاظ على التراث؟.. أم للحفاظ على اللغة العربية في المغترب؟.. أم ماذا؟
أسئلة حملتها مجلة (أميرة) ليجيب عليها الفنان الشاعر
شربل بعيني. وكان هذا اللقاء



قرأنا في مجلة (أميرة) أن مسرحية (طلّوا المغتربين) ستطل علينا في الثالث والعشرين من هذا الشهر.. فهل لك أن تخبرنا عنها؟
ـ (طلّوا المغتربين) مسرحية إجتماعية فكاهية غنائية راقصة.. تعالج المشاكل الطبقية بين المقيم والمغترب.. إذ أن المقيم ينظر إلى المغترب، في معظم الأحيان، نظرة ابتزاز ليس إلاّ.. بينما المغترب العائد الى وطنه فلا شيء يعجبه على الإطلاق.. وأعترف أنني، في المشوارين اللذين قمت بهما إلى لبنان السنة الماضية، حاولت أن استنطق معظم الذين التقيتهم، لأسرق منهم حوار المسرحية.. فلقد تأففت كثيراً، وانتقدت الحالة الاجتماعية بقرف ظاهر، وكنت في نفس الوقت أسمع إجابات أخبث من تأففي وأعمق من انتقاداتي.
هذا يعني أن المسرحية أخذت عن أفواه الناس؟
ـ بالطبع.. وعندما تشاهدينها ستقولين في سرِّك: لقد قلت أنا، في يوم من الأيّام، مثل هذا الكلام.
أعتقد أن مدرسة سيدة لبنان هي المدرسة الوحيدة التي أنتجت مسرحيات عديدة للأطفال، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: فصول من الحرب اللبنانية، آلو أستراليا، الطربوش، ضيعة الأشباح، هنود من لبنان، المدرسة، يا عيب الشوم، شارع اللبنانيين وجارنا أبوريجيني وغيرها وغيرها.. فلماذا يا استاذ شربل؟
ـ لأن المسرح يعلّم الطفل كيفيّة النطق بلغته الأم.. إذ أن معظم الطلاّب المولودين في أستراليا يجدون صعوبة في التحدّث بلغتهم الأم.. فما النفع إذن من تعليمهم القراءة والكتابة باللغة العربية ولسانهم مربوط عند التكلّم بها. هنا يأتي دور المسرح في تنميّة مواهبهم وصقلها، وزرع المفردات العربية العاميّة بدون تكلّف على ألسنتهم الطريّة.. وصدّقيني، وأنت الممثلة القديرة، أن لا شيء كالتمثيل يفك عقد ألسنتهم في بلد كل ما فيه إنكليزي اللغة والتربية والعادات . هذا من جهّة، أما من الجهة الثانية فراهبات العائلة المقدسة ـ المارونيات في معهد سيّدة لبنان، يشجعن كثيراً المسرح الطفولي في معهدهن.. ويعتبرنه مهرجاناً إغترابياً بكل ما للكلمة من معنى.. وصدقيني أن فضل هؤلاء الراهبات على أجيالنا الصاعدة سيدوّن بالذهب على صفحة اغترابنا في أستراليا..- فألف شكر لهنّ.
كم عدد الأطفال الذين سيشاركون في هذه المسرحية؟
ـ لا أدري بالتحديد.. ولكنهم أكثر من 200 طالب وطالبة. وفي بعض المسرحيات التي عرضناها سابقاً تخطّى عددهم الـ 600، كمسرحيّة (الطربوش) مثلاً، إذ أن مشهد المظاهرات أجبرنا على الاستعانة بتلامذة جميع الصفوف الابتدائية في المعهد. وأعتقد أنّك شاهدت المسرحيّة وعاينت هذا الكم الهائل من الأطفال
لقد شاهدت معظم مسرحيّاتكم وكتبت عنها، وطالبت الكبار بالتعلم من الصغار الذين أجادوا أدوارهم حدّ التقمّص
ـ أشكرك على تشجيعك الدائم لأطفالنا
أراك في معظم مسرحياتك توجّه النقد اللاذع للجالية اللبنانية فقط.. أين باقي الجاليات؟
ـ أولاً: لأن معظم مشاهدي مسرحياتي من أبناء الجالية اللبنانية، لذلك أوجّه لهم النقد البنّاء بقلب محب، وهم يتقبلونه من أطفالهم بابتسامات عريضة.
ثانياً: يقولون أن الأديب مرآة مجتمعه، وها أنا أغرف من المرآة ما أراه بحاجة إلى نقد وأنتقده، كي تتجمل صورتنا أمام أعين الآخرين. وأعتقد أن من الأفضل ألف مرّة أن ننتقد بعضنا البعض ونقوّم اعوجاجنا من أن ينتقدنا الآخرون.
في مسرحيّة (يا عيب الشوم) انتقدت طاولة الشرف والمستميتين للجلوس عليها.. واعتبرتها أكبر عار لنا، لدرجة أنني دفعت بأحد الممثلين الصغار ليبول عليها أمام أعين المشاهدين.. وقد تقبّل الجمهور المشهد بضحكات عالية وتصفيق شديد. كما انتقدت في مسرحية (شارع اللبنانيين) مهربي المخدرات.. وعرّيت في مسرحية (الأشباح) جميع الطائفيين المتلاعبين بأعصاب الناس.. وكشفت عورة جميع العنصريين في مسرحية (جارنا أبو ردجيني).. وبعد كل هذا ألا يحق لي انتقاد جاليتي الحبيبة وتوجيه اللوم لها قبل أن يتهمها أحد من (خارجها) بالإنحراف..كما حصل لها في الآونة الأخيرة مع مفوّض الشرطة بيتر راين؟
لماذا لا تكتب لمسرح الكبار؟
ـ ومن هم الكبار في نظرك؟! إذا كنت تقصدين المشهورين منهم، فالشهرة في هذه البلاد مضحكة للغاية.. كما أنها لا تعنيني أبداً. أما إذا كنت تقصدين الكبار في السن، فاسمحي لي أن أقول أن التعامل مع الصغار أفضل وأجمل وأريح.. هم يسمعون توجيهاتك بعقل منفتح ويعملون بها دون جدال ودون منافسة وثرثرات فارغة.. أما الكبار فيلزمهم الانضباط، والترفّع عن الصغائر، واحترام الممثل الآخر، وعدم التلاعب بالنص. النص شيء مقدّس، ومن يتلاعب به يجب أن يحاكم.. (والكبار) يتلاعبون بالنص بتفاهة مقرفة تجعلك تتقيّئين، خاصّة إذا عاودت الكرّة وحضرت المسرحية ذاتها مرة ثانية، فلسوف تجدين نفسك أمام نص آخر لمسرحية واحدة بسبب خروج بعض الممثلين (الكبار) عن النص. ناهيك عن تعرّض المؤلف للمحاكمة إذا تلفّظ أحد الممثلين بكلمات من عنده، قد تسيء، من حيث لا يدري، للأديان السماوية، أو لبعض الأشخاص أو التجمّعات في المجتمع.. نص المسرحية يكون مدروساً قبل عرضه.. أي أنه خال من الشوائب القانونية.. فلماذا نشتري البهدلة لأنفسنا
أنا شخصياً أجد نفسي مع الصغار.. مع البراءة.. مع الانضباط الكامل ومع النجاح المتواصل
أين نقدك للأهل الذين لا يشجعون أطفالهم على النطق باللغة العربيّة؟
ـ لقد عالجت هذه المشكلة في معظم مسرحيّاتي.. واعلمي أن سبب عرض هذه المسرحيّات هو تأنيب غير مباشر للأهل المتنكرّين للغتهم الأم.. أنا لا أنكر أن هناك مشكلة تواجه الأطفال اللبنانيين المولودين من أمهات أجنيات، ولكننا في مدرستنا نحاول أن نزرع حروف اللغة العربيّة على ثغور هؤلاء الصغار
هل يفهم الأطفال الممثلون مضمون المسرحيّة، وما تنطوي عليه من انتقادات؟
ـ أكيد.. وإلاّ لما تمكنّوا من التمثيل، ومن توصيل النقد للجمهور. وصدّقيني أن الطفل لا يتفوّه بعبارة لا يفهم معناها.. إنه يسأل كثيراً، ويستفسر كثيراً.. ولهذا ينجح
هل من كلمة أخيرة تحب أن توجهها لأبناء الجالية؟
ـ أحب أن أدعوهم لمشاهدة مسرحيّة (طلّوا المغتربين).. كي يعيشوا أجمل لحظات العمر مع فلذات أكبادهم الذين لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة.. وأعدهم بأن هؤلاء الصغار سيبيضون الوجه، وسيرفعون الرأس
كما أحب أن أشكرك آنسة نجوى، وأشكر أسرة مجلة (أميرة) وخاصة الصديقين محمد شاهر المسلماني وشوقي المسلماني على هذا اللقاء الشيّق.. وأدعو (لأميرة) بطول العمر.. وفقكم اللـه

مجلة أميرة (سيدني أستراليا) ـ العدد الخامس ـ حزيران 2000

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق